في الوقت الذي تستضيف فيه دولة جنوب السودان، الحركات المسلحة في دارفور، وتدعمها وتحرك جيشها الشعبي لشنِّ الحرب على السودان وتتحالف مع قوى دولية وإقليمية لإسقاط النظام في الخرطوم، تتحلى حكومتنا «الرشيدة، العاقلة، طيبة القلب والسجايا» بأعلى درجات ضبط النفس والتسامي فوق كل جرح غائر في لحمنا الحي، وترفض أن تستضيف وتدعم فصائل المعارضة الكثر التي تعمل وتنشط في جنوب السودان ..!! يا للعجب!!، اتهمت جوبا قبل فترة أسمرا بأنها وراء تمرد جورج أتور الذي قتل بعد استدراجه بواسطة موسيفيني في كمبالا، ولا توجد أية حدود مشتركة لإريتريا مع الجنوب ولا ملفات عالقة ولا خلافات ظاهرة للعلن، لكن السياسة وتشابكاتها وتقديراتها وتقاطعاتها، ساقت هذا الاتهام حتى أن وفداً من حكومة الجنوب ذهب لأسمرا لبحث هذه التهم... فإذا كانت بعض الدول الصغيرة والكبيرة لا تتورّع في لعب لعبة السياسة ودعم المعارضات ضد بعضها وتقديم كل ما يلزم من أجل أمنها القومي، فنحن هنا قد فرّطنا في فرص ثمينة وسوانح لا تعوّض، كانت كفيلة بإضعاف الحركة الشعبية قبل الانفصال أثناء الفترة الانتقالية، وتلافي الأخطاء القاتلة التي جرتنا لها اتفاقية نيفاشا المشؤومة التي أبقت على جيش الحركة وتركت المجال واسعاً لدعمه وتسليحه والاستعداد لحرب قادمة معها أطلت برأسها الآن. وعلى كل فإن الوقت قد حان لإعادة ترتيب الأوضاع بسرعة ومعاملة حكومة الجنوب بالمثل، فيجب أن لا ننام ولا نتركها تنام، لديها العديد من الفصائل المتمردة على حكم الحركة الشعبية، وحروبات داخلية بين القبائل والمجموعات المتناحرة، والجنوب كله يعيش على سطح صفيح ساخن، وهذه الحركة لا تمثل الجنوب، والحكومة القائمة في جوبا التي تناصبنا العداء وتعمل ضدنا، هي مجرد وكيل لقوى دولية تريد إسقاط النظام بأي ثمن، يقف من وراءها الكيان الصهيوني والدوائر الأمريكية والأوربية التي لا تريد للسودان أن يستقرَّ ويعيش في سلام. على حكومتنا أن تفكِّر بسرعة في ما يجب أن نفعله، لا يمكن أن تُجنِّد الحركة الشعبية عملاءَ لها من أبناء السودان وتجعلهم بيادق حربها ضدنا، بينما نقف نحن مكبّلين بأوهام لا قيمة لها ونتصانع لعب دور الأخ الأكبر مع الجنوب وندعي العقلانية ونقدم الشكاوى لمجلس الأمن، بينما بأيدينا يمكن أن نفعل ما يؤمِّن بلادنا وندرأ عنها كيد الكائدين والمعتدين. في كل منطقة من مناطق الجنوب توجد مطاعن ومقاتل ومجموعات مسلحة ساخطة وهناك من يرغب في ذهاب الحركة الشعبية من حكم الجنوب لأن الحركة أذاقت شعب الجنوب طعم القهر والتسلُّط والنهب والسلب، وسرقت أمواله وأهانت كل مواطن حريص على أن يعيش بكرامته في أرضه، يحافظ على علاقات حسن جوار مع السودان ومع جيرانه، فهذا الواقع يجب أن نتعامل معه ونستثمره خدمة لأمننا القومي ولإشاعة أجواء من الاستقرار والسلام وكبح جماح مغامرات حكومة الجنوب الطائشة ولجم حماقاتها. لا ينفع مع جوبا غير لغة واحدة، حاورناها بالحسنى فلم تستجب، فاوضناها بالقول الطيِّب ولم ترعوِ ، صبرنا على أذاها فلم تتعلّم الدرس، وكلما سكتنا وكففنا أيدينا قابلتنا بالسوء وبادرتنا بالطعن في الظهر.. آن الأوان لنرد الصاع صاعين، وعلى الحكومة أن تطلق أيدي الأجهزة العسكرية والأمنية وكل الجهات ذات الصلة بدعم معارضي دولة الجنوب وتوفير الاحتياجات لهم، وأن لا نتذرع بما ندعيه من تعقل، لقد وصل حد السكين العظم.. فهذا أو الطوفان.