مرتزقة أجانب يرجح أنهم من دولة كولومبيا يقاتلون إلى جانب المليشيا المملوكة لأسرة دقلو الإرهابية    بعثة منتخبنا تشيد بالأشقاء الجزائرين    منتخبنا المدرسي في مواجهة نظيره اليوغندي من أجل البرونزية    إتحاد الكرة يحتفل بختام الموسم الرياضي بالقضارف    دقلو أبو بريص    هل محمد خير جدل التعين واحقاد الطامعين!!    كامل إدريس يلتقي الناظر ترك ويدعو القيادات الأهلية بشرق السودان للمساهمة في الاستشفاء الوطني    أكثر من 80 "مرتزقا" كولومبيا قاتلوا مع مليشيا الدعم السريع خلال هجومها على الفاشر    شاهد بالفيديو.. بلة جابر: (ضحيتي بنفسي في ود مدني وتعرضت للإنذار من أجل المحترف الضجة وارغو والرئيس جمال الوالي)    حملة في السودان على تجار العملة    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    إيه الدنيا غير لمّة ناس في خير .. أو ساعة حُزُن ..!    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    ترتيبات في السودان بشأن خطوة تّجاه جوبا    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    تقرير يكشف كواليس انهيار الرباعية وفشل اجتماع "إنقاذ" السودان؟    محمد عبدالقادر يكتب: بالتفصيل.. أسرار طريقة اختيار وزراء "حكومة الأمل"..    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    مصانع أدوية تبدأ العمل في الخرطوم    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر: الفتنة صاحية! .. بقلم: مصطفى عبد العزيز البطل
نشر في سودانيل يوم 11 - 05 - 2011


[email protected]
-----------------
(1)
الداعية الاسلامي المصري الامريكى المغفور له حسان حتحوت قال ذات مرة انه يخاف على الاسلام من بعض الغيورين عليه، اكثر مما يخاف عليه من اليهود وغيرهم من الاعداء المفترضين! تذكرت مقولة الداعية الراحل وانا استمع عبر اشرطة يوتيوب وشاشات التلفاز الى هتافات جموع السلفيين المصريين الغاضبة وهي تجوب شوارع القاهرة:(بالدم والروح نفديك يا إسلام)! ما الذى أصاب الاسلام فأخرج هؤلاء النشامى الى الشوارع؟ ما هو الخطر الذى احدق بأُمة محمد فدفع الى كل هذا الهياج الاعمى، الذى افضى - كما نقلت الاخبار - الى ازهاق ارواح نفر عزيز من أبناء المحروسة؟
(2)
اعلن المذيع ان ما يقرب من اربعة آلاف سلفى يحاصرون كنيسة مارى مينا بمنطقة أُمبابة ويحاولون اقتحامها، وان عناصر من القوات المسلحة تجهد لحماية الكنيسة. وان آلافاً اخرين شرعوا فى مهاجمة الكنائس في احياء اخرى من القاهرة. بعدها بربع ساعة جاء فى الاخبار أن جموعاً غفيرة من الاقباط تجمعت واعتصمت امام مبنى التلفزيون المصري وطالب قادتها من الولايات المتحدة التدخل لحماية مسيحيي الكنانة. وماهى الا سويعات حتى صرح ناطق باسم لجنة العلاقات الخارجية فى الكونغرس الامريكي عن قلق الولايات المتحدة من تنامي مظاهر اضطهاد المسيحيين فى مصر!
الذى يتابع التطورات لا تخطئه معالم الفتنة الطائفية التى ظل نطاقها يتعاظم يوما بعد يوم خلال الاشهر القليلة الماضية. رأس الرمح فى هذه الفتنة هو الجماعات السلفية، التى بدأت مسيرتها الجهادية القاصدة بترويع المسلمين أنفسهم، بعد ان شرعت فى هدم أضرحة وقباب الاولياء. ثم عرجت على المسيحيين من خلال حرق وهدم الكنائس، وقتل التجار والقساوسة، واشاعة الذعر بين الاقباط فى عديد من المدن والقرى، ثم التهديد باقتحام الأديرة. وقد استقوت هذه الجماعات السلفية وتفرعنت الى حد انها توجهت مؤخراً بانذار الى المجلس الاعلى للقوات المسلحة فأمهلته فترةً موقوتة لتنفيذ بعض مطالبها، والا سيرّت تظاهرات مليونية تفرض ارادتها على الدولة!
