من تابع الجلسة الثانية لمحاكمة الرئيس المخلوع حسني مبارك يوم أمس الاول، عبر شاشة التلفزيون يلاحظ أن نجليه علاء وجمال كانا يتصرفان وكأنهما مازالا في السلطة، وليس بصفتهما متهمين بسرقة المال العام والتربح من خلال مكانة والدهما في قمة السلطة. النجلان اللذان ظهرا في قمة اناقتهما، حتى وهما يرتديان ملابس السجن، حاولا منع تصوير الكاميرا لوالدهما طوال الوقت، بحجب الرؤية من خلال الوقوف أمامها، بحيث يتعذر على المشاهدين متابعة الرئيس المخلوع وهو راقد على السرير طوال الجلسة. لا نعرف لماذا لم يطلب منهما الجلوس على المقاعد المخصصة لهما، او الابتعاد عن طريق الكاميرا، فلا توجد امتيازات او مراكز قوى في المحاكم، وانما تطبيق حرفي للقانون على الجميع، كباراً كانوا او صغاراً، ابناء الفقراء او ابناء الذوات. نخشى أن يكون هناك بعض التراخي من قبل رجال الأمن، ليس فقط تجاه هذه المسألة، وانما أيضاً تجاه بعض بلطجية النظام، الذين اعتدوا على رجال الإعلام بالضرب والقذف بالحجارة في الباحة الخارجية للمحكمة. فمن غير المنطقي ان يعتدي هؤلاء على الصحافيين واهالي الضحايا، بينما يقف خمسة آلاف شرطي ورجل أمن، جاءوا لحفظ النظام، مكتوفي الايدي، لا يحركون ساكناً، إلا في وقت متأخر جداً، وبعد أن حقق هؤلاء البلطجية مرادهم. ما لا يدركه أبناء الحكام الجمهوريين أن امبراطوريتهم تتساقط أحجارها، الواحد تلو الآخر، وانهم لم يكونوا سبباً في تدهور أحوال بلادهم فقط، وانما في اذلال واهانة واخيراً اطاحة آبائهم من سدة الحكم، ووقوفهم بوصفهم مجرمين في قفص الاتهام. غرور القوة عمره قصير، وكذلك احتقار الشعب ونهب عرق أبنائه، وشاهدنا في الفصل الثاني من محاكمة الرئيس المخلوع الكثير من البراهين حول هذه المسألة. اذ يكفي ان نرى الرئيس مبارك احد ابرز رموز الفساد والعجرفة يمثل امام المحكمة بالطريقة التي شاهدناها. الم يكن من الاكرم له، ولكل الديكتاتوريين العرب من امثاله، لو جرى تطبيق الاصلاحات الديمقراطية قبل عشرة او عشرين عاماً، وبما يؤدي الى تداول سلمي للسلطة، وخلق مؤسسات حقيقية ترسخ دولة الحريات والقانون؟ الطغاة لا يتعلمون من دروس التاريخ حتى يستخلصوا منها العبر، ويتعظوا من تجارب من سبقوهم، فالبطانة جاهزة دائماً لتبرير فسادهم وإذلالهم لمن كتبت عليهم الأقدار العيش تحت مظلة حكمهم. نستغرب أن يتقدم 1700 محام للدفاع عن الرئيس المخلوع والجرائم التي ارتكبها في حق مصر والأمتين العربية والإسلامية، على مدى ثلاثين عاماً من حكمه الديكتاتوري الظالم. أليس هؤلاء من أبناء الشعب الذي يعيش نصفه «40 مليوناً» تحت خط الفقر، وبأقل من دولارين في اليوم؟ نحن مع حق الرئيس مبارك في محاكمة عادلة، نزيهة، ومحامين يتولون الدفاع عنه، وهو حق لم يعطه لأي من ضحايا حكمه الذين قدمهم الى محاكم عسكرية أصدرت أحكاماً جائرة بحقهم، لأنهم عارضوا النظام وسياساته. وما نستغربه أكثر هو هذا التعاطف الكبير معه من قبل الاسرائيليين، الذين اعترضوا بشدة على تقديمه للمحاكمة وهو على سرير المرض، ونسي هؤلاء ان المانيا، وبضغط من هؤلاء، حاكمت حارس المحارق النازية ديميانيوك، وهو في التسعين من عمره، وجرى جلبه الى قاعة المحكمة على كرسي متحرك. من الطبيعي أن يتعاطف هؤلاء مع الرئيس المخلوع، فقد كرس ثلاثين عاماً من حكمه من اجل خدمتهم، وحارب جميع حروبهم، سواء بالتواطؤ او الصمت، في غزة ولبنان، ومارس ضغوطاً شرسة على الفلسطينيين من اجل القبول بسلام مغشوش، وسكت عن الاستيطان وعمليات تقويض أساسات المسجد الاقصى، وتهويد القدس، والأهم من ذلك واخطر بيعه الغاز المصري بثمن التكلفة، في اكبر صفقة فساد في تاريخ المنطقة. نحمد الله أن هذه الدموع التي تذرف تعاطفاً مع الرئيس المخلوع تدينه، وتؤكد شرعية وطهارة كل نقطة دم قدمها أبناء الشعب المصري طوال ايام ثورتهم للاطاحة به ونظامه، لأن التعاطف هذا لا يأتي من منطلقات انسانية بحتة، وانما خوف من مستقبل قد يكون مختلفاً جداً دون وجود الرئيس مبارك والطغاة من امثاله، الذين استسلموا امام التهديدات الاسرائيلية. من يقتل الأطفال بالفسفور الابيض في قطاع غزة، ويمزق اجسادهم الطرية بالقنابل العنقودية في جنوب لبنان، هو آخر من يحق له ادعاء التعاطف مع المرضى. الرئيس مبارك لا يستحق اي تعاطف، وان كان يستحق محاكمة عادلة، وقد قدمت له مصر الثورة نموذجاً مشرفاً في هذا الاطار، لا يوجد له مثيل في اي من دول الجوار العربي، وهذا انجاز كبير، اكبر من كل انجازات الرئيس مبارك في حرب العاشر من رمضان، التي لا يجب ان تغفر له جرائمه في حق الشعب المصري.