صدِّقوني.. أن العيب ليس فينا.. فنحن أبناء زماننا هذا وزماننا معيب، والأدلة على ذلك متوافرة، فقد صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال فيما يرويه عنه أنس بن مالك رضي الله عنه: «يأتي على الناس زمانٌ القابض على دينه كالقابض على الجمر» رواه الترمذي. وهذا كما جاء في بعض المنتديات إخبار نبوي وإرشاد، وليس تصديق الإخبار بأولى من تصديق الإرشاد، فالإخبار صحيح ولابد من حدوثه، فلا بد أن يأتي زمان يكون أهل الدين في عزلة وفي ضيق وفي شدة ومكابدة ولا يلقون شيئاً من ذلك إلا بسبب تمسكهم بدينهم. وأحاديث آخر الزمان ما أكثرها وكلها تشير إلى رقة الدين عند عامة الناس وحدوث الفتن والاختلافات. منها الحديث المشهور عن أبي موسى «تكون في آخر الزمان فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً» ومنها ما رواه أبو داود عن علي رضي الله عنه يرفعه قال «ستكون فتن كقطع الليل المظلم» قالوا: «وما المخرج منه يا رسول الله؟» قال: «كتاب الله فيه حكم ما بينكم...» إلى آخر الحديث. ومنها ما جاء في بعض الأحاديث عن إخوان العلانية أعداء السريرة فقيل يا رسول الله فكيف يكون ذلك؟ قال: ذلك برغبة بعضهم إلى بعض ورهبة بعضهم إلى بعض» انظروا وقارنوا ولا تذهبوا بعيداً ووالله لو نظر أحدُكم تحت قدميه لأبصرهم.. زيادة على أنهم ليسوا في غار ولم تنسج عليه عنكبوت ولم تبِض عليه ورقاء. ومن أشهر الأحاديث التي وردت في الباب قوله صلى الله عليه وسلم :«يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من قول خير البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم». انظروا بالله عليكم كم من أنظمة الحكم في العالم العربي والإسلامي من حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام إما ناطقون باسم الأمة واسم الدولة وإما معدّون للورشة ومشاركون في الحكم وفي إدارة دفة البلاد بلا خبرات ولا تجارب. والعجيب أنه لم يقل سفيهات الأحلام ولا حديثات الأسنان وهنّ موجودات ومشهورات ولهنّ طرق للشهرة لا تتوفر للرجال وليس من الإخبار عنهن كبير عنت ولا عناء ولكن في الإضراب عن ذكرهنّ إرشاد، وذلك أن كل إخبار نبوي يحمل في طياته وفي أكنافه قدراً كبيراً من الإرشاد.. ولا فائدة أصلاً من إخبار لا يصاحبه إرشاد وجل الله عن ذلك وتعالى.. فهو المصدر الأول.. وهذه النصوص كثيرة ومتنوعة فيها الصحيح وغيره، فما كان صحيحاً تعبّدنا به وما كان غير صحيح أخذناه للاعتبار. ويجب أن نأخذ أنفسنا بما أشارت إليه هذه النصوص من الصبر والضبط والالتزام وأن نأخذ هذه النصوص على ظاهرها وألا ننزل نصاً منها على حادثة فردية أو واقعة معينة.. لأن ذلك ربما لم يكن صحيحاً ولا السعة مرادة فيحدث من الفساد والإفساد أكثر مما هو حاصل. والظن الغالب بل والراجح أن هذه الوقائع معلومة وبينة ولو أراد المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يبين زمانها ومكانها لفعل.. وقد خص بعض أصحابه بشيء من هذه الأمور كإطلاعه حذيفة على أسماء المنافقين وأورد البخاري عن أبي هريرة قوله رضي الله عنه «حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين فأما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم» من ذلك نعلم أن عامة ما يجري في زماننا هذا يشير إلى أن هذا فعلاً هو آخر الزمان بلا تحديد. إنه أول آخر الزمان أو وسطه أو آخر آخره.. لذلك لا نستطيع أن نجزم بأن كل ما يجري هنا هو صورة طبق الأصل لما جاء في النصوص لأن النصوص ركزت على الفتن والشرور ولكن أشارت إشارات عابرة لما يحدث من المدافعة والصبر والمقاومة.. ونحن نقول إن رقة الدين وضياع التقوى والورع ليس مربوطاً بالإنسان ولا بالمكان بل هو مربوط بالزمان فلا يجب أن نستغرب ما يحدث في بلادنا هذه بالذات من المخالفات.. ولا أن نيأس ونلقي بأيدينا ونستسلم.. ولكن لابد من الأخذ بالتوجيهات التي جاءت في عموم النصوص الواردة من الصبر والمدافعة والقبض على الجمر.. وأحياناً أن نعض على أصل شجرة وليس معنى أن نتعرف على فتنة ما.. أو أن نظن ظناً راجحاً أنها الفتنة التي جاء في حديث كذا وكذا فلا يعني ذلك أن نعدها قدراً وقضاءً لا يجوز لنا إلا الاستسلام له والانبطاح الكامل أمامه.. فالنصوص لم تأمرنا بشيء من ذلك.. وجهتنا إلى أدب مواجهة الفتن.. وذلك بمزيد من التمسك بحبل الله.. والالتزام بشرائعه.. والرضا بقضائه.. ونشير إلى أن الذي نراه هذه الأيام هو دون العلامات الكبرى التي تظهر آخر الزمان وذلك أدل على القول بعدم الاستسلام والدعوة إلى المجاهدة والمدافعة بل إن المدافعة والمجاهدة لازمة وواجبة إلى آخر لحظة من لحظات آخر الزمان حين تطلع الشمس من مغربها وذلك «حين لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً». وحتى لو كانت الإنقاذ قد جاءت في منظومة ونسق حوادث آخر الزمان فلا يعني ذلك أنها نهاية النهاية حتى ينزل عيسى بن مريم عليه السلام فيقتل الخنزير ويكسر الصليب ويضع الجزية أي لا يقبلها ولا يقبل إلا الإسلام أو السيف» قالوا ويهلك الله الأديان كلها في زمانه إلا الإسلام وتكون السجدة لله وحده. ونلاحظ أنه ورغم الذي قلناه فإن الحكومة التونسية القادمة حسب معطيات الانتخابات الأخيرة سوف تكون أفضل من حكومة بن علي، وحكومة مصطفى عبد الجليل في ليبيا ستكون أفضل من حكومة القذافي.. وأي حكومة تأتي بعد النصيري بشار الأسد ستكون خيراً من حكومته.. والأمر ينطبق على علي عبد الله صالح. إلا أن شارحي سياسة الإنقاذ واعتذارييها وكذلك نقادها وصيارفة أخطائها بالإضافة إلى أعدائها وخصومها يظنون وهم مخطئون حسب معطيات آخر الزمان أن ما يأتي بعد الإنقاذ لا بد أن يكون شراً منها.. وهي تميمة علقتها الإنقاذ في وجه كل ناقد وناصح وعدو فخير لأهل الإنقاذ أن يستفيقوا قبل أن يفاجأوا وأن يصلحوا من شأن أنفسهم قبل أن يصلحهم الآخرون إن أحداث آخر الزمان نوعان: الفتنة ومواجهة الفتنة.. والإنقاذ جاءت في آخر الزمان فلها أن تختار: أن تكون هي الفتنة أم هي في مواجهة الفتنة.