يبدو ان الأقلام التي سال مدادها وهي تستنكر الخطوات التي اتخذتها السلطات المصرية في ابعاد اثنين من الصحفيين السودانيين وهما الطاهر ساتي من الانتباهة وإيمان كمال الدين من السوداني ، لم تتجاوز حدود العاطفة بالرغم عن ان الاول جاء ليؤازر زوجته المريضة التي تستشفي في القاهرة والاخرى جاءت لتشارك في دورة تدريبية ، اما الصحفي الثالث فهو هيثم عثمان والذي كان من المفترض ان يرافق زميلته في السوداني ايمان كمال في ذات الدورة المقامة بالاسكندرية لم يتم منحه تأشيرة الدخول من البداية ولم يغادر الخرطوم لهذا السبب، ويبدو ان تلك الاقلام السودانية التي تناولت الحدث كأنها لم تنتبه للعقلية المصرية في التعامل مع الاحداث وقدرتها في تحريك الموضوعات وان كانت النهايات ليست في مصلحة السياسة المصرية، والسؤال لماذا منعا من دخول المحروسة والوصول الى قاهرة المعز؟. وواضح من هذه الخطوة ان هنالك رسالة الى السودان هي ان المخابرات في مصر هي التي تسيطر على الامور وان حديث الرئيس البشير في احد الحوارات مع احدى القنوات العربية، ذكر ان علاقته بالرئيس السيسي جيدة لكن المخابرات المصرية هي تدير شأن المعارضة السودانية في مصر، والرسالة الثانية التي وصلت هي ان اي حديث لاي مسؤول مصري مهما كان مستواه حتى لو كان وزير الخارجية لا يتفق مع رؤية جهاز المخابرات يعتبر كلاما للاستهلاك السياسي والاعلامي، وان الوعود والتعهدات التي اطلقها وزير الخارجية المصري سامح شكري بالخرطوم بشأن ممتلكات المعدنيين السودانيين في مصر والتي هي بحوزة السلطات، ووقف حملات التراشق الاعلامي التي تبثها وسائل الاعلام المصرية، فان تلك التعهدات تعتبر كأنها لم تكن ان كان وزير الخارجية ورأس الدبلوماسية في مصر دخل في هذا الحرج البالغ ، بسبب هذه الخطوة التي تمت في مطار القاهرة وحرمان دخول اثنين من السودانيين بهذه الصورة ان كانوا اعلاميين ام لا. والسلطات المصرية كان في إمكانها ان تسمح للطاهر ساتي، وإيمان كمال بالدخول وتراقبهما لتثبت ان قرار المنع الذي أتخذته مبرر وله حيثيات، ومن حادثة الطاهر وايمان هذه يمكن ان يسري على بقية الصحفيين الموجودين في القائمة السوداء للصحفيين السودانيين طرف القاهرة كما أشارت صحيفة الانتباهة لذلك. فالحرج الكبير الذي وقع فيه وزير الخارجية المصري بسبب هذه التصرفات ليس مستبعدا ان يقع فيه الرئيس عبد الفتاح السيسي ، وان كان وقع فيه بالفعل الامر الذي يكشف ان المؤسسات في مصر هي جزر معزولة وان كل جهة تحاول ان تستقوى بما تملك من صلاحيات ان كانت بالقوة المادية مثل القوات النظامية او بالدستور والقوانين التي منحتها قوة من الصعب انتزاعها مثل السلطة القضائية او السلطة التشريعية. ويبدو ان الملفات في مصر تدار بطريقة يغيب فيها التنسيق الكامل حتى لو كان من باب تبادل الادوار ليصب الامر في النهاية لصالح مصر ، ويبدو ان التعهدات المصرية تجاه السودان تتجه الى ناحية المماطلة والتسويف. وبالتأكيد فان السودان من خلال تعامله مع هذا الامر كان سيكتشف لاحقا ان كانت تلك الوعود التي قدمها وزير الخارجية سامح شكري، هي لكسب الوقت او للكسب السياسي والاعلامي ام هي وعود واجبة التنفيذ، وحينها ستكون كلمته منطقية ومقنعة الحجة للذين يكنون لمصر ودا وحبا واحتراما، ولكن المخابرات المصرية ارادت ان لا تطول فترة انتظار السلطات السودانية لكشف مصداقية هذه التعهدات وجعل ساعات الانتظار او الاختبار ان لا تتجاوز 72 ساعة فقط. وكما هو معروف ان السياسة لا تحكمها العواطف بل تحكمها المصالح كما نشهده كل يوم في تبديل المواقف ليصبح عدو الامس صديق اليوم ،وصديق اليوم يكون عدو الغد ، وكما هو معروف فان المصالح المصرية في السودان أكبر من المصالح السودانية في مصر وهذا الامر لا يحتاج لذكاء او فطنة، وبالتالي فان مصر يجب عليها تقدير الامور وفق هذه المباديء التي ينتهجها كل العالم . والقضية ليست في ابعاد صحفي واثنين من مطار القاهرة، فكثيرا ما تتم علمية الابعاد في كثير من المطارات في انحاء العالم ، وكان اخرها هي ان السلطات السودانية منعت رئيس حزب مصري معترف به في مصر وهو الدكتور عبد المنعم ابو الفتوح رئيس حزب مصر القوية من الدخول للخرطوم وارجاعه من مطار الخرطوم والذي جاء بدعوة رسمية لحضور المؤتمر العام للمؤتمر الشعبي في الشهر الماضي والمشاركة في فعاليات تأبين الدكتور حسن الترابي، والدكتور ابو الفتوح تقبل الامر لمعرفته التامة بحيثياته، وهو يدرك ان الخرطوم ارادت ان تبدي للسلطات المصرية نيات حسنة وتزيل مخاوفها الوهمية. ولكن أمر الابعاد الذي تم للطاهر وإيمان ليس في اجراءاته الشكلية وانما هدفت منه المخابرات المصرية ان تعبر عن فشلها في الرد على الاتهامات التي وجهها الاعلام السوداني ،وكشف مخططاتها وطريقة عملها ضد السودان والتي كانت حاضرة بشكل يومي في مقالات الكاتب اسحق احمد فضل بأخيرة الانتباهة التي تضرر اثنان من منسوبيها من هذه الاجراءات، والرسالة الثانية هي ان الصحافة السودانية لعبت دورا كبيرا في تبصير المواطنين السودانيين بحقيقة المنتجات الزراعية المصرية التي تروى بماء الصرف الصحي وبالتالي تكبد الاقتصاد المصري خسائر كبيرة من جراء هذه الحملة التي قادتها الصحافة السودانية، ولم تتوقف الصحافة السودانية فقد قادت حملة ضارية ضد السخرية التي قادها الاعلام المصري ضد الانسان السوداني وحضارته بعد زيارة الشيخة موزا والدة أمير قطر لاهرامات البجراوية شمال السودان، الامر الذي جعل الكثير من الشباب والاعلاميين لقيادة حملات لتعريف بان السودان هو أصل الحضارة. فالخدمة التي قدمها الاعلام السوداني في تبصير مواطنيه، فشل الاعلام المصري في تقديم دفوعات لتأكيد ان ترهاته بها جزء من الحقيقة ، وهذا الامر جعل المخابرات المصرية ان تتدخل وتقدم هذه الرسائل الخاطئة في وقت غير مناسب، وقد تكون للمعركة السياسية والاعلامية بقية !!