يتوجس البعض من مصطلح ( ديمقراطية ) لما شاع من شرح لذلك المصطلح من واضعيه او من اخرين وذلك بعد ترجمته للعربية ليكون المعني ( حكم الشعب بالشعب ) او ( حكم الشعب للشعب ) وهذا بلا شك يخالف تماما ما قرره القرآن : ( إن الحكم إلا لله ) و ( ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون ) هذا اضافة الي ان المصطلح نفسه ( ديمقراطية ) مستجلب من الخارج من عند غير المسلمين فهو اذن مرفوض شكلا قبل ان يدخل الناس في شئ من التداول عن مضامينه وليس هناك من داع اصلا لذلك والناس لديها ما يمكن ان تستعيض به عن ذلك المصطلح مما لا خلاف فيه بينهم وهو ما يعرف بنظام ( الشوري ) و لا سيما القرآن يقول ( وأمرهم شوري بينهم ) وعند الدخول لمناقشة تلك الاعتراضات علي مسمي ديمقراطية والتعليق علي ما ورد من اعتراضات وتحفظات علي المصطلح نفسه نقول : ان الاسلام لم يرفض ابدا فكرة الاستجلاب من الخارج وقد اسس لذلك عدد من علماء الامة منهم الإمام ابن القيم في كتابه ( الطرق الحكمية ) حينما قال : ( فأي طريق استخرج بها العدل والقسط فهي من الدين وليست مخالفة ) وهذا يعني ليس بالضرورة ان ينص نصا قرآنيا او حديثيا لاعتماد طريقة ما ثبت نفعها للناس وانما المعيار هو مدي مقاربة ذلك الي الحق والعدل لطالما لا يخالف اي هدي من تعاليمه اذن اي سياسة يتبعها المسلمون في تحقيق العدل والقسط هي من الدين ولا يصح ان يحكم عليها بانها ليست من الدين لانه لم ينص عليها بدليل خاص لذلك يعرف ابن القيم السياسة بقولة ( السياسة هي كل فعل يكون معه الناس اقرب الي الصلاح وابعد عن الفساد وإن لم يضعه الرسول صل الله عليه وسلم ولا نزل به وحي ) ولعل ذلك هو سبب تلك (المرونة والعمومية) التي اتسمت بها غالب النصوص القرآنية والحديثية التي وردت في شأن السياسة في الاسلام ولذلك وجدنا ان الرسول صل الله عليه وسلم لم يتحفظ في استجلاب كثير من الافكار والنظم من الخارج وكذلك ما جاء من بعده من خلفاء فقد استجلب الرسول صل الله عليه وسلم فكرة حفر الخندق من الفرس ، وفكرة الخاتم من الروم ، وفكرة المنبر من الحبشة ، كما ان نظام الحسبة الاسلامي نفسه كان نظاما تتبعه الدولة البيزنطية قبل الاسلام وهو نظام مستنسخ منها ، وقد استفاد الخليفة عمر بن الخطاب من نظام الدواوين والخدمة المدنية من الامبراطورية الفارسية والتي كانت معاصرة للدولة الاسلامية آنذاك مما يؤكد جليا بأن الاسلام اصلا لم يكن يمنع من استجلاب اي افكار او انظمة من الخارج ولو كانت من عند غير مسلمين لطالما ان ذلك لا يتنافي مع تعاليمه اما القول بأن هناك الشوري بدلا عن الديمقراطية فلماذا العدول عنها الي نظام احسن احواله انه مختلف فيه في حين ان الشوري متفق عليها فالاجابة علي ذلك : أن الشوري ( مبدأ ) من المبادئ الاسلامية لم يضع الاسلام لها طرقا او آليات محددة لا يجوز العدول عنها لذلك تجد اختلافا عديدا حدث في طريقة اختيار الخلفاء الاربعة للرئاسة مما اكد