(1) الداعية الاسلامي المصري الامريكى المغفور له بإذن الله حسان حتحوت قال ذات مرة انه يخاف على الاسلام من بعض الغيورين عليه، اكثر مما يخاف عليه من اليهود وغيرهم من الاعداء المفترضين. تذكرت مقولة الداعية الراحل وانا استمع عبر اشرطة يوتيوب وشاشات التلفاز الى هتافات جموع السلفيين المصريين الغاضبة وهي تجوب شوارع القاهرة :(بالدم والروح نفديك يا إسلام)! ما الذى أصاب الاسلام فأخرج هؤلاء النشامى الى الشوارع؟ ما هو الخطر الذى احدق بأُمة محمد فدفع الى كل هذا الهياج الاعمى، الذى افضى – كما نقلت الاخبار – الى ازهاق ارواح نفر عزيز من أبناء المحروسة؟ (2) اعلن المذيع ان عددا غفيرا من احبابنا السلفيين يحاصرون كنيسة مارى مينا بمنطقة أُمبابة ويحاولون اقتحامها، وان عناصر من القوات المسلحة تجهد لحماية الكنيسة. وان عددا آخر شرع فى مهاجمة الكنائس في احياء اخرى من القاهرة. بعدها بربع ساعة جاء فى الاخبار أن جموعاً غفيرة من الاقباط تجمعت واعتصمت امام مبنى التلفزيون المصري وطالب قادتها من الولاياتالمتحدة التدخل لحماية مسيحيي الكنانة. وماهى الا سويعات حتى صرح ناطق باسم لجنة العلاقات الخارجية فى الكونغرس الامريكي عن قلق الولاياتالمتحدة من تنامي مظاهر اضطهاد المسيحيين فى مصر! الذى يتابع التطورات لا تخطئه معالم الفتنة الطائفية التى ظل نطاقها يتعاظم يوما بعد يوم خلال الاشهر القليلة الماضية. رأس الرمح فى هذه الفتنة هو الجماعات السلفية، التى بدأت مسيرتها الجهادية القاصدة بترويع المسلمين أنفسهم، بعد ان شرعت فى هدم أضرحة وقباب الاولياء. ثم عرجت على المسيحيين من خلال حرق وهدم الكنائس، وقتل التجار والقساوسة، واشاعة الذعر بين الاقباط فى عديد من المدن والقرى، ثم التهديد باقتحام الأديرة. (3) من قبل نجحت هذه الجماعات فى ترويع الحكومة فأجبرتها علي الانصياع والتراجع عن قرار بتعيين محافظ مسيحي لمحافظة قنا. وكانت الجماعات قد قلبت محافظة قنا رأساً على عقب مستنكرة تعيين محافظ قبطى، على أساس أن المبدأ الاسلامي واضح بشأن عدم جواز تولية الكافر. كيف تنصّب الحكومة مسيحياً قبطياً على ولاية المسلمين، والمبدأ الاسلامي يقول:(لا ولاية لكافر)؟! هل جنّت الحكومة.. ام انها لا تعرف احكام الاسلام؟! وبطبيعة الحال فقد ظهر ان جنون الحكومة كان جنوناً عارضاً ومؤقتاً. حيث انها استعادت رشدها، ورجعت عن غيّها، وحسُن اسلامها، بعد أن نبهتها الجماعات السلفية مشكورة الى مفارقتها لجادة الصواب، فسارعت الحكومة الى اصدار قرار بإلغاء تعيين المحافظ المسيحى. (4) لم يعرف عن السلفيين المصريين مثل هذا الدور المتصاعد في الحياة العامة قبل ثورة يناير 2011، بالعكس تماماً كان السلفيون الوهابيون فصيلاَ مدجناً، يمارس نشاطاً دينيا محضاً، بل ويعمل في بعض الاحيان تحت إمرة وتوجيه الاجهزة الامنية الرسمية. وجاء خروج الجماعات السلفية الى الشارع السياسي بعد الثورة بعد اقامة متطاولة داخل القمقم الامنى جاوزت الثلاثة عقود. (5) حتى الآن فإن خيار الحكومة المصرية الجديدة للتصدى للازمة هو «الجلسات العرفية»، مثلما فعلت مؤخراً عند نشوب ازمة حرق كنيسة أطفيح قبل فترة. والجلسات العرفية عبارة عن اجتماعات سرية مغلقة يتناجى بين جدرانها مسؤولون من الجيش والحكومة والازهر مع رموز السلفيين والمسيحيين الاقباط، يسعون خلالها الى اخماد «الفتنة» عن طريق آليات التراضي والعفو، حيث يعلو قانون الاكثرية فوق قانون الدولة، ويسود منطق عفا الله عما سلف، فوق منطق المسؤولية الشخصية والمحاسبة الجنائية! الجميع يعلمون ان هذه الجلسات العرفية، حتى وان اسهمت الى حد ما فى نزع فتائل المتفجرات، فإنها فى ذات الوقت تتسبب فى زرع قنابل موقوتة جديدة، جراء اسقاط هيبة الدولة، وتمييع مبدأ سيادة القانون، وتشجيع المتطرفين الدينيين على العودة الى ذات الطريق عن طريق مساعدتهم على الافلات من المسؤولية الجنائية والعقاب عن الجرائم المرتكبة. وفى طليعة هذه الجرائم الفادحة ازهاق أرواح المسيحيين تحت لافتة: «القتل على الهوية». وذلك منهج فى الحكم وادارة الازمات يكرس ذلك الشئ الذي يسميه