قال أحد الزملاء الصحفيين في الولاية الشرقية التي درج واليها على إطلاق تصريحات مثيرة للجدل تُدخل أعضاء حكومته في حرجٍ كبير مع المركز، قال إنهم يدعون الله أن تمرّ أية مناسبة يخاطبها الوالي بلا تفجُّر قنابل من النوع الذي اعتاد أن يُطلقه باستمرار.. فإذا كانت هذه شيمة هذا الوالي فإن بعض المسؤولين وإن لم يكن من عاداتهم مثل هذا العمل ولكنهم في لحظة ما يأتون بأقوال في سياق التبرير لأفعال لم تكن مقبولة، وبدلاً من إطلاقها لتهدئة رد فعل الناس تجاه الحدث المعيَّن صارت هي الأخرى مثار جدل وأحدثت ردود فعل متباينة. وعلى سبيل المثال فإن أشهر تلك التبريرات ما ساقه والي الخرطوم د. عبد الرحمن الخضر لإقناع المواطنين عندما اشتدت موجة غلاء عاتية اجتاحت الولاية ما دفع مواطنين وبعض منظمات المجتمع المدني لتنظيم حملة لمقاطعة السلع التي قفزت أسعارها بشكلٍ جنوني، وبينما كان الناس يتوقَّعون من الوالي الخروج بحلول تسهم في انفراج الأزمة إلا أنه فاجأهم بأقوال من شاكلة: (الما قادر على المعيشة في الخرطوم ما يقعد فيها)، وهو ما فتح عليه موجات شديدة من الغضب والنقد، في وقتٍ دفعت فيه ولايته بجملة من المقترحات العاجلة لجهات الاختصاص لجهة محاصرة الغلاء. تذمُّر الخضر تجاه سكان ولايته سبقته بقليل دعوة وزير المالية علي محمود للمواطنين بالعودة «للكسرة» عندما سُئل عمّا يمكن أن تفعله وزارته حال انفصال الجنوب وفقدان عائدات النفط، فبعد أن كشف محمود عن حزمة من الإجراءات التي يمكن اتخاذها قال: (وقد تحدثت إلى الشعب السوداني عن أهمية العودة إلى منتوجاتنا المحلية، إلى الذرة والدخن، وإلى الكسرة والعواسة) وهو ما جرّ عليه سخط الكثيرين رغم أن محمود تجاوز كثيرًا من المطبَّات.. وعلى ذات النسق يرى كثيرون في حجج والي سنار أحمد عباس وردوده على الأسئلة المتكرِّرة عن نقص الخدمات في ولايته وبعض الأحداث التي شهدتها مؤخرًا ضعفًا يصل مرحله قلَّة الحيلة، مثالاً لذلك عندما استبعد أن تكون وراء أحداث إستاد سنجة دوافع سياسية وقال: (هي عين وأصابتنا)، وكاد ذات مرة يشعل نارًا في ولايته عندما شكّك في سودانية بعض مواطنيها ممن وقع الاختيار على أراضيهم لإقامة مطار وطالبوا بتعويض مجزٍ قوبل بالرفض من جانب عباس الذي قال: (إنهم جاءوا مهاجرين ومشكوك في سودانيتهم) الأمر الذي أثار حفيظة المواطنين الذين لم تهدأ غضبتهم إلا بعد وساطات.. ويحفظ له أرشيف برنامج «المحطة الوسطى» بقناة الشروق تبريره عدم أحقية أهل إحدى قرى سنار بإقامة مدرسة وقال: (سكان تلك القرية وما حولها لا يتجاوزون الثلاثمائة شخص فكيف تُقام لهم مدرسة)، وقال في ذات الحلقة عندما أبلغه أحد المواطنين بحاجة قريته (لبئر ماء) كونهم وأنعامهم يشربون من ترعة تتوقف مياهها لموسم كامل، قال عباس: (الولاية تلتزم بحفر البئر ولكن شبكة المياه ذات تكلفة عالية لا تستطيعها خزينة الولاية وعلى المواطن أن يعمل الشبكة) الأمر الذي دعا مدير تحرير هذه الصحيفة أن يكتب له في اليوم التالي لذاك الحوار مقالاً تحت عنوان (أحمد عباس استرح). والأمثلة فيما يتصل بالمعالجات الشائهة والتي تأتي خلفها مبرِّرات أكثر تشويهًا كثيرة ولا تتوقف عن الظهور بين الفينة والأخرى، ففي دارفور مثلاً تم مؤخرًا تعيين مدَّعٍ عام لجرائم دارفور هو الثالث خلال سنوات قليلة، وعندما سُئل وزير العدل محمد بشارة دوسة عمّا أنجزه المدَّعيان السابقان، حتى يتم تعيين مدعٍ جديد؟ قال: (الحصانات هي التي تُعطل عمل هؤلاء)، وأضاف (أن «25%» من أفراد الشعب السوداني يتمتَّعون بحصانات)، وربما تعبِّر تلك النسبة التي أوردها عن الكم الهائل من الحصانات والتي تعوق سير العدالة الأمر الذي جعل البعض يطرح سؤالاً مهمًا مفاده: ما جدوى تعيين مدعٍ جديد طالما أن مهمته ستصطدم بجدار الحصانات الكثيفة؟ وكيف يستطيع الأخير تجاوز هذا الجدار الصلب من الحصانات لربع الشعب السوداني؟؟. ولكن التبرير الأخطر على الإطلاق هو ذاك الذي أطلق عليه الكاتب الصحفي الطاهر ساتي مصطلح (التبرير القاتل) حينما كشف تقرير لجنة التحقيق التي شكَّلها وزير الصحة بالخرطوم لتقصي الحقائق حول ما حدث بطوارئ مستشفى بحري إثر وفاة ثلاثة مواطنين بسبب نقص الأوكسجين إذ أن اللجنة بعد استدعائها مسؤول الأوكسجين في القسم سألته عن أسباب نقصانه بقسم الطوارئ أجاب بأن المدير العام للمستشفى، أمره بألا يمد الحوادث والطوارئ بالأوكسجين، وعندما واجهت اللجنة مدير المستشفى بأقوال مسؤول الأوكسجين قال: «أيوا أنا قلت ليهو كدا لكن أنا كنت بهظر معاهو ساكت»).. ويبدو أن تلك التبريرات باتت رائجة في الوسط الصحي فقد برَّر وزير الصحة بولاية الخرطوم مأمون حميدة إقالته لمدير عام مستشفى الأنف والأذن والحنجرة د. كمال عامر بوجود (شفاطة معطلة) عند تفقُّده المستشفى. الكاتب الصحفي المعروف د. كمال حنفي وصف تلك التبريرات بالمفلسة، وقال ل (الإنتباهة): (إلى حدٍ كبير هنالك ضعف في تركيبة التصريح ونوعه)، وتساءل عن مدى معرفة المسؤول أو مَن ينوب عنه، وأن الإعلام هو الصدى وهو المسؤول عن توصيل تصريحاتهم للمواطن، وأشار إلى أن تلك التبريرات تعبِّر عن مشكلة في تكييف خطاب المسؤولين للإعلام من ناحيتين الأولى: حجة المسؤول نفسها والثانية: الطريقة التي تُقال بها الحجة.. ورد الأمر إلى ضعف مبين ومهين في قدرة المسؤول أو مَن ينوب عنه في تبرير الأحداث والمواقف، متسائلاً مرة أخرى: لماذا تبدو حجج المسؤولين غاية في الضعف هكذا؟.