(3)
حتى الآن هناك حالة واحدة على الاقل نجحت فيها هذه الجماعات فى ترويع المجلس العسكرى الاعلى للقوات المسلحة ومجلس الوزراء فأجبرتهما علي الانصياع والتراجع عن قرار بتعيين محافظ مسيحي لمحافظة قنا. وكانت الجماعات قد قلبت محافظة قنا رأساً على عقب مستنكرة تعيين محافظ قبطى، على أساس أن المبدأ الاسلامي واضح بشأن عدم جواز تولية الكافر. كيف تنصّب الحكومة مسيحياً قبطياً على ولاية المسلمين، والمبدأ الاسلامي يقول:(لا ولاية لكافر)؟! هل جنّت الحكومة.. ام انها لا تعرف احكام الاسلام؟! وبطبيعة الحال فقد ظهر ان جنون الحكومة كان جنوناً عارضاً ومؤقتاً. حيث انها استعادت رشدها، ورجعت عن غيّها، وحسُن اسلامها، بعد أن نبهتها الجماعات السلفية مشكورة الى مفارقتها لجادة الصواب، فسارعت الحكومة الى اصدار قرار بتجميد المحافظ المسيحى، وكلفت سكرتير المحافظة المسلم بتصريف اعبائه لحين تعيين محافظ مسلم دائم!
(4)
لم يعرف عن السلفيين المصريين مثل هذا الدور المتصاعد في الحياة العامة قبل يناير 2011. بالعكس تماماً كان السلفيون الوهابيون فصيلاَ مدجناً، يمارس نشاطاً دينيا محضاً، بل ويعمل في بعض الاحيان تحت إمرة وتوجيه الاجهزة الامنية الرسمية. وجاء خروج الجماعات السلفية الى الشارع السياسي بعد الثورة بعد اقامة متطاولة داخل القمقم الامنى جاوزت الثلاثة عقود.
بعد سقوط العهد المباركي الاوتوقراطي تراخت قبضة الدولة الأمنية على الشارع. القبضة الامنية تستوجب ارادة، وقد غابت الارادة مؤخراً داخل سجن طرة. ثم تراجعت الروح المعنوية لقوات الامن والشرطة التى احست بأن الثورة افقدتها بعض هيبتها. ورجل الشرطة - ضابطاً وجندياً - معتاد على ان تكون له هيبة. لذلك اصبح ضابط الشرطة المصرى تائهاً، مثل الرجل الذى فقد ظله. فصار كلما نودي للتصدي لواجباته يمشي الهوينا متثاقلاً، يقدم رجلا ويؤخر اخري. وربما كان هذا هو التفسير الوحيد لما جاء فى الاخبار من ان عناصر من القوات المسلحة - وليس الشرطة - هى التى تسعى لمنع المتطرفين من اقتحام الكنائس!
(5)
حتى الآن فإن خيار الحكومة المصرية الجديدة للتصدى للازمة هو "الجلسات العرفية"، مثلما فعلت مؤخراً عند نشوب ازمة حرق كنيسة اطفيح قبل أسابيع. والجلسات العرفية عبارة عن اجتماعات سرية مغلقة يتناجي بين جدرانها مسئولون من الجيش والحكومة والازهر مع رموز السلفيين والمسيحيين الاقباط، يسعون خلالها الى اخماد "الفتنة" عن طريق آليات التراضي والعفو، حيث يعلو قانون الاكثرية فوق قانون الدولة، ويسود منطق عفا الله عما سلف، فوق منطق المسئولية الشخصية والمحاسبة الجنائية!
الجميع يعلمون ان هذه الجلسات العرفية، حتى وان اسهمت الى حد ما فى نزع فتائل المتفجرات، فإنها فى ذات الوقت تتسبب فى زرع قنابل موقوتة جديدة، جراء اسقاط هيبة الدولة، وتمييع مبدأ سيادة القانون، وتشجيع المتطرفين الدينيين على العودة الى ذات الطريق عن طريق مساعدتهم على الافلات من المسئولية الجنائية والعقاب عن الجرائم المرتكبة. وفى طليعة هذه الجرائم الفادحة ازهاق أرواح المسيحيين تحت لافتة: "القتل على الهوية". وذلك منهج فى الحكم وادارة الازمات يكرس ذلك الشئ الذي يسميه الفرنجة Mob rule اى "حكم الرعاع"، او "حكم الدهماء"!
