لا شك ان الزراعة اصبحت تمثل رأس الرمح في الاقتصاد السوداني بعد خروج البترول من دائرة المنافسة الاقتصادية بعد انفصال الجنوب، وكان لا بد ان تبحث الدولة عن بدائل لسد هذا النقص، فكانت الزراعة هي البديل المناسب، ولعل برنامج النهضة الزراعية وضع كلبنة حقيقية للدفع بالزراعة الي آفاق أرحب وسعياً نحو التوسع الأفقي والرأسي غير أن الواقع يكذب كلَ ما يُثار بهذا الصدد، وليس أدلّ على ذلك مما آل اليه مشروع الجزيرة كأحد أهم المشروعات الزراعية في السودان بل على نطاق الشرق الأوسط من تردٍ وانهيار وصل الى البنيات التحتية ولم تُفلح معه كل المعالجات والجهود الرامية لانتشاله والعودة به إلى سيرته الاولى وفي الجانب الآخر هناك مشروعات صُرفت عليها المليارات وُلدت مشوهة وبعضها أُصيب بالشلل التام. هنا نقف على تجربة اربعة مشروعات نفذتها شركة زادنا عبر شركة الشامل بالولاية الشمالية تحديدًا بمحلية مروي.. وزيارة ميدانية قامت بها«الانتباهة» كشفت خلالها جملة من التعقيدات والعقبات التي تواجه الزراعة بمشروعات اللآر، تنقاسي الكبرى، القرير و الكاسنجر. بداية متعثرة والواقع ان الموسم الزراعي وعلى وجه التحديد الشتوي بات بحكم المؤكد فاشلاً بسبب هذه المشروعات وكل واحد له علله التي بدت لنا من خلال تجوالنا داخل مساحات واسعة بمشروع «اللآر» الذي تتفاوت فيه مراحل الانبات بين سيء الى أسوأ لكل المحاصيل خاصة محصول القمح، في الوقت الذي وصل فيه ذات المحصول مراحل متقدمة وتبدو عليه علامات النجاح بمشاريع اجتهد اصحابها في توفير الري بطريقتهم الخاصة وبالقرب من هذا المشروع الامر الذي قاد المواطن سليمان علي محمد خير احد المستثمرين بالمشروع للتفكير بصورة جادة في حفر بئر ارتوازية بعد ان شق عليه الحصول على الري من المشروع بصورة منتظمة، ولم يخف انتقاده لسياسة الشركة المنفذة للمشروع بقوله: ان الموجود على ارض الواقع يتنافى مع السياسة التي بشرت بها شركة «الشامل» التي قامت بالبستنة ولكن للاسف اصبحت عرضة للهلاك نتيجة العطش المستمر رغم تدفق المياه بصورة كبيرة لكن والحديث لسليمان يبدو ان هناك مشكلة فنية واضحة تتمثل في نوعية التربة التي استُخدمت في ردميات الترعة الرئيسة وهي تربة رملية سرعان ما تنجرف مع كمية مياه تمر عبر الترعة وادى ذلك لردم المجرى وهو ذات السبب الذي جعل ادارة المشروع تفتح المياه بكميات ضئيلة مما اثر على عمليات الري بالمشروع الى جانب مشكلة منحنى الترعة الرئيسة في وجود ابوعشرين على مقربة من هذا المنحنى، ويضيف سليمان: «هناك معالجات بطيئة ليست مستقبلية تتمثل في مد كل المشروعات بحفار وقلاب واحد فقط لإجراء عمليات التطهير بالترع ومن المستحيل أن تقوم تلك الآليات بتطهير ترع تمتد لعشرات الكيلو مترات وهي عرضة للانسداد بين فترات متقاربة نتيجة تراكم الرمال عليها وهي جهود فردية تحسب لمدير المشروع المهندس عثمان احمد عثمان وكان الاحرى ان تقوم الشركة باحضار تربة ثابتة لضمان استمرارية الرى طالما انها خسرت مبالغ طائلة لإنجاز هذا