مصر لم تتراجع عن الدعوى ضد إسرائيل في العدل الدولية    حملة لحذف منشورات "تمجيد المال" في الصين    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    زلزال في إثيوبيا.. انهيار سد النهضة سيكون بمثابة طوفان علي السودان    ماذا بعد انتخاب رئيس تشاد؟    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    500 عربة قتالية بجنودها علي مشارف الفاشر لدحر عصابات التمرد.. أكثر من 100 من المكونات القبلية والعشائرية تواثقت    مبعوث أمريكا إلى السودان: سنستخدم العقوبات بنظام " أسلوب في صندوق كبير"    قيادي بالمؤتمر الشعبي يعلّق على"اتّفاق جوبا" ويحذّر    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    قصة أغرب من الخيال لجزائرية أخفت حملها عن زوجها عند الطلاق!    الهلال يتعادل مع النصر بضربة جزاء في الوقت بدل الضائع    كيف دشن الطوفان نظاماً عالمياً بديلاً؟    محمد الشناوي: علي معلول لم يعد تونسياً .. والأهلي لا يخشى جمهور الترجي    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر: الفتنة صاحية!


غربا باتجاه الشرق
مصر: الفتنة صاحية!
مصطفى عبد العزيز البطل
[email protected]
-------------------------------------------------------------------------
(1)
الداعية الاسلامي المصري الامريكى المغفور له حسان حتحوت قال ذات مرة انه يخاف على الاسلام من بعض الغيورين عليه، اكثر مما يخاف عليه من اليهود وغيرهم من الاعداء المفترضين! تذكرت مقولة الداعية الراحل وانا استمع عبر اشرطة يوتيوب وشاشات التلفاز الى هتافات جموع السلفيين المصريين الغاضبة وهي تجوب شوارع القاهرة:(بالدم والروح نفديك يا إسلام)! ما الذى أصاب الاسلام فأخرج هؤلاء النشامى الى الشوارع؟ ما هو الخطر الذى احدق بأُمة محمد فدفع الى كل هذا الهياج الاعمى، الذى افضى - كما نقلت الاخبار - الى ازهاق ارواح نفر عزيز من أبناء المحروسة؟
(2)
اعلن المذيع ان ما يقرب من اربعة آلاف سلفى يحاصرون كنيسة مارى مينا بمنطقة أُمبابة ويحاولون اقتحامها، وان عناصر من القوات المسلحة تجهد لحماية الكنيسة. وان آلافاً اخرين شرعوا فى مهاجمة الكنائس في احياء اخرى من القاهرة. بعدها بربع ساعة جاء فى الاخبار أن جموعاً غفيرة من الاقباط تجمعت واعتصمت امام مبنى التلفزيون المصري وطالب قادتها من الولايات المتحدة التدخل لحماية مسيحيي الكنانة. وماهى الا سويعات حتى صرح ناطق باسم لجنة العلاقات الخارجية فى الكونغرس الامريكي عن قلق الولايات المتحدة من تنامي مظاهر اضطهاد المسيحيين فى مصر!
الذى يتابع التطورات لا تخطئه معالم الفتنة الطائفية التى ظل نطاقها يتعاظم يوما بعد يوم خلال الاشهر القليلة الماضية. رأس الرمح فى هذه الفتنة هو الجماعات السلفية، التى بدأت مسيرتها الجهادية القاصدة بترويع المسلمين أنفسهم، بعد ان شرعت فى هدم أضرحة وقباب الاولياء. ثم عرجت على المسيحيين من خلال حرق وهدم الكنائس، وقتل التجار والقساوسة، واشاعة الذعر بين الاقباط فى عديد من المدن والقرى، ثم التهديد باقتحام الأديرة. وقد استقوت هذه الجماعات السلفية وتفرعنت الى حد انها توجهت مؤخراً بانذار الى المجلس الاعلى للقوات المسلحة فأمهلته فترةً موقوتة لتنفيذ بعض مطالبها، والا سيرّت تظاهرات مليونية تفرض ارادتها على الدولة!