(6)
الاحتقان الطائفى فى مصر قضية بالغة التعقيد، تضرب بجذورها فى عمق التربة السياسية والاجتماعية المصرية، فهى نبات مصرى أصيل، وليست بأيه حال من الاحوال بنتاً لمرحلة ما بعد الثورة. الصحافي البريطاني المخضرم ديفيد هيرست، مؤلف الكتاب الشهير "البندقية وغصن الزيتون"، كتب مرة فى معرض الاشارة الى فاعلية المُعامل الطائفي فى السياسة المصرية ان الرئيس المصري السادات بعد استقالة وزيري الخارجية اسماعيل فهمي ومحمد ابراهيم كامل، احتجاجا على زيارته القدس، وعقده لمعاهدة كامب ديفيد، لم يجد من يعتمد عليه من مساعديه لتولي أمر الدبلوماسية المصرية سوي المسيحي القبطى الدكتور بطرس غالي. وهكذا كان الاخير هو وزير الخارجية القائم على الدبلوماسية المصرية فعلياً وواقعياً لمدة عشر سنوات. ولكن السادات مع ذلك لم يجرؤ أبداً على تسميته وزيراً للخارجية بصفة رسمية، بل ظل بطرس غالي طيلة تلك الحقبة يحمل لقب "وزير دولة بوزارة الخارجية". السبب: هو أن المصريين يعتزون بكون بلادهم دولة اسلامية، ولا يعقل ان يكون وزير خارجية دولة اسلامية قائدة مثل مصر مسيحياً. ذلك أمر غير مقبول. والسادات مع انه كان فى خويصة أمره علمانياً صميماً، الا انه كان فى ذات الوقت رجلاً حصيفاً، يعرف قوانين مصر العرفية جيداً. والعرف الطائفى فى مصر يقرر ان وزارات السيادة يتولاها المسلمون فقط (من قال ان مصر خيرٌ من لبنان؟)
(7)
مصر اليوم تحاول الخروج من نفق الزجاجة. وهو نفق يجتمع فيه من ناحية، ارتهان الحكومة الهلامية القائمة لمعامل الخوف من نفوذ التيارات الدينية إجمالاً، وضعفها فى ذات الوقت بإزاء التنظيمات الشبابية التى تشكل المجلس الحسبي صاحب الوصاية على الثورة. وهذا المجلس الحسبي لا يحتاج الى اكثر من التلويح بقبضة اليد، فتنصاع الحكومة والمجلس العسكرى الاعلى ولا يجدان بداً من الاستجابة. وهو الوضع الذي يتوقع المراقبون ان يظل قائماً حتى انعقاد الانتخابات النيابية المرتقبة، وقيام الحكومة المنتخبة، التى ستثبت قواعد الشرعية الدستورية، وتزف "الشرعية الثورية" الى المتحف المصري المطل على ميدان التحرير من جهة شارع رمسيس.
أما من الناحية الاخري للنفق، فنجد ظاهرة التطرف فى استيعاب معنى ومغزى الممارسة الديمقراطية، بحيث يجري الخلط اليومى - المتعمد وغير المتعمد - بين الحرية والفوضى .. بين الديمقراطية الحقيقية والغوغائية الشعبوية.
(8)
عجيبٌ أمرك يا كنانة الله. كنا نخاف عليك من مخططات جماعة الاخوان المسلمين، وتنظيماتها السرية التى ظلت تبني خلاياها، فى صبر وأناة، فى طول المحروسة وعرضها، على مدى ثمانين عاماً بانتظار اليوم الموعود. فاذا بالاخوان احنّ عليك من نفسك. واذا بالهول يأتيك من تلقاء الجماعات السلفية الوهابية التى لم تأخذها لومة لائم، وهي تجاهر على رؤوس الاشهاد بأن فى صدر مطالبها وطليعة اهدافها فرض الجزية على المسيحيين، وتطبيق احكام الشريعة، وادخال تعديلات دستورية تسمح بتحويل بعض محافظات مصر الى أمارات اسلامية!
قالت المصادر ان قيادات نافذة من جماعة الاخوان المسلمين تبذل جهوداً كبيرة لاحتواء مظاهر الفتنة الطائفية ورد الامور الى نصابها. بالله شوف؟!