شرعية لجوء الناس الي اعتماد اغلب آليات الديمقراطية من : انتخابات ، واقتراع ، ونظام برلمانات ، واعتماد لراي الأغلبية لتحقيق نظام الشوري ، فالشوري مبدأ نحن مأمورون به ولكن ترك لنا الباب واسعا لاختيار آليات وطرق تحقيقة المناسبة ولذلك لا يجوز ان تكون تلك الاعتراضات من قول بأن الديمقراطية كلمة اجنبية وان الشوري بديل للديمقراطية مانعا من استخدام الديمقراطية بل يمكننا القول بانها تعتبر نظاما عصريا حديثا لتحقيق الشوري اما في ما ورد من تحفظ علي تعريف الكلمة بانها حكم الشعب للشعب والحكم هو لله فهنا لابد من السؤال عن المراد من كلمة ( حكم ) ? لان كلمة حكم قد تطلق ويراد بها ( القانون) الذي هو لله بلاشك وقد تطلق ويراد بها مجرد الحكم الذي بمعني ( الادارة والتنفيذ ) وهنا لا اشكال وارد لكلمة حكم اذن لان الحكم اصلا لا يتم الا بادارة وتنفيذ الشعب اذن لاحرج ان تنسب كلمة حكم للشعب في التعريف لكلمة ديمقراطية ( حكم الشعب بالشعب ) او ( حكم الشعب للشعب ) فلا تدخل المنازعة لله في حكمه الذي بمعني القانون والتشريع واذا كانت السلطة المطلقة مفسدة مطلقة فالديمقراطية تعين علي تفتيت قوتي( السلطة والثروة) من خلال انشاء مؤسسات تحكم الناس حتي لا ينفرد شخص او اشخاص معينين بتلك السلطة بالتوافق علي من يحكم الناس وهذا لا يتم الا عبر نظام برلمانات و الرجوع الي نظام التصويت والاقتراع اذا ما اختلف الناس وكل ما ذكرناه من نظم وآليات الدليل فيه انه علي البرآءة الاصلية اي من المباحات اضافة الي ما يمكن ان نستأنس به من اعمال مؤكدة للجواز نقلها لنا التاريخ فقد تم اختيار الخليفة عثمان بنظام الانتخاب الذي تولي الاشراف عليه عبد الرحمن بن عوف فقبل علي بن ابي طالب فكان تداولا سلميا للسلطة وقد نزل رسول الله عن راية لراي الاغلبية في غزوة احد وقد طلب رسول الله صل الله عليه وسلم ان يختار الجمهور من الصحابة عرفاء يتحدثون باسمهم لما كثر عليه الناس في الشوري واختلطت عليه الاصوات فقال لهم ( اخرجوا الي عرفائكم ) وقال ( لا يستقيم الناس الا بعرفاء ) والعريف هو سيد القوم الذي يتحدث باسمهم فهو بلاشك اشبه بنظام ايفاد الناس ممثلين لهم في المجالس. النيابية والبرلمانات بقي ان نقول بقدر ما هو مباح لنا استجلاب كل ما هو نافع من الخارج ولو كان من عند غير مسلمين الا اننا كذلك لسنا ملزمين باخذ كل تجربة كيفما اتفق او علي كامل علاتها فليس هناك ما يلزمنا بالالتزام بكافة ما تحوية الديمقواطية الليبرالية علي سبيل المثال حتي ولو خالف ذلك معتقدنا وديننا فإننا لن نعرض ابدا علي طاولات مجالسنا النيابية وبرلماناتنا ما قال الشرع فيهرمقالة بصورة قاطعة ولكن ربما نعرض ماهو مختلف فيه ولو كان دينا وبالطبع نعرض كل النوازل والمستجدات والقضايا السياسية كذلك بخلاف بقية البرلمانات التي تسمح بعرض،كل ما يريد عرضه الأعضاء. حتي ولو كان مما حسم امره شرعا وهو مما لا يجوز في ديمقراطيتنا وديننا وبالله التوفيق