(3)
حتى الآن هناك حالة واحدة على الاقل نجحت فيها هذه الجماعات فى ترويع المجلس العسكرى الاعلى للقوات المسلحة ومجلس الوزراء فأجبرتهما علي الانصياع والتراجع عن قرار بتعيين محافظ مسيحي لمحافظة قنا. وكانت الجماعات قد قلبت محافظة قنا رأساً على عقب مستنكرة تعيين محافظ قبطى، على أساس أن المبدأ الاسلامي واضح بشأن عدم جواز تولية الكافر. كيف تنصّب الحكومة مسيحياً قبطياً على ولاية المسلمين، والمبدأ الاسلامي يقول:(لا ولاية لكافر)؟! هل جنّت الحكومة.. ام انها لا تعرف احكام الاسلام؟! وبطبيعة الحال فقد ظهر ان جنون الحكومة كان جنوناً عارضاً ومؤقتاً. حيث انها استعادت رشدها، ورجعت عن غيّها، وحسُن اسلامها، بعد أن نبهتها الجماعات السلفية مشكورة الى مفارقتها لجادة الصواب، فسارعت الحكومة الى اصدار قرار بتجميد المحافظ المسيحى، وكلفت سكرتير المحافظة المسلم بتصريف اعبائه لحين تعيين محافظ مسلم دائم!
(4)
لم يعرف عن السلفيين المصريين مثل هذا الدور المتصاعد في الحياة العامة قبل يناير 2001. بالعكس تماماً كان السلفيون الوهابيون فصيلاَ مدجناً، يمارس نشاطاً دينيا محضاً، بل ويعمل في بعض الاحيان تحت إمرة وتوجيه الاجهزة الامنية الرسمية. وجاء خروج الجماعات السلفية الى الشارع السياسي بعد الثورة بعد اقامة متطاولة داخل القمقم الامنى جاوزت الثلاثة عقود.
بعد سقوط العهد المباركي الاوتوقراطي تراخت قبضة الدولة الأمنية على الشارع. القبضة الامنية تستوجب ارادة، وقد غابت الارادة مؤخراً داخل سجن طرة. ثم تراجعت الروح المعنوية لقوات الامن والشرطة التى احست بأن الثورة افقدتها بعض هيبتها. ورجل الشرطة - ضابطاً وجندياً - معتاد على ان تكون له هيبة. لذلك اصبح ضابط الشرطة المصرى تائهاً، مثل الرجل الذى فقد ظله. فصار كلما نودي للتصدي لواجباته يمشي الهوينا متثاقلاً، يقدم رجلا ويؤخر اخري. وربما كان هذا هو التفسير الوحيد لما جاء فى الاخبار من ان عناصر من القوات المسلحة - وليس الشرطة - هى التى تسعى لمنع المتطرفين من اقتحام الكنائس!
(5)
حتى الآن فإن خيار الحكومة المصرية الجديدة للتصدى للازمة هو "الجلسات العرفية"، مثلما فعلت مؤخراً عند نشوب ازمة حرق كنيسة اطفيح قبل أسابيع. والجلسات العرفية عبارة عن اجتماعات سرية مغلقة يتناجي بين جدرانها مسئولون من الجيش والحكومة والازهر مع رموز السلفيين والمسيحيين الاقباط، يسعون خلالها الى اخماد "الفتنة" عن طريق آليات التراضي والعفو، حيث يعلو قانون الاكثرية فوق قانون الدولة، ويسود منطق عفا الله عما سلف، فوق منطق المسئولية الشخصية والمحاسبة الجنائية!
الجميع يعلمون ان هذه الجلسات العرفية، حتى وان اسهمت الى حد ما فى نزع فتائل المتفجرات، فإنها فى ذات الوقت تتسبب فى زرع قنابل موقوتة جديدة، جراء اسقاط هيبة الدولة، وتمييع مبدأ سيادة القانون، وتشجيع المتطرفين الدينيين على العودة الى ذات الطريق عن طريق مساعدتهم على الافلات من المسئولية الجنائية والعقاب عن الجرائم المرتكبة. وفى طليعة هذه الجرائم الفادحة ازهاق أرواح المسيحيين تحت لافتة: "القتل على الهوية". وذلك منهج فى الحكم وادارة الازمات يكرس ذلك الشئ الذي يسميه الفرنجة Mob rule اى "حكم الرعاع"، او "حكم الدهماء"!
