ترجّلت من الطائرة في مطار كوبنهاجن بالدنمارك طلب مني موظف الأمن خلع حذائي وقام بتفتيش بقية الركاب، كانوا من البيض فتُركوا لحالهم شعرتُ بعنصرية في التصرُّف، وعلمتُ حينها أن وراءه اختطاف الطائرات بواسطة منظمة التحرير الفلسطينية وقتها كان عام «1981» تخرّجت لتوّي في كلية طب الخرطوم وحصلت على فرصة تدريبية بمدينة قوسنبيرج بالسويد، سبب ذهابي للدنمارك كان بغرض تأشيرة الدخول للسويد لعدم وجود سفارة سويدية بالسودان، وقتها كانت أولى رحلاتي إلى أوربا، وقد تخرجت لتوي في الجامعة لم يكن هنالك إنترنت وكنا محدودي التجربة والمعرفة وتم إسكاني في بيت الشباب مع شاب يهودي من دولة إسرائيل كاد يكون ذلك سببًا في عودتي إلى السودان فتم إقناعي وصار اليهودي صديقًا عزيزًا وكان درسًا في التفريق بين سياسة الدولة وعامة الشعب. يحضرني تمثال حورية البحر الذي يتوسَّط بحيرة بقلب المدينة ذهبت إلى الطائرة السويدية بالدنمارك تكلمت معي «حيطانها» رحبت بي وطلبت مني الدخول وعلمت بعدها أنه جهاز الإنتركم، كانت رحلتي من الدنمارك إلى السويد بالقطار، ذهبت إلى محطة القطار وأنا قادم من ثقافة «قطر كريمة» أسأل عن كم عدد القطارات في الأسبوع فكانت الإجابة ثمانية قطارات في اليوم، قلت كيف يقطع القطار بحر الشمال الفاصل بين الدنمارك والسويد قالوا يدخل القطار في باخرة تأخذه إلى الضفة الأخرى من البحر.. وصلت المستشفى وهو أشبه بفندق «سبعة نجوم» كان الشارع خاليًا من السيارات أمام المستشفى علمت أنه موعد غسله الأسبوعي بالماء والصابون وجدت نفسي بمحض الصدفة موزَّعًا مع بروفيسور متخصص في زراعة الكلى خرجت من غرفة تغيير الملابس بمجمع العمليات أشارت إليَّ ممرضة شقراء في أدبٍ جم أن ما أستعمله غطاء الرأس هو غطاء للحذاء.. حطت طائرة «الهيلوكبتر» فوق سطح مجمع العمليات تدلى من فتحة بسقف المبنى صندوق بداخله كلية محاطة بالثلج تم نزعها من شخص توفي دماغيًا في بلد آخر بدأ البروفيسور بفحص الكلية وتنظيفها وزرعها في بطن المريض وبدأ ضخ الدم في الكلية بعد إيصال الشريان والوريد توردت الكلية بلون الدم وأزهرت وبدأت في إخراج البول ذهب «التيم العامل» في استراحة لأخذ القهوة لإعطاء فرصة للكلية للتأقلم على جسم المريض، قرَّرت البقاء فقد كانت أول عملية زراعة كلية أشهدها، استهوتني المهارات المطلوبة لإجراء العملية وكان قراري أن ألج مجال زراعة الأعضاء متخصصًا في زراعة الأعضاء.. أحسَّ البروفيسور برغبتي فأعطاني منحة للتخصُّص عزمت على أن أعود إلى السودان «عشان أحجِّج الوالدة والوالد» ثم العودة مرة أخرى لمواصلة المشوار.