اقتحم شبابٌ مسجد المقرن التابع لأنصار السنة وسيطروا عليه، ومنذ ذلك الوقت أصبح المسجد بعيداً عن إشراف الجماعة من إمامة الجمعة أو الدعوة في داخله. والحدث لم يكن هو الوحيد الذي حدث آنذاك في العام 1996 1997 تقريباً، فقد كان فصلاً ساخناً في العلاقة المتوترة بين جماعة أنصار السنة ونظام الإنقاذ في تلك الفترة. بيد أن ذلك أصبح الآن مجرد ذكرى مريرة طوتها أيام التوافق المتتالية بين الطرفين قادت بعدها الجماعة إلى عتبات السلطة مشاركين في معظم مستوياتها، لكن المشاركة تسبَّبت في انشقاق الجماعة إلى تيارين هما تيار المركز العام وتيار الإصلاح بزعامة الشيخ أبوزيد محمد حمزة، غير أن هذا التيار رغم اعتراضه على المشاركة في الحكم لكنه لم يناصب الحكومة العداء وظلت الحكومة بزعامة المؤتمر الوطني تحتفظ بعلاقة متوازنة وبرجماتية مع كلا الطرفين، لكن الشيخ أبوزيد انتهج على غير العادة نهجًا نقديًا اقترب من السخونة وإن لم يصل إلى مرحلة الفوران في خطبة الجمعة الماضية بمسجد المعهد العالي للدراسات السلفية الإسلامية بالكلاكلة، فقد تنبأ الشيخ بهجمة حكومية شرسة على السلفيين، وأشار إلى ضغوط تمارسها الطرق الصوفية على الحكومة للحدّ من تمدُّد الجماعة في الحقل الدعوي، وانتقد إيقاف السلطات للحلقات الدعوية التي يقيمها عددٌ من منسوبي الجماعة في الأسواق والساحات مؤكدًا أن راية التوحيد لن تنتكس، وطالب الحكومة ربما لأول مرة بوضوح ودون مواربة بتحديد موقفها من بعض المظاهر، وقال: «أطالب الحكومة بتحديد موقفها من عبادة بعض الناس للقبور وشدّ الرحال للأضرحة والطواف حول القبور ودعوة غير الله تعالى» وطالب الشيخ بتكوين آلية ومفوضية قضائية عادلة تكون مرجعية للفصل بين المتخاصمين في تنظيمات العمل الإسلامي، وانتقد تعاطي الحكومة مع أحداث المولد التي شهدت اشتباكات بين أنصار الجماعة وأتباع من الطرق الصوفية، وقال إن المجني عليهم تحولوا إلى متهمين تم الزج بهم في السجون بينما المجرمون طلقاء وأحرار. بالطبع من الصعب فصل هذه الأقوال الغاضبة من الشيخ عن تداعيات الأحداث الأخيرة، ويمكن للمحلل أن يضعها في خانة إيصال صوت لوم احتجاجي للحكومة أكثر من كونه موقفًا جديدًا يؤطِّر لمرحة ساخنة تودِّع فيها الجماعة مرحلة الربيع الحالية مع السلطة، ذلك لأن الجماعة عُرفت بدعوتها السلمية في المجتمع وبعدم الخوض في الصراع السلطوي مع الحكومات منذ الاستقلال لأن الجماعة ترى أنها حركة إصلاحية وليست سياسية تطمع في الحكم، لكن دخول الجماعة في السلطة جناح المركز العام طرح أدبيات جديدة في حركة التغيير الإصلاحي، فالجماعة المتوالية مع الحكومة ترى أن المشاركة في السطة أكثر فائدة للجماعة لتحقيق أهدافها الدعوية، في حين ترى الجماعة الرافضة أن الدخول في مفاصل السلطة قد يُدخل الجماعة في متاهات السياسة وقد يصيبها بشيء من أدرانها وربما تغوص في أوحالها وتنسى رسالتها الحقيقية في الدعوة الحركية المباشرة بعيدًا عن الضغوط، لكن هل صحيح أن الحكومة كما قال الشيخ أبوزيد تعتزم شنّ حملة على السلفية؟ لعلّ المتأمل في سياسة المؤتمر الوطني تجاه التيارات الإسلامية المختلفة يصل إلى قناعة بأن الحكومة لا يمكن أن تخوض صراعًا مع أيٍّ من هذه التيارات، فالحكومة تدرك أن كل هذه التيارات تعتبر سندًا لها باعتبارها ترفع رايات إسلامية كما هي حائط صد قوي في حالة تعرض البلاد إلى هجمات من القوى العالمية، لكن الحكومة في ظل الغضبة غير المعهودة للمتصوفة تجاه حرق الأضرحة ربما رأت اتخاذ موقف برجماتي مؤقت خاصة أن الجماعة المتصوفة هي الأكثر عددًا وتأثيرًا في الحراك السياسي، لكن دونما استعداء نهائي للجماعة السلفية، لذلك فعلى الشيخ أبوزيد أن يكون مطمئنًا بأن الربيع بين السلفية والمؤتمر الوطني لن تجُبّه أحداث عابرة، سيما أن الحكومة تدرك أن المدّ السلفي يتنامى ولا يتناقص وسط الشباب والقطاعات الطلابية، وأن أي قراءة غير ذلك ستكون تجاوزًا للواقع الظرفي والإستراتيجي.