(6)
الاحتقان الطائفى فى مصر قضية بالغة التعقيد، تضرب بجذورها فى عمق التربة السياسية والاجتماعية المصرية، فهى نبات مصرى أصيل، وليست بأيه حال من الاحوال بنتاً لمرحلة ما بعد الثورة. الصحافي البريطاني المخضرم ديفيد هيرست، مؤلف الكتاب الشهير "البندقية وغصن الزيتون"، كتب مرة فى معرض الاشارة الى فاعلية المُعامل الطائفي فى السياسة المصرية ان الرئيس المصري السادات بعد استقالة وزيري الخارجية اسماعيل فهمي ومحمد ابراهيم كامل، احتجاجا على زيارته القدس، وعقده لمعاهدة كامب ديفيد، لم يجد من يعتمد عليه من مساعديه لتولي أمر الدبلوماسية المصرية سوي المسيحي القبطى الدكتور بطرس غالي. وهكذا كان الاخير هو وزير الخارجية القائم على الدبلوماسية المصرية فعلياً وواقعياً لمدة عشر سنوات. ولكن السادات مع ذلك لم يجرؤ أبداً على تسميته وزيراً للخارجية بصفة رسمية، بل ظل بطرس غالي طيلة تلك الحقبة يحمل لقب "وزير دولة بوزارة الخارجية". السبب: هو أن المصريين يعتزون بكون بلادهم دولة اسلامية، ولا يعقل ان يكون وزير خارجية دولة اسلامية قائدة مثل مصر مسيحياً. ذلك أمر غير مقبول. والسادات مع انه كان فى خويصة أمره علمانياً صميماً، الا انه كان فى ذات الوقت رجلاً حصيفاً، يعرف قوانين مصر العرفية جيداً. والعرف الطائفى فى مصر يقرر ان وزارات السيادة يتولاها المسلمون فقط (من قال ان مصر خيرٌ من لبنان؟)
(7)
مصر اليوم تحاول الخروج من نفق الزجاجة. وهو نفق يجتمع فيه من ناحية، ارتهان الحكومة الهلامية القائمة لمعامل الخوف من نفوذ التيارات الدينية إجمالاً، وضعفها فى ذات الوقت بإزاء التنظيمات الشبابية التى تشكل المجلس الحسبي صاحب الوصاية على الثورة. وهذا المجلس الحسبي لا يحتاج الى اكثر من التلويح بقبضة اليد، فتنصاع الحكومة والمجلس العسكرى الاعلى ولا يجدان بداً من الاستجابة. وهو الوضع الذي يتوقع المراقبون ان يظل قائماً حتى انعقاد الانتخابات النيابية المرتقبة، وقيام الحكومة المنتخبة، التى ستثبت قواعد الشرعية الدستورية، وتزف "الشرعية الثورية" الى المتحف المصري المطل على ميدان التحرير من جهة شارع رمسيس.
أما من الناحية الاخري للنفق، فنجد ظاهرة التطرف فى استيعاب معنى ومغزى الممارسة الديمقراطية، بحيث يجري الخلط اليومى - المتعمد وغير المتعمد - بين الحرية والفوضى .. بين الديمقراطية الحقيقية والغوغائية الشعبوية.
(8)
عجيبٌ أمرك يا كنانة الله. كنا نخاف عليك من مخططات جماعة الاخوان المسلمين، وتنظيماتها السرية التى ظلت تبني خلاياها، فى صبر وأناة، فى طول المحروسة وعرضها، على مدى ثمانين عاماً بانتظار اليوم الموعود. فاذا بالاخوان احنّ عليك من نفسك. واذا بالهول يأتيك من تلقاء الجماعات السلفية الوهابية التى لم تأخذها لومة لائم، وهي تجاهر على رؤوس الاشهاد بأن من فى صدر مطالبها وطليعة اهدافها فرض الجزية على المسيحيين، وتطبيق احكام الشريعة، وادخال تعديلات دستورية تسمح بتحويل بعض محافظات مصر الى أمارات اسلامية!
قالت المصادر ان قيادات نافذة من جماعة الاخوان المسلمين تبذل جهوداً كبيرة لاحتواء مظاهر الفتنة الطائفية ورد الامور الى نصابها. بالله شوف؟!
