لم تكن حادثة موت ثلاثة من المواطنين بمستشفى بحري ببعيدة عن أذهان نواب تشريعي الخرطوم وهم يستمعون لتقرير وزير الصحة بروفيسر مأمون حميدة عن أداء وزارته للعام السابق وخطتها للعام الجديد، فنعى النواب الوضع الصحي ككل بالخرطوم واتهموا بشكل صريح الوزارة بالإهمال خاصة في اهتماماتها الصحية بالمناطق الطرفية من الولاية، ورأوا أن اهتمام الوزارة ينصب في الوسط فقط وأن ما يجري بالأطراف ليس من أولوياتها، على عكس وزير الصحة الذي بدا عليه التفاؤل وهو يتلو تقرير الأداء، ولكنه رغم ذلك أقر خلال الجلسة بوجود أخطاء طبية، إلا أنه ألصق التهمة بالتعليم الطبي في البلاد محمِّلاً كليات الطب مسؤولية تلك الأخطاء مرجعًا ضعف كليات الطب لضعف مخرجات التعليم ولعدم وجود التدريب الجيد، وتلا ذلك بالبحث عن الأسباب التي ترفع اللوم عن وزارته ففي تردي الخدمات الصحية قال إن هناك «500» ألف شخص يأتون إلى العاصمة يوميًا لتلقي العلاج، وأضاف أن الضغط الكبير من سكان الولايات الأخرى يتسبب في مضايقات للمواطن المقيم وحرمانه من حقه في العلاج، وأقر بوجود صعوبة في التفريق بين المواطن المقيم والمواطن الزائر للولاية، ولم ينسَ حميدة أن يذكِّر النواب بأنه يحتاج لمساعدتهم في تمويل سد النقص في الكوادر البشرية شاكيًا من هجرة الكودار الفنية المؤهّلة للحدّ من الأمراض التي انتشرت خاصة البلهارسيا، وتوقع أن ترتفع نسبة الإصابة عند الأطفال في المناطق الطرفية. لكن النواب وبتمحيصهم للخطة عابوا عليها عدم تطرقها للعديد من مشكلات الحقل الصحي فيما يتعلق بالأمراض المزمنة والوقاية منها كالسرطان والإيدز وقضية وفيات مستشفى بحري بسبب الأكسجين بجانب الرقابة على الصيدليات ووجود الأدوية البشرية والبيطرية داخل صيدلية واحدة، بالإضافة إلى مكافحة الملاريا التي لا وجود لها على أرض الواقع، وقالوا: نخشى أن يكون انخفاض نسبة الإصابة بالملاريا بسبب فصل الشتاء وليس المكافحة، واعتبر العضو عوض حامد أن الحقل الطبي يحتاج إلى إعادة النظر في مخصصات ومرتبات العاملين خاصة أن العام السابق شهد إضرابات وعدم استقرار في العمل، ولفت العضو مبارك سحور إلى أن المستشفيات الطرفية تم إهمالها بعد تبعيتها للوزارة، وأشار إلى أن هذه المستشفيات تم بناؤها من قبل دول صديقة بأحدث طراز لكنها انهارت وأصبحت هيكلاً، في وقت تساءلت فيه العضو مثابة حاج حسن عن وضع وفيات الأمهات وأخطاء أطباء الامتياز، وقال العضو عباس الفاضلابي إن الصحة تعاني من إخفاقات واضحة بداية بخطتها وتقريرها للعام الماضي الذي أهمل جوانب كثيرة تتعلق بالوضع الصحي، وقال إن الوزارة ليس لديها إحاطة كاملة بالمراكز الصحية المشيدة والمراكز المتهدمة وتم تأجيرها بمبالغ ضخمة بعقود موقّعة لأكثر من عامين إلى شركات من الباطن، وعوّل العضو عصام ماهر على الجانب الوقائي قبل العلاج، وأكد العضو محمدين العوض أن الريف يفتقر إلى أقل الخدمات الصحية، وقال إن الريف يعاني من احتقار مقارنة بالعاصمة، وأوضح أن الوجود الأجنبي تفشّى بصورة كبيرة حاملاً معه أمراضًا جديدة «الإيدز والسل وملاريا حبشية قاتلة». كل ما سبق كان جزءًا من مقتطفات قليلة من جلسة حافلة لتشريعي الخرطوم تبين من خلالها أنّ ما بين النواب والوزارة ليس بعامر، وبطبيعة الحال ليس لأشياء شخصية ولكن لأن المطلوب كثير، وفي الذهن ما يدور من حديث حول وجود صراع ضخم بين أشخاص وجهات تتضارب مصالحها وبين جهات تدير هذا الصراع بالريموت كنترول من على البعد دون أن تظهر في العلن!!