هذه الكلمة التى فضَّلت أن تكون عنواناً لهذا المقال، هى من قبيل الكلمات المستخدمة بلغتنا الدارجية، والمعني بها أن يعرف شخص بين الناس بأنه يتلقف الأخبار، صحيحة كانت أو غير صحيحة، وفي بعض الأحيان يقوم هو شخصياً بنسج معلومات من صنعه وتصميمه، ويسعى بها بقصد إرباك من استهدفهم والتشويش عليهم، لاتخاذ موقف معين تجاه قضية محددة أو غير محددة، أو أشخاص بعينهم، وقد لايكون الهدف لا هذا ولا ذاك، ولكن ليتمكن هذا الذى تعود على «السُّواطة» بإشباع نهمه والتنفيس عن مرضٍ استشرى داخل قلبه، ولم يجد سبيلاً إلى التخلص منه إلا بمثل هذا التقيؤ النتن فيما يعرف «بالسُّواطة». والذين ابتلوا بهذا الداء، تعرفهم بسيماهم ولحن القول، وكثيراً ما تجد أن هؤلاء يتحدث عن سلوكهم أغلب الذين عايشوهم، واكتشفوا هذه الخصلة الذميمه في طباعهم، بمعنى أن الذين طبعوا على مثل هذا السلوك ليس من الصعب اكتشافهم، حيث لا يقع في حبائلهم إلا المغفلون والسُّذَّج الذين يعانون من فقر العلاقات، ومحدودية الصلات الاجتماعية. ومن أمثلة «السُّواطة» التى يمتهنها البعض في محيط الخدمة المدنية، بأن يطرق باب مكتبك شخص من غير مواعيد مضروبة، أو معرفة به قديمة، لينهي إلى مسامعك خبراً عن أخلاق فلان وسلوك علان، ويحذرك منهم دون أدنى سبب يدعو لذلك، ولكن يكون الهدف أن تكون أنت الذى حدثوك مشوشاً ومرتاباً في التعامل مع الذى كان موضعاً لسهام من نهض لتوجيه مثل هذه «السُّواطة» ذات الأثر الخطير. والغريب بأن «السُّواطة» لم يقف فاعلوها عند حدودهم المعروفة، التي تقتصر على المجتمعات المتخلفة والأركان المشبوهة، وأن الذين عرفوا بها كان أغلبهم من صنف الفاقد التربوي، أو الذين تربوا في منابت السوء، لكنها تجاوزت هذه المستويات بمسافات بعيدة، وأفلح الذين اشتهروا بها في اختراق الأوساط العلمية والإعلامية والثقافية، وللأسف الشديد دخلت حيز الوزراء والمسؤولين وهذه هي الكارثة بعينها. ونسمع في الأخبار أن رجلاً لم تنله سهام الحقد وعجزت كل صنوف المؤامرات عن إحراقه، غير أن عامل دخول «السُّواطة» ومهارة المتخصصين فيها ودهائهم، قد جعله يفقد منصبه، وتبشع به الألسنة، علماً بأن تاريخه يثبت ما يتمتع به من شرف ونزاهة وحسن أخلاق. وفي تاريخ الحكومات العربية، نجد أن هناك مُتنفذين وشخصيات عظيمة قد أسيء لها وألبست تهمًا وأُدينت بجرائم، لم تثبتها وثائق، ولكن جعلها مفبركو التقارير والمتخصصون، والمشاءون بالنميمة والوقيعة، حقائق لا تحتمل أدنى قدر من المغالطة، فكانوا ضحايا، للقيل والقال، بسبب فتح المجال وتسليك القنوات لمن لديه البراعة في «السُّواطة» وإغلاق المنافذ أمام الصادقين بالحقائق، «والسُّواطة» هي الخطر العظيم الذى يجعل المباني العالية عرضة للانهيار، وأعظم الرجال هدفاً للاغتيال، والدول الناهضة خاضعة للتقهقر والانكسار.