بارك الله فيكم يا اخوان مصر، وشكر سعيكم، وأثابكم فتحاً قريبا. فى غياب حكومة مقتدرة وفاعلة يحسب السلفيون حسابها، وجهاز امنى سلطوي مهاب يرهبونه ويخشون بأسه، لم يعد امام المحروسة غيركم، يصون أمنها، ويحمي ذمارها، ويحفظ نسيجها الوطني! ولله فى سلفييه الوهابيين شئون، وفي اخوانه المسلمين شجون!
رب اجعل هذا بلداً آمناً، وارزق اهله من الثمرات.
سيد خليفة وجعفر نميري
كتبت في واحدة من حلقتين عرضتُ فيهما لمذكرات المغفور له الرائد زين العابدين محمد أحمد عبد القادر (هناك حلقة ثالثة ستأتي قريباً إن شاء الله)، إلى رواية ترددت بشدة خلال حقبة السبعينات والثمانينات عن الفنان الراحل سيد خليفة والرئيس السابق المرحوم جعفر نميري. فحوى الرواية أن الرئيس السابق عند فراره من معتقله بالقصر الجمهوري مساء الثاني والعشرين من يوليو 1971م شوهد خارج أسوار القصر، في الجانب المقابل لوزارة المالية، وهو يستقل سيارة يقودها الفنان سيد خليفة. وتذهب الرواية الى أن سيد خليفة هو الذي أوصل الرئيس العائد الى السلطة من القصر الى معسكر الشجرة. وقد أدى الى توطيد الرواية وتثبيتها في الذهن العام أن الراحل سيد خليفة لم يتصدَّ لها بالنفي على مدى أربعة عشر عاماً، حتى اندلعت انتفاضة أبريل، 1985م فخرج لينفي الرواية للمرة الأولى.
فاجأني الصديق الإسلاموي الأستاذ المحبوب عبد السلام، القيادي بحزب المؤتمر الشعبي بمعلومة جديدة بشأن الرواية المذكورة، وقفت عندها كثيراً. تبين لي من إضاءات حبيبنا المحبوب أن الرواية في أصلها صحيحة، بمعنى أن هناك بالفعل شخصاً معيناً حمل الرئيس السابق في سيارته من الشارع الذي يفصل القصر الجمهوري عن وزارة المالية ونقله الى معسكر الشجرة. وقد تصادف أن الأستاذ المحبوب يعرفه شخصياً!
وعند المحبوب إفادة تحل لغز الخلط الكبير الذي أحاط بالأمر وورَّط الفنان الراحل في قلب ذلك الحدث. أفادني المحبوب أن الشخص المعني ضابط صف سابق برتبة رقيب اسمه حسن حاكم، عمل بسلاح الموسيقى ردحاً من الزمان. وانه يحمل شبهاً شديداً وعجيباً للفنان سيد خليفة، بحيث ان كثيراً من الناس كانوا يخلطون بينهما بصورة دائمة. وانه - بالإضافة الى الشبه الشديد بالفنان سيد خليفة فى الشكل والملامح الحسية - فإنه يشبهه أيضاً في محبة الفن وممارسته، فهو عازف طرمبيد ماهر. كما عُرفَتْ عنه مواهب ومقدرات فنية أخرى عديدة. والرقيب حسن حاكم هذا - الذي كان يرتدي ملابس مدنية عند وقوع الأحداث - هو الذي تطوَّع بنقل الرئيس السابق من القصر الى الشجرة.
وكان الرئيس نميري قد أمر بنقله من سلاح الموسيقى وأبقاه بجانبه في الحرس الجمهوري لعدة سنوات. أضاف الأستاذ المحبوب أن الرقيب(م) حسن حاكم لا يزال على قيد الحياة يرفل في ثوب العافية. أطال الله عمره وبارك فيه ونفع به. إنه سميعٌ قريبٌ مجيب الدعاء.