المشروع، ونحن كمستثمرين خفنا من مصير المشروع خاصة وانه ليس لدينا اي تعاقدات رسمية مع الشركة والآن وبسبب هذه المشكلة نكون قد خرجنا من الموسم الشتوي وقد صبرنا اكثر من ثلاثة شهور عسى أن ينصلح الحال لكن الامور ظلت كما هي عليه، ونخشى أن تهلك أشجار البستنة بالرغم من تأكيدات إدارة المشروع بأنها مؤمَّن عليها في شركة شيكان»، وحول عدم وجود اتحاد مزارعين بالمشروع قال سليمان: «لا يوجد اتحاد للمزارعين لحل مثل هذه القضايا الى جانب المطالبات بحقوق المزارعين وتثبيتها، ومعلوم أن المشروع يؤول لوزارة الزراعة يكون هناك مجلس انتاج، وإن كان هذا لا يقوم مقام الاتحاد فنرى انه لا داعي لوجوده» اما المزارع سيد احمد القروني فقد ابدى امتعاضه الشديد حول مسألة الري واشار الى ان تربة مشروع «اللار» رملية وتحتاج الى ري كل 10 يوم، اما في فصل الصيف فهي تحتاج للري اسبوعيًا وتساءل: كيف نحقق انتاجية عالية من القمح وقد تأخرت زراعته لأكثر من شهرين عن مواعيده الاصلية؟ حالة من التوجس والخوف ارتسمت على مزارعي مشاريع محلية مروي برمتها واتهم سليمان علي ادارات المشاريع بالفشل مطالبًا النائب الاول لرئيس الجمهورية الاستاذ علي عثمان بزيارة عاجلة وخاطفة والوقوف بنفسه على ما آلت اليه. مشروع تنقاسي الكبرى وان كانت أزمة مشروع «اللار» هي الري زيادة او نقصانًا في معادلة يصعب تفسيرها فان مشروع تنقاسي الكبرى على النقيض تمامًا وموقع المشروع لا تبدو عليه اي نواقص سوى ترعته الرئيسة التي انهالت عليها كميات من الرمال وشجيرات من العشر والمسكيت وغيرها من الاشجار والنباتات التى احتلت قلب الترعة وهزمت جهود شركة «الشامل» التي عجزت عن استخراج الماء لري آلاف الافدنة فقد أصابها الجفاف ولم تفلح جهودها في تشغيل المولدات الكهربائية التي تم شراؤها بمبالغ طائلة وتواجه هي الاخرى اهمالاً شنيعًا، وعند زيارتنا لموقع البيارة لم يكن هناك اي مسؤول ولا حتى خفير موجود بالموقع والغرفة التي تضم المولدات وأجهزة التكييف مشرعة الأبواب وبدون أقفال مما يجعلها عرضة للسرقة أو التلف، وفي داخل مجرى النيل وضعت اربعة مواسير ذات أحجام كبيرة تكفي الواحدة منها لري آلاف الافدنة، وحتى مياه النيل لم تصبر على اهمال الشركة فابتعدت عن المواسير وانسحبت عنها لمسافة قد تزيد لاكثر من متر وتركتها للرمال والصدأ لتتآكل شيئًا فشيئًا ويقول المزارع زكريا سيد احمد من منطقة ابو رنات إن مشروع تنقاسي الكبرى ضمن اربعة مشاريع بمحلية مروي وافتتح في بداية تسعينيات القرن الماضي علي يد الشهيد الزبير محمد صالح وبدأ يعمل بصورة طيبة لكنه سرعان ما توقف ونحن كمساهمين لا نعلم الاسباب الحقيقية لذلك بالرغم من جاهزية المشروع وعلمنا بصورة غير رسمية ان الاسباب تكمن في الوابورات ومرة اخرى نسمع بان العلة في الترعة وتارة المشكلة في العدادات الكهربائية كجانب فني او مادي، عمومًا الرؤية باتت غير واضحة بالنسبة لنا ، وكان المزارعون قد استبشروا خيرًا باحضار المولدات وكنا نتحسب لدخول الموسم الشتوى وزراