وجود المبعوث الأمريكي ليمان بالخرطوم هذه الأيام وتحركاته مع وزارة الخارجية وبعض الجهات الأخرى ذات الصلة بملف الشأن الإنساني الأجنبي يعيد لذاكرة التاريخ قصة العام 2000م حينما أصدر الكونغرس الأمريكي وقتها (قانون السلام) وأرسل المبعوث القس دانفورث للخرطوم الذين جلسوا مع دانفورث وقتذاك لفت انتباههم أنه بيد القس العجوز مذكرة صغيرة من أربع نقاط فقط ظن هؤلاء أن الأربع نقاط تخص الجنوب فقط لكن اكتشفوا لاحقاً أن مهمة القس دانفورث في الخرطوم كانت متعلقة بقضية جبال النوبة فقط. وها هو خليفة دانفورث المبعوث ليمان في الخرطوم ولكن ماهي طبيعة المهمة هذه المرة؟؟ من أكثر القضايا التي تثير اهتمام القوى الدولية قضايا حقوق الإنسان والدول العظمى لا تتدخل وتنتهك سيادة الدول الا في مهام متعلقة بحقوق الإنسان وعندما تدخلت هذه الدول في العام 2000 في جبال النوبة كان وجودها في المنطقة في ذاك الوقت تحت ذريعة حقوق الإنسان فقد كانت هذه الدول ترى ان هناك انتهاكاً لحقوق الإنسان في المنطقة التى تُعرف بجبال النوبة جراء ممارسات الحرب الطويلة في المنطقة بعد حرب الجنوب. قادة مبادرة عام 2000م ملف قضية جبال النوبة الى سويسرا وتوجه الحوار الذي ادير لأول مرة تحت رعاية شبه دولية لقضايا النوبة الى اتفاقية وقف اطلاق النار وعلى الفور انشئت اجهزة لمراقبة عمليات وقف اطلاق النار وفتح ممرات الاغاثة وقد واجهت مسألة فتح الممرات الاغاثية باعتراضات من الخرطوم لكنها حالما عادت ووافقت عليها. دخلت القوات المراقبة لمدينة كادقلي وادت اداء مميزًا ساهم في وقف اطلاق النار وعودة الحياة بشكل جيد لطبيعتها وذهب معظم المزارعين لحقولهم وتضاعفت أعداد قطعان الماشية التي تراجعت ونفقت بسبب الحرب وانعدام الاستقرار والماء والكلأ، ساهمت اتفاقية سويسرا في نقل الأمور بصورة ممتازة في جنوب كردفان للامام ولكن المتغير الاساسي الذي طال المنطقة وادخلها في حالة الخراب الراهنة ان الاتفاقية التي استمرت من عام 2001 الى 2004م لم تطل بل ذهب الملف من سويسرا الى الإيقاد وهذا هو الخطأ الأساسي في المسألة فلو استمرت الحكومة قدماً في خطواتها لحل قضية جبال النوبة بكامل ترتيباتها السياسية والأمنية في سويسرا لماحدث ما حدث لأن إدراج الملف تحت طاولة الإيقاد جعل القضية تقع في ظل قضايا الجنوب وهذا ماجعل الاتفاقيات حولها تأتي فطيرة وهشة ولم تخاطب المشكلة بصورة عميقة بل مكن الجنوب من استغلال قضية النوبة والنيل الأزرق والتلاعب بالمنطقتين لصالح اوراق الدولة الوليدة في معادلاتها مع حكومة السودان. اذن هل يعيد المبعوث ليمان انتاج ما حدث في سويسرا خاصة وان المنطقة شهدت حربًا جديدة وقضايا حقوق الإنسان تقلق المجتمع الدولي وتشكل له صداعًا مستمرًا.. والآن ما هو الجديد في حقيبة المبعوث ليمان.. وحتى رسم الصورة بكل ابعادها فإن الفرصة لاتزال مواتية والامور لم تعد بعيدة عن يد الحكومة كما يتصور البعض، وحتى في حال موافقة الحكومة على دخول منظمات اجنبية لمنطقتي جبال النوبة والنيل الأزرق ففي وسع الحكومة ما تفعله يجب ان تأخذ حذرها وتسعى لحراك ايجابي من اجل تقديم مبادرات وطنية لسلام جبال النوبة والذين ينتظرون هذه الفرصة وارى انهم على استعداد للتجاوب معهم مجموعة دانيال كودي، هؤلاء حركة شعبية تيار السلام وتحريكهم اليوم يساهم بصورة أو بأخرى في عزل الحركة الشعبية الداعمة للحرب وللأجندة القتالية عن مسرح التأييد الدولي والإقليمي معًا بجانب ذلك مجموعة كودي هم معبر داخلي لاستقطاب القوات المقاتلة عبر بوابة الترتيبات الأمنية.