بان كي مون وأنا
صديقنا الدكتور أسامة عثمان، عرفه القراء كاتباً صحفياً راتباً بجريدة "الصحافة" الغراء. أسامة عمل لسنوات طوال بالأمانة العامة للأمم المتحدة بنيويورك، حتى غادرها العام الماضي حيث تم تكليفه برئاسة مكتب المنظمة الدولية في الجزائر. من العاصمة الجزائر كتب الدكتور معلقاً على ما ورد في مقالي قبل أسبوعين حول خصلة التواضع عند السودانيين، وعقدة كلمة "أنا" عند الكثير منهم والتأثير السالب لهذه الثقافة على فرص توظيف السودانيين بالدول الغربية:
((الأخ مصطفى - جاء في مقالك عن لفظة "أنا" وإشكالية السودانيين مع المعاينات وفرص التوظيف في أمريكا: "والأمريكيون لا يقتنعون بأهلية طالب الاستخدام إلا إذا كان ذرِبَ اللسان، فصيحاً، في تزكية النفس والشهادة لصالحها، مع التجرد الكامل من فضيلة التواضع".
في اعتقادي أن تواضع السودانيين الذي يفقدهم الكثير من الوظائف كما جاء في مقالك ليس خاصا بهم، وليس سببه الثقافة الإسلامية الشائعة. أهل آسيا أو جلهم معروف عنهم التواضع الشديد والتحفظ والكتمان وعدم "الطلوع في الكفر"، فهو عندهم من الموبقات كما أنهم لا يعرفون تزكية النفس، شفاهةً على الأقل. السيد بان كي مون الأمين العام الحالي للأمم المتحدة دخل وفقاً لنصيحة بعض الناصحين في دورات تدريبة عندما كان مرشحاً للمنصب. وكان محور الدورات وفق ما ذكر لي صديق مقرَّب منه هو "فن تزكية النفس" الذي يجيده أهل الغرب لأهميته في أن تكون مقنعاً في المنصب الدولي. وتتلقى في سبيل ذلك دورتان في سويسرا وفرنسا. وأهل فرنسا هم أكثر أهل أوروبا قدرة وحرصاً على تزكية النفس وهذا موضوع لنا فيه عودة.
على كلٍ، تلقّى المرشح الرفيع الدورات وحاول تطبيقها عندما تولَّى منصبه، وكان يردد أشياء وعبارات محفوطة من مذكرات الكورسات تجعل من يستمع إليه يبتسم مندهشا، ولكنه أقلع عن ذلك بعد فترة لأنه نسيَ الدروس التي تلقَّاها، أو ربما نصحه ناصح بأن يكون نفسه وكفى. سمعت السيد الأمين العام يردد عبارات في ختام موضوع أو استهلاله من نوع: (وأنا كما تعلمون أُسمَّى بنوع من السمك يصعب اصطياده، وسيكون لكم معي شأن إن حاولتم اصطيادي). أو: (أنا رجل معروف بالميل للعمل وليس الكلام وتفكيري موجه نحو الأهداف والنتائج). أو (إن نهجي هو الوضوح والصراحة في كل شيئ). وهكذا. مع ان الصراحة ليست من القيم المحمودة في كوريا التي جاء منها. وإنما الكتمان من أعلى القيم هناك، ولقد مارسه فعلياً مع صفوة مستشاريه عند تولي المنصب لدرجة أن الحديث كان يدور بالكورية أحياناً في بعض الاجتماعات المغلقة التي يحضرها غير الناطقين بها. كما إن خلة الكتمان تتعارض تماماً مع خلة أخرى هي الشفافية، فمن الصعب أن تكون كتوما وشفافاً!
ربما يواجه الأمين العام صعوبة في إعادة انتخابه بسبب تواضعه وعدم قدرته على تزكية نفسه حقيقة، وليس كما جاء الكورسات التي تلقاها، وكلٌ مسخر لما خُلِقَ له، والله غالب كما يقول أهل شمال أفريقيا.
ذكرني ترشيحك لنفسك لأمانة الجامعة العربية، ما كتبه ذات مرة الدكتور محمد عبد الله الريح في السبعينات عند فتح الترشح لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة. فقد رشح نفسه للمنصب، دون أن ترشحه جريدة الأيام التي كان يكتب فيها. وجاء في حيثيات الترشيح والتزكية أنه أفضل من "يعرب عن الأسف"، وخير من "ينظر بالكثير من القلق"، كما أنه لا يشق له غبار في "تقديم الشكر والعرفان"، و"الدعوة لضبط النفس والالتزام بالمواثيق". كما أورد صفات أخرى تؤهله للمنصب قد تفيدك في مسعاك. ودمت. أخوك أسامة عثمان)).
عن صحيفة "الاحداث" - 11 مايو 2011


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.