عاشت حركة الزعيم الجنوبي الراحل جون قرنق دي مبيور في مآزق متعددة منذ رحيله قبل 12 عاما وفي طريق حركته الان تطل الخلافات والانقسامات في كل اطراف مشروعه فى بقايا حركته فى السودان والوليد الجديد جنوب السودان ومن بين ازقة المشهد أطل المخلوع من منصب الأمين العام للحركة الشعبية ياسر عرمان من جديد ومن خارج أسوار البيت الكبير كمن يبكي على اللبن المسكوب وهو يعيد لسطح الأحداث. رؤية السودان الجديد التي قبرت مع مؤسسها جنوباً عقب أيام معدودة من اتفاقية السلام الشامل، بدخول البلاد مرحلة السلام المشهودة استبشر الناس بمستقبل زاهر وليس بعيدا عن ذاكرة العالم تدفق ملايين المواطنين بالساحة الخضراء لاستقبال جون قرنق مبيور للدرجة التي أذهلت الجميع وخطابه على الملأ محييا فيه مواطني الحاج يوسف على وجه الخصوص وهي محل سكنه قبل تمرده حيث ترك المشهد آثارا طيبة، لكن هيهات . عرمان وزمرته ممن يؤمنون بمشروع السودان الجديد أضاعوا فرصة ثمينة من استقطاب المواطنين الذين مالوا بشكل كبير خلال فترة وجيزة من عمر السلام نحو المشروع لدرجة ربما أقلقت مضاجع الأحزاب السياسية ذات الوزن الجماهيري الكبير بمن فيها المؤتمر الوطني نتيجة التأثير بمرحلة السلام والأمن والرخاء الذي عم ربوع السودان ان لم يكن في دارفور التي اندلعت فيها الحرب عبر مخططات اللوبي الغربي المعادي لوحدة البلاد وذلك بعلم الحركة الشعبية وهي التي ترفع شعار الوحدة على أسس جديدة و أنها تنحاز للغلابة والمهمشين ، حيث قادت أزمة دارفور البلاد إلى مجلس الأمن الدولي وفرض عقوبات متتالية عليه بدعاوي منها انتهاكات حقوق الانسان وهو ما عبد الطريق سهلا لدخول المنظمات الغربية الإقليم والقوات الأممية وذلك خلال فترة وجيزة من اندلاع الحرب فاقت في سرعتها تداعيات حرب الجنوب والتي صنفت على أنها أطول حرب اهليه في القارة الإفريقية ودامت أكثر من عقدين وجاءت اتفاقية السلام الشامل لانطلاق مرحلة جديدة وتحقيق الوحدة الجاذبة ، وقالت الحركة ان تطبيقها بالنقطة والشولة وما صاحبها من صيغ وبنود في تقسيم الثروة والسلطة وصيغ نظام الحكم المختلفين سيحقق ذلك ، بينما كان من الواضح أن هناك اطرافا تسعى للانفصال بما في ذلك الأحزاب السياسية الأمة القومي والاتحادي الديمقراطي الأصل والمؤتمر الشعبي والشيوعي وعدد من الاحزاب الحديثه من خلال مؤتمر جوبا الذي دعت له الحركة الشعبية قبل الاستفتاء والذي انتهى بمقررات من أهمها التأكيد على احترام خيار الجنوبيين لصالح الوحدة أو الانفصال. شهدت مؤتمرات وندوات الحركة الشعبية عقب فترة السلام مخاطبة شريكها في الحكم بتهديداتها في نقل الحرب إلى الأطراف الجغرافية للبلاد في الجنوب الجغرافي الجديد _ جنوب كردفان والنيل الازرق _ والشرق والغرب ثم الهيمنة على الخرطوم ، ولم تدع لفضل التعايش السلمي وقد شهدت فترة الخمس سنوات الانتقالية من عمر نيفاشا وما بعد الانفصال صراعا عنيفاً بين المؤتمر الوطني