يوسف إدريس حين يصف مريضًا يتلوّى تحت الألم الهائل (سرطان المثانة) كان يصف المريض وهو ينتقل من الصراخ بالكلمات إلى!! : حرتك برتك فرتك .. والكتابة لعلها تتحدث باللغة ذاتها. .. ولك أن تصرخ حرتك برتك وأنت تقرأ عن وزارة الصحة التي تمنع أربعين مركز جراحة حديثًا جداً عن العمل بحجة غريبة موجعة ولجنة تصدر قرارات بأن المراكز هذه (التي تكفي لأربعين جراحة متقدمة كل نهار) مراكز جاهزة للعمل. لكن وزارة الصحة تسكت. - هسس!! .. ولا أحد يحتاج إلى اللجان ليعلم أن السبب الأول والأخير لاغتيال المراكز هذه واغتيال المواطن هو أن إطلاق المراكز هذه يجعل مستشفيات مسعورة كثيرة تتوقف أنيابها عن قضم أعناق الناس.. .. وحكاية صغيرة تطل لتصبح نموذجًا للسعار وطبيب في ابتهاج يحمل زجاجة من دواء حديث إلى زميل له.. مبتهجاً .. والطبيب الآخر الذي يدير جهة طبية تجارية ينظر في ذعر إلى الزجاجة الصغيرة ثم يقول لصاحبه بعيون ضيقة. : إياك أن يعلم أحد بوجود هذا الدواء والتحذير المهسهس ما يطلقه هو أن العقار الصغير هذا يغني عن أسلوب فادح الثمن لعلاج طويل تقوم به بعض المستشفيات الآن. (2) وما يضج الآن هو صراخ كل أحد يتهم كل أحد والصراخ يمضي لأن الشاهد الوحيد الذي يحسمه هو شاهد تحرص جهات كثيرة ألا يكون له وجود. - مركز دراسات.. لكن الأمر الآن يتخطى أنياب وأظافر قطيع الذئاب الذي يلتهم بعضه بعضاً إلى سيل يذهب بالبلاد كلها. فالخطة التي تسعى للذهاب بالسودان يصدر عنها في الأيام الماضية ما ننقله حرفياً الخطة اسمها الخطة الإسرائيلية لسكك حديد آسيا وإفريقيا.. الخطة تطلق في الساعة الثالثة والربع من مساء الأحد 29 يناير الماضي لتقول الخطة: ( الحكومة الإسرائيلية في الأحد الماضي تشرع في فحص خطة ربط حدودها بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر وذلك حسب خطة تعطيل قناة السويس بخلق مسار تجاري جديد في مخطط خنق مصر والسودان قال نتنياهو : خطوط السفر عبر الصحراء سوف تجعل من (اليات) مكانًا يبعد ساعتين فقط بالقطار ثم خط نقل من آسيا إلى أوربا.. وأن الصين والهند مهتمتان بالأمر ثم حديث آخر عن أن (مايسمى الربيع العربي في كل قطر هو شيء يقوم بتغييرعميق تغيير الدولة والمجتمع. لكن ربيع عربي في السودان يعني انهياراً كاملاً للسودان - فالأقطار العربية كل منها يتألف من كتلة سكانية واحدة متجانسة لا نزاع بينها. بينما السودان الآن جهات مقتتلة لا يجمعها إلا خيط الحكومة الواحدة في الخرطوم فإن انقطع الخيط هذا أصبح في السودان عشرين جهة مقتتلة - والقتال يجعل كل جهة تلتفت باحثة عن حليف من الخارج .. وعناصر القتال هذا تحمل في جوفها حقيقة أنه لا أحد سوف ينتصر - وأن الانهيار لن يجمعه شيء الحديث الأخير كان هامشاً يقدم ندوة عن (جنوب السودان والمعركة المقتربة) - ثم عناصر (وشخصيات) تقدمها الندوة والندوة التي لا يمنعها قانون مثل قانون الصحافة عندنا من الحديث تشير إلى أسماء وشخصيات تنشط الآن باعتبارها حوافر الخيول التي تركبها الخطة. (3) والكاتب الأمريكي (د. امباني لو) الذي يصرخ متسائلاً عن (كيف يعيش السودان دون مركز دراسات) يورد النماذج التي تجعل الرؤوس تنطح الحائط قال (.. وعن السودان كتاب آخر مشهور أنتجه فتى من الدينكا اسمه (اشاك).. ما إن يقرأه طلاب المدارس الأمريكية حتى يتبنوا صورة داكنة عن السودان وإنسانه العربي المسلم المتوحش بينما يكنّون حباً وحناناً للإنسان الجنوبي المناضل ضد الهوس الإسلامي العربي .. وخلاصة القصة عن الطفل (دينق) الذي يفقد أهله حين يباغت العرب المسلمون قريتهم الهادئة ويذبحونهم. وتبدأ رحلته القاسية حتى أمريكا. والكذب الجميل يصبح هو ما يشكل أذهان الملايين. والتشكيل يترجم نفسه في كل سلم وحرب وسياسة. بينما السودان (الذي هو الضحية في حقيقة الأمر لا يدري حتى بما يجري حوله) - لأنه دون مركز دراسات .. كل من حولك في الخرطوم الآن يتخبط ويصرخ ويلطم ويهدر ويبكي لأنه لا مركز دراسات واحد يصبح شاهدًا يلتفت إليه الناس. .. حرتك برتك جرتك ... بررررر....