بارك الله فيكم يا اخوان مصر، وشكر سعيكم، وأثابكم فتحاً قريبا. فى غياب حكومة مقتدرة وفاعلة يحسب السلفيون حسابها، وجهاز امنى سلطوي مهاب يرهبونه ويخشون بأسه، لم يعد امام المحروسة غيركم، يصون أمنها، ويحمي ذمارها، ويحفظ نسيجها الوطني! ولله فى سلفييه الوهابيين شئون، وفي اخوانه المسلمين شجون!
رب اجعل هذا بلداً آمناً، وارزق اهله من الثمرات.
سيد خليفة وجعفر نميري
كتبت في واحدة من حلقتين عرضتُ فيهما لمذكرات المغفور له الرائد زين العابدين محمد أحمد عبد القادر (هناك حلقة ثالثة ستأتي قريباً إن شاء الله)، إلى رواية ترددت بشدة خلال حقبة السبعينات والثمانينات عن الفنان الراحل سيد خليفة والرئيس السابق المرحوم جعفر نميري. فحوى الرواية أن الرئيس السابق عند فراره من معتقله بالقصر الجمهوري مساء الثاني والعشرين من يوليو 1971م شوهد خارج أسوار القصر، في الجانب المقابل لوزارة المالية، وهو يستقل سيارة يقودها الفنان سيد خليفة. وتذهب الرواية الى أن سيد خليفة هو الذي أوصل الرئيس العائد الى السلطة من القصر الى معسكر الشجرة. وقد أدى الى توطيد الرواية وتثبيتها في الذهن العام أن الراحل سيد خليفة لم يتصدَّ لها بالنفي على مدى أربعة عشر عاماً، حتى اندلعت انتفاضة أبريل، 1985م فخرج لينفي الرواية للمرة الأولى.
فاجأني الصديق الإسلاموي الأستاذ المحبوب عبد السلام، القيادي بحزب المؤتمر الشعبي بمعلومة جديدة بشأن الرواية المذكورة، وقفت عندها كثيراً. تبين لي من إضاءات حبيبنا المحبوب أن الرواية في أصلها صحيحة، بمعنى أن هناك بالفعل شخصاً معيناً حمل الرئيس السابق في سيارته من الشارع الذي يفصل القصر الجمهوري عن وزارة المالية ونقله الى معسكر الشجرة. وقد تصادف أن الأستاذ المحبوب يعرفه شخصياً!
وعند المحبوب إفادة تحل لغز الخلط الكبير الذي أحاط بالأمر وورَّط الفنان الراحل في قلب ذلك الحدث. أفادني المحبوب أن الشخص المعني ضابط صف سابق برتبة رقيب اسمه حسن حاكم، عمل بسلاح الموسيقى ردحاً من الزمان. وانه يحمل شبهاً شديداً وعجيباً للفنان سيد خليفة، بحيث ان كثيراً من الناس كانوا يخلطون بينهما بصورة دائمة. وانه - بالإضافة الى الشبه الشديد بالفنان سيد خليفة فى الشكل والملامح الحسية - فإنه يشبهه أيضاً في محبة الفن وممارسته، فهو عازف طرمبيد ماهر. كما عُرفَتْ عنه مواهب ومقدرات فنية أخرى عديدة. والرقيب حسن حاكم هذا - الذي كان يرتدي ملابس مدنية عند وقوع الأحداث - هو الذي تطوَّع بنقل الرئيس السابق من القصر الى الشجرة.
وكان الرئيس نميري قد أمر بنقله من سلاح الموسيقى وأبقاه بجانبه في الحرس الجمهوري لعدة سنوات. أضاف الأستاذ المحبوب أن الرقيب(م) حسن حاكم لا يزال على قيد الحياة يرفل في ثوب العافية. أطال الله عمره وبارك فيه ونفع به. إنه سميعٌ قريبٌ مجيب الدعاء.
