عقب صدور مقالنا السابق «أخي عوض الجاز.. ارحل» اتصل بي الأخ الكريم المجاهد عبد الله الجيلي المنسق العام لقوات الدفاع الشعبي والذي أفادني أنه قرأ المقال مرتين وأن اتفق معي في بعضه إلا أنه يختلف معي تمامًا بشأن ما ورد بحق الأخ الكريم د. الجاز، والمطالبة برحيله وفق الحيثيات التي ذكرتها كونها منقوصة إن لم تكن مغلوطة أصلاً.. لافتًا نظري لحملة استهداف تستهدف بعض رموزنا وهو بالتالي يخشى أن أخدمها من حيث لا أدرى.. منبهًا لي أن ابتعادي عن مفاصل العمل السياسي «تحديدًا» خلال العامين الآخيرين ربما حجب عني كثيرًا من الحقائق والمعلومات.. ذاكرًا لي أن الأخ الجاز قد اتصل به مستنكرًا ما ورد بحقه في ذلك المقال خاصة من المجاهدين الذين بينه وبينهم من التواصل والاتصال ما لا يحجبه انس ولا جان. راعني أن أكون في نظر بعض أخواننا ترسًا في ماكينة تدمر مشروعنا أو تنال من رموزنا.. فقلت له «فليكسر قلم يقدح في صغارنا.. ولتقطع يد تنال من كبارنا.. وليضرب عنق من يهدم مشروعنا» ولقد عشت طول عمري دون انتماء لفئة أو ثلة أو حركة إلا الحركة الإسلامية التي أعتز بانتمائي لها منذ شعبان 1973م والتي لم أعرف خلالها إلا الطاعة التامة والالتزام الصارم سواء بسواء في برنامجها الدعوي والجهادي.. فلئن أصابت سهامنا وسهام أعدائنا هدفًا واحدًا فإن هذا لا يعني أننا نرمي من قوس واحدة، ولن نكون في خنادق أعدائنا ما حيينا ولن تكون سهامنا إلا في أعناقهم أبدًا. وانطلقنا للأخ الجاز الذي استقبلنا بحفاوة كبيرة يشوبها حزن عميق قائلاً: جعفر... هل بيني وبينك خلاف أو مسألة شخصية.. قلت: لا.. بل الامرة والمودة.. كما أنه لا مطمع لي في كرسيك فضلاً عن أن تخصصي في هندسة الكهرباء لا هندسة البترول. قال قرأت مقالك الذي بهتني به وظلمتني به ظلمًا كبيرًا ولو لا أنك من المجاهدين لما التفت إليه أبدًا؛ فكثيرون قالوا عني أكثر واسوأ مما قلت فلم التفت لهم أبدًا.. ولكن أن أُظلم من قبل المجاهدين الذين هم عندي بمكان ليس لأحد سواهم وبدون تثبُت أو تبين فإن ذلك من الكبائر.. ثم أردف قائلاً: والحزن يكسو صوته «وددت أن أرفع يدي أدعو عليك الله دعاء مظلوم على ظالم.. عندها جفلت من كلماته وقلت له: وهل يحاسبني الله على نيتي أم على نيتك.. قال: اتهامك لي بتضييع حقوق الشمال في بترول الجنوب خلال الفترة الانتقالية «القسمة» وما بعد الانفصال «التأمين والتمرير والتكرير والتصدير» باطل ومعلوماتك خاطئة وكذا الحال في اتهامك لي بشأن الاهمال والتراخي في استخراج بترول الشمال.. أما مطالبتك لي بالرحيل فمرحبًا بها كوني لم أتقدم بطلب وظيفة في الإنقاذ التي سلبتني وظيفتي السابقة ببنك الشمال والذي كان مرتبي فيه أكثر من اثني عشر ضعفًا من مرتب الوزارة التي لم تمنحني ذهب المعز ولم أجد فيها جنة سليمان.. قلت في نفسي «علي الطلاق لو تنعم كل أهل السودان في المطعم والملبس والطيب والريحان.. لظل الجاز هو الجاز.. أغبشًا خشنًا دشنًا غير هيّاب». قلت لا أزال أراك ضيعت حقوق الشمال في بترول الجنوب وفق مخرجات نيفاشا وتأخرت كثيرًا في التنقيب عن بترول الشمال كونك المسؤول الأول عن ملف البترول في نيفاشا وكذلك استكشاف واستخراج بترول الشمال.. وهذا ما يقوله كل الشعب السوداني.. فلست وحدي من يتهمك بالتفريط هناك والتقصير هنا.. قال بحدة وغضب.. لمعلوماتك حين تخلصنا من شيفرون الأمريكية قمنا بطرح كل مساحة السودان للتنقيب حيث تقدمت عدة شركات عالمية كان جوهر اتفاقنا معها أنها تتحمل لوحدها جميع تكاليف الدراسات والمسوحات فإن وجدت بترولا تخصم تلك التكاليف منه، وإن لم تجد تتحمل هي كل التكاليف بل وتعطينا جميع الدراسات والبحوث بلا مقابل.. وعليه فقد تم مسح