النفاق مرض من الأمراض الشائعة، وداء وبيل مستشرٍ في كثير من المجتمعات والبلاد، وخطورة هذا المرض أن قلب الإنسان قد يمتلئ به وهو لايشعر به لأنه من الخفاء بحيث يظن المنافق أنه مصلح وهو مفسد ونافع وهوضار، تنعكس الأمور عنده وتختلط المسائل وهو يظن أن الصواب ما يأتي والخطأ مايذر؛ لهذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لايخشون شيئاً مثل النفاق حتى إن سيدنا «عمر بن الخطاب»رضي الله عنه كان يخاف على نفسه أن يكون من المنافقين فيقول ل«حذيفة بن اليمان» حافظ أسرار رسول الله صلى الله عليه وسلم «ياحذيفة، نشدتك الله هل سمّاني لك رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم؟ فقال:لا ولاأزكي بعدك أحدًا«يقول» ابن أبي مليكة «أدركت ثلاثين من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه ما فيهم أحد يقول: إن إيمانه كإيمان جبريل وميكائيل». إننا كثيرًا كثيرًا ما نغتر بأعمالنا ونتباهى بها بل فينا من يكاد يمتن على الله بعمله وعبادته وإيمانه ومجاهداته وسبقه ونضاله وبطولاته مع أن فينا من صفات المنافقين الكثير، فنكذب في أحاديثنا ونلون كذبنا بألوان الطيف ولا نفي بعهودنا ولا نحترم مواعيدنا وأوقاتنا نسيء الظن بالناس ونفاجر في الخصومة ونكيل التهم ونحسب كل صيحة علينا ونخون أمانتنا كلها عامة وخاصة سياسية أو اجتماعية فردية أم عائلية. على المرء ألا يطمئن على نفسه لأن النفاق داء خبيث يتلبّس كثيرًا من الناس وهم لايشعرون؛ لذا قال الإمام «الحسن البصري» «ما أمنه إلا منافق وماخافه إلا مؤمن» وهو نوعان: أكبر وهو الذي يوجب الخلود في النار لأن صاحبه يظهر الإيمان ويبطن الكفر وهؤلاء قد كشفهم القرآن الكريم في آيات كثيرة مع تخصيص سورة من سور القرآن لهم بصفاتهم وأخلاقهم وأشكالهم، والثاني هو النفاق الأصغر، وهو الذي نعايشه كل يوم وخطره في أنه يدمر المجتمع ويوقع في الكبائر والمنافقون بعامة لهم صفات مشتركة وسمات متشابهة منها: 1/ فساد نيّاتهم وضمائرهم حيث امتلأت قلوبهم بالشهوات ونفوسهم بالشهوات؛ شهوة الحكم والمال والجنس والرئاسة وشهوة الشكل والمظهر «في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً». 2/ ادعاء الصلاح والإصلاح مع فسادهم وكراهتهم لأي نوع من الإصلاح «وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم المفسدون ولكن لايشعرون». اتهام غيرهم بما فيهم من أدواء وأمراض لأن المنافق يظن أن الناس جميعاً مثله «وإذاقيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لايعلمون». 4/ عدم الاستقرار على مبدأ أو طريق أو رأي «مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاءولا إلى هؤلاء». 5/ الرياء والمظهرية «وإذا قاموا للصلاة قاموا كسالى يراؤن الناس». 6/حلاوة الكلام وفصاحة اللسان والمنطق المرتب والقدرة على الجدال بل وتعدد اللغات التي يتحدثون بها «ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام». 7/ رفض الاحتكام لشرع الله وسنة نبيه والنفور من القرآن والشك في الوحي والاستهزاء بآراء العلماء والأئمة الأعلام «وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله ورسوله رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا». 8/الإكثار من الحلف والقسم وأغلظ الإيمان دون أن يطلب أحد منهم ذلك «اتخذوا أيمانهم جنة» «يحلفون لكم لترضوا عنهم». 9/ يتعاهددون على المنكر وينهون عن المعرو ف مع بخلهم وحرصهم على الحياة والمال «المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم». هذه بعض صفاتهم التي كان أصحاب رسول الله صلى الله عليهم يخشون منها لأنها تنتشر حتى عند من يظن أنه بعيد منها، ويذكر أن حذيفة بن اليمان سمع رجلاً يقول «اللهم أهلك المنافقين» فقال: يا ابن أخي لو هلك المنافقون لاستوحشتم في طرقاتكم من قلة السالك» وعندما سئل الإمام «الحسن البصري» أ في البصرة منافقون؟ قال: «لو خرجوا منها لاستوحشتم ولما انتصرتم على عدوكم». إن هذا الدين ينصره الله بالكافر والمسلم والمنافق لأنه دين تكفل بنصره ونصر المؤمنين الذين يعملون لنصرته وهيمنته على الحياة. ترى كيف تكون حال عاصمتنا إذا دعا أحد الصالحين أو المظلومين أن يهلك الله المنافقين في بلادنا؟؟ بطبيعة الحال كانت الحياة قد تعطلت والعاصمة قد خلت وأصبحت مدينة أشباح وتعطلت مصالح من بقي من الناس وسادت الفوضى ورخصت الأسعار وما احتجنا الى إدارة المرور، ورجع الدولار إلى عهده القديم ثلاثة دولارت ونصف الدولار بجنيه سوداني واحد ولرخصت الأسعار لكثرة المعروض وقلة الطلب، ونعقت البوم في كثير من العمارات الجميلة والمباني الفاخرة والمولات الحديثة وأصبح كل من بقي يملك عددًا كبيرًا من السيارات بأنواعها المختلفة وتقلصت الوزارات في عدد أصابع اليد ولم يجد الناس غير عدد قليل من الدستوريين لقيام مجلس للأمة، وتكوين حكومة تسند فيها عدد من الوزارات لكل قابل للوزارة والعمل للاستعانة بالخبرات الأجنبية والعمالة المدربة وغير المدربة، وقس على ذلك آثار تلك الدعوة المخالفة لرأي «حذيفة» في عدم الدعوة على المنافقين بالهلاك، فالمجتمعات في حاجة إليهم وإلى جهودهم، حمانا الله من هذا الداء الذي إن لم يتلبسك كله ما سلمت من بعضه إلا أن يتغمدنا الله برحمته ورعايته.