الحزب الحاكم والحركة الشعبية التي جرت الأحزاب السياسية المعارضة وحركات دارفور المسلحة إلى صفها وقوة التنسيق معها في الجوانب السياسية والعسكرية لزعزعة الأمن والاستقرار في الشمال كامتداد لخطط تقسيم البلاد لا وحدته. الانفصال مثل هزيمة ساحقة لمشروع السودان الجديد وهناك أحداث تاريخية لن تغفر منها احداث الاثنين اثر تلقي الجنوبيين نبأ وفاة جون قرنق ساعدت المؤمنين بالانفصال من الجنوبيين على نشر الكراهية والغبن اوساط الجنوبيين وكان البعض منهم يطلق على المشروع «أوهام جون قرنق دي مبيور»، وينعتون شماليي الحركة بمن فيهم ياسر عرمان بالجلابه وان أي دعوة للمشروع تمثل خيانة عظمى لطموحات واشواق الجنوبيين في المقابل لم تكن شروط الوحدة الجاذبة واضحة بالنسبة لعامة الناس كذلك هوية المشروع واجندته سوى ماينشر عبر الاعلام في انه يحمل فصل الدين عن الدولة والعدل والمساواة والعدالة والتحرر من قبضة المركز والثقافة الواحدة وفي الوقت الذي كان يصف فيه أبناء الشمال ياسر سعيد عرمان المتزوج من جنوبيه الأصول شمالية الجغرافية على أنه أوباما السودان القادم واتبع عرمان سياسة الكيل بمكيالين لاطروحات المؤتمر الوطني وانتقاده الحاد لطريقة إدارته للبلاد وكان حريصا على حقوق الجنوبيين، في ذلك الوقت يعلق الجنوبيين خريطة دولتهم منفصلة بمباركة من أمريكا وإسرائيل وغيرها من الدول الغربية وبعض دول الجوار. وفي الوقت الذي يمضي فيه الشمال إلى القضاء على النزاعات المزمنة عبر لغة الحوار، تشتد الحروب وطأتها بين رعاة مشروع السودان الجديد في دولة الجنوب والاحتراب القائم بين الحركة الشعبية قطاع الشمال لايتوقع بعض المراقبين أن يجتمع الشمل من جديد بفضل المتغيرات التي جرت هنا وهناك وأصبح أصدقاء الأمس أعداء اليوم، ولم تتضح بعد الآثار المترتبة على صراعات دعاة السودان الجديد سوى مزيد من الانقسامات ليخرج ياسر عرمان الذي كان يحلم بسودان جديد يتنبأ من جديد عن بداية جديدة وميلاد ثاني لرؤية السودان الجديد، والنظر اليها بذهن صافي ومتقد، وجمعي وجماعي ولن يتأتى ذلك الا بنظرة نقدية شاملة تأخذ معاول الهدم للبناء والتجديد لكل ما جرى منذ 16 مايو 1983م الي يومنا الراهن، حتى نبحر الي ضفاف جديدة دون أن نفقد وجهتنا وأساسياتها والتي تتجه نحوها أجيال جديدة لها لغتها وأحلامها وأساليبها على حد أشواقه تمثل إطلالة عرمان الأخيرة يتعذر الرؤية التي يمكن الافتراض على أنها أشواق أضحت غير متبادلة بين الشمال والجنوب كأنها تؤسس للصراع المتطاول في بلد متعدد الثقافات واللغات والاجناس ولا تزال الرؤية تنظر إلى الشماليين العدو الأول للجنوبيين كما لم يتخلص السودان من استرداد عافيته الاقتصادية والديون الخارجية ولم يزل الجوار غير آمن مع دولة الجنوب. ..فهل دعوة ياسر الأخيرة قطعها من رأسه أم بايعاز من المجتمع الدولي الذي أصبح عاجزا حيال ما سببه من أزمات للسودانيين جاءت عكس تحقيق رغباته في المنطقة.