كل البلاد شبرًا شبرًا منذ فجر الإنقاذ.. فما وجدت فيه كميات تجارية جرى استخراجه وما كانت كمياته غير تجارية أو على بعد سحيق «أكثر من 5000 متر» أو ما كان متحركًا في جوف الأرض فإن تلك الشركات لم تغامر باستخراجه؛ لأنها تسعى فقط خلف اليسور والمضمون.. وقد غادرت بعدما سلمتنا كل تلك الوثائق والبحوث.. الآن تم طرح تلك المواقع وفق الدراسات والبحوث السابقة على شركات أخرى، وقد باشرت العمل فعلاً وفق تطور تقنية البترول المتجددة التي تتعامل مع نتائجنا المشار إليها.. والله وحده يعلم إن كنا قد تقاعسنا أو فرطنا في أمانة التكليف. أما اتهامك لي بتضييع استحقاق الشمال في نيفاشا «القسمة أو التصدير» فأعلم أنني ما كنت عضوًا في الوفد المفاوض ولا ضمن طاقمه، ولم أسافر لنيفاشا إلا يوم طلب مني تقديم تقرير فني عن البترول، ولم أُشارك في مناقشة الاتفاقية سواء في جانب النفط أو في غيره ناهيك أن أكون مسؤولاً عن صياغتها ولو بكلمة واحدة، وكل الذي تم عمل سياسي قام به أهله المفوضون به واتحمل معهم كامل المسؤولية عن الاتفاقية سواء كانت معيبة أو مبرأة من العيوب. والله لو لم أكن جالسًا لسقطت من هول هذا الذي سمعت عن نيفاشا التي تأبى إلا أن تزيدنا رهقًا وإحباطًا كل يوم.. كنت أظن وأعتقد ظنًا يقينيًا وأعتقادًا راسخًا أن خلاصة هذه الاتفاقية المشؤومة هي ما جادت به قريحة إخواننا الممسكين بملفاتها التي بنيت عليها.. بمعنى أن ملف البترول جاء في الاتفاقية وفق رؤية وزارة الطاقة، وملف الترتيبات الأمنية جاء وفق رؤية وزارة الدفاع، وكذا بقية الملفات«السيادية الثقافية الإعلامية التشريعية القضائية والإدارية...الخ» وأني لأرجو أن يكون ذلك كذلك «وإن كان ملف البترول ينفي ذلك»؛ لأن الرجوع للمؤسسات والجهات المتخصصة هو الشيء الطبيعي والمنطقي وهو الذي أمر به الله«واسألوا أهل الذكر».. إن كان عوض الجاز بكل تاريخه الحركي النظيف وكفاءته المشهودة وعطاؤه المتميز وموقعه في الدولة والتنظيم لا يستشار إلا فنيًا في اتفاقية تحكم أمر الدين والدولة إلى يوم الدين فمن يا ترى يُستشار وبأي حق أو سبق يُستشار وما معنى تلك الطائرات الغادية والرائحة ما بين الخرطوم ونيفاشا تحمل فى جوفها المئات من الرموز والشيوخ والقيادات.. هل كانوا للمشاركة.. المشاركة التي غيب أهلها المتخصصون.. أم كانوا للمباركة وإقامة الحجة.. الإنقاذ بكل دهائها وأذكيائها وأنقيائها ورموزها وكنوزها.. هل تركت أمرنا وأمر ديننا وبلادنا وتاريخنا بيد«جاحظ العينين» الذي ظل يملأ الفضائيات والصحف والإذاعات ضجيجًا وعنتريات..بعدما ضيع على طاولة المفاوضات انتصارات عسكرية وبترولية واقتصادية وثقافية وإدارية غير مسبوقة ليخرج علينا بتلك الاتفاقية المهينة والمعيبة والمخترقة. لقد كان فجر يوم النحر التالي لنيفاشا قاسيًا علينا حين اكتشفنا قدرات «جاحظ العينين» التي لا تؤهله حتى لترتيب إركاب طائرة الرئيس السابق والقيادات والرموز المغادرة لمسارح العمليات وفق برنامج «العيد في الخنادق».. كيف لها أن تؤهله لترتيب وطن أهله وساداته حضور وأحياء.. بكل تاريخه العريق ومستقبله الباهر ومجاهداته التي أذلت المستكبرين وأرعبت الطواغيت من كل مِلة ودين. نعود لك الأسبوع المقبل إن شاء الله يا جاحظ العينين لنحدث عن ذلك الفجر والحزن العظيم في يوم الفرح الأكبر لنرى كيف هانت البلاد والعباد حين ترك أمرها لحصان طروادة. عفوًا أخي وأميري د. عوض الجاز.. ليس كل الظن إثم.. فنحن لا نضرب الحصي ولا نعلم الغيب و«أنتم تحجبون الحقائق وتغلقون الأبواب» ولكن الأثر يدل على المسير والبعر يدل على البعير.. والجاز يدل على البترول.. ويبدوا أنك مثل البن.. تحرق مرتين.. ولكن بنيران صديقة.