الفرنجة Mob rule اى «حكم الرعاع»، او «حكم الدهماء»! (6) الاحتقان الطائفى فى مصر قضية بالغة التعقيد، تضرب بجذورها فى عمق التربة السياسية والاجتماعية المصرية، فهى نبات مصرى أصيل، وليست بأيه حال من الاحوال بنتاً لمرحلة ما بعد الثورة. الصحافي البريطاني المخضرم ديفيد هيرست، مؤلف الكتاب الشهير «البندقية وغصن الزيتون»، كتب مرة فى معرض الاشارة الى فاعلية المُعامل الطائفي فى السياسة المصرية ان الرئيس المصري الراحل أنور السادات، بعد استقالة وزيري الخارجية اسماعيل فهمي ومحمد ابراهيم كامل، احتجاجا على زيارته القدس، وعقده لمعاهدة كامب ديفيد، لم يجد من يعتمد عليه من مساعديه لتولي أمر الدبلوماسية المصرية سوي المسيحي القبطى الدكتور بطرس غالي. وهكذا كان الاخير هو وزير الخارجية القائم على الدبلوماسية المصرية فعلياً وواقعياً لمدة عشر سنوات. ولكن السادات مع ذلك لم يجرؤ أبداً على تسميته وزيراً للخارجية بصفة رسمية، بل ظل بطرس غالي طيلة تلك الحقبة يحمل لقب «وزير دولة بوزارة الخارجية». السبب: هو أن المصريين يعتزون بكون بلادهم دولة اسلامية، ولا يعقل ان يكون وزير خارجية دولة اسلامية قائدة مثل مصر مسيحياً. والسادات مع انه كان فى خويصة أمره علمانياً صميماً، الا انه كان فى ذات الوقت رجلاً حصيفاً، يعرف قوانين مصر العرفية جيداً. والعرف الطائفى فى مصر يقرر ان وزارات السيادة يتولاها المسلمون فقط. سيد خليفة والمحبوب ونميري عرضت ضمن سلسلة نشرتها في وقت سابق عرضت فيها لمذكرات المغفور له الرائد زين العابدين محمد احمد عبد القادر، احد مدبري ومنفذي انقلاب مايو 1969، الى رواية ترددت بشدة خلال حقبة السبعينات والثمانينات عن الفنان الراحل سيد خليفة والرئيس السابق المرحوم جعفر نميري. فحوى الرواية ان الرئيس السابق عند فراره من معتقله بالقصر الجمهوري مساء الثانى والعشرين من يوليو 1971 شوهد خارج اسوار القصر، فى الجانب المقابل لوزارة المالية، وهو يستقل سيارة يقودها الفنان سيد خليفة. وتذهب الرواية الى ان سيد خليفة هو الذي اوصل الرئيس العائد الى السلطة من القصر الى معسكر الشجرة. وقد أدي الى توطيد الرواية وتثبيتها فى الذهن العام ان الراحل سيد خليفة لم يتصد لها بالنفي على مدى اربعة عشر عاماً، حتى اندلعت انتفاضة ابريل 1985، فخرج لينفى الرواية للمرة الاولى. فاجأني الصديق الاستاذ المحبوب عبد السلام، القيادي السابق بحزب المؤتمر الشعبى، بمعلومة جديدة بشأن الرواية المذكورة، وقفت عندها كثيراً. تبين لى من اضاءات حبيبنا المحبوب ان الرواية فى اصلها صحيحة، بمعنى ان هناك بالفعل شخصاً معيناً حمل الرئيس السابق فى سيارته من الشارع الذي يفصل القصر الجمهوري عن وزارة المالية ونقله الى معسكر الشجرة. وقد تصادف ان الاستاذ المحبوب يعرفه شخصياً! وعند المحبوب افادة تحل لغز الخلط الكبير الذي احاط بالأمر وورط الفنان الراحل فى قلب ذلك الحدث. افادنى المحبوب ان الشخص المعني ضابط صف سابق برتبة رقيب اسمه حسن حاكم، عمل بسلاح الموسيقى ردحاً من الزمان. وانه يحمل شبهاً شديداً وعجيباً للفنان سيد خليفة، بحيث ان كثيرا من الناس كانوا يخلطون بينهما بصورة دائمة. وانه بالاضافة الى الشبه الشديد بالفنان سيد خليفة فى الشكل والملامح الحسية، فإنه يشبهه ايضا فى محبة الفن وممارسته، فهو عازف طرمبيد ماهر. كما عُرفَت عنه مواهب ومقدرات فنية اخرى عديدة. والرقيب حسن حاكم هذا – الذى كان يرتدي ملابس مدنية عند وقوع الاحداث – هو الذى تطوع بنقل الرئيس السابق من القصر الى الشجرة . وكان الرئيس نميري قد أمر بنقله من سلاح الموسيقى وابقاه بجانبه فى الحرس الجمهوري لعدة سنوات. اضاف الاستاذ المحبوب ان الرقيب(م) حسن حاكم لا يزال على قيد الحياة يرفل فى ثوب العافية. أطال الله عمره وبارك فيه ونفع به. من أقوال عمر الخيام (أرضِ نفسك قبل ان ترضى الناس، ولا تُظهر التُقى، واسخر من المتزهّدين، واعلم انه ليس في العالم انسانٌ كامل). ومن شعره: (ولا تشغل نفسك بماضي الزمان / ولا بآتي العيش قبل الأوان/ واغنم الحاضر لذاته / فليس في طبع الليالي الأمان).