بان كي مون وأنا
صديقنا الدكتور أسامة عثمان، عرفه القراء كاتباً صحفياً راتباً بجريدة "الصحافة" الغراء. أسامة عمل لسنوات طوال بالأمانة العامة للأمم المتحدة بنيويورك، حتى غادرها العام الماضي حيث تم تكليفه برئاسة مكتب المنظمة الدولية في الجزائر. من العاصمة الجزائر كتب الدكتور معلقاً على ما ورد في مقالي قبل أسبوعين حول خصلة التواضع عند السودانيين، وعقدة كلمة "أنا" عند الكثير منهم والتأثير السالب لهذه الثقافة على فرص توظيف السودانيين بالدول الغربية:
((الأخ مصطفى - جاء في مقالك عن لفظة "أنا" وإشكالية السودانيين مع المعاينات وفرص التوظيف في أمريكا: "والأمريكيون لا يقتنعون بأهلية طالب الاستخدام إلا إذا كان ذرِبَ اللسان، فصيحاً، في تزكية النفس والشهادة لصالحها، مع التجرد الكامل من فضيلة التواضع".
في اعتقادي أن تواضع السودانيين الذي يفقدهم الكثير من الوظائف كما جاء في مقالك ليس خاصا بهم، وليس سببه الثقافة الإسلامية الشائعة. أهل آسيا أو جلهم معروف عنهم التواضع الشديد والتحفظ والكتمان وعدم "الطلوع في الكفر"، فهو عندهم من الموبقات كما أنهم لا يعرفون تزكية النفس، شفاهةً على الأقل. السيد بان كي مون الأمين العام الحالي للأمم المتحدة دخل وفقاً لنصيحة بعض الناصحين في دورات تدريبة عندما كان مرشحاً للمنصب. وكان محور الدورات وفق ما ذكر لي صديق مقرَّب منه هو "فن تزكية النفس" الذي يجيده أهل الغرب لأهميته في أن تكون مقنعاً في المنصب الدولي. وتلقى في سبيل ذلك دورتان في سويسرا وفرنسا. وأهل فرنسا هم أكثر أهل أوروبا قدرة وحرصاً على تزكية النفس وهذا موضوع لنا فيه عودة.
على كلٍ، تلقّى المرشح الرفيع الدورات وحاول تطبيقها عندما تولَّى منصبه، وكان يردد أشياء وعبارات محفوطة من مذكرات الكورسات تجعل من يستمع إليه يبتسم مندهشا، ولكنه أقلع عن ذلك بعد فترة لأنه نسيَ الدروس التي تلقَّاها، أو ربما نصحه ناصح بأن يكون نفسه وكفى. سمعت السيد الأمين العام يردد عبارات في ختام موضوع أو استهلاله من نوع: (وأنا كما تعلمون أُسمَّى بنوع من السمك يصعب اصطياده، وسيكون لكم معي شأن إن حاولتم اصطيادي). أو: (أنا رجل معروف بالميل للعمل وليس الكلام وتفكيري موجه نحو الأهداف والنتائج). أو (إن نهجي هو الوضوح والصراحة في كل شيئ). وهكذا. مع ان الصراحة ليست من القيم المحمودة في كوريا التي جاء منها. وإنما الكتمان من أعلى القيم هناك، ولقد مارسه فعلياً مع صفوة مستشاريه عند تولي المنصب لدرجة أن الحديث كان يدور بالكورية أحياناً في بعض الاجتماعات المغلقة التي يحضرها غير الناطقين بها. كما إن خلة الكتمان تتعارض تماماً مع خلة أخرى هي الشفافية، فمن الصعب أن تكون كتوما وشفافاً!
ربما يواجه الأمين العام صعوبة في إعادة انتخابه بسبب تواضعه وعدم قدرته على تزكية نفسه حقيقة، وليس كما جاء الكورسات التي تلقاها، وكلٌ مسخر لما خُلِقَ له، والله غالب كما يقول أهل شمال أفريقيا.
ذكرني ترشيحك لنفسك لأمانة الجامعة العربية، ما كتبه ذات مرة الدكتور محمد عبد الله الريح في السبعينات عند فتح الترشح لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة. فقد رشح نفسه للمنصب، دون أن ترشحه جريدة الأيام التي كان يكتب فيها. وجاء في حيثيات الترشيح والتزكية أنه أفضل من "يعرب عن الأسف"، وخير من "ينظر بالكثير من القلق"، كما أنه لا يشق له غبار في "تقديم الشكر والعرفان"، و"الدعوة لضبط النفس والالتزام بالمواثيق". كما أورد صفات أخرى تؤهله للمنصب قد تفيدك في مسعاك. ودمت. أخوك أسامة عثمان)).
عن صحيفة "الاحداث" - 11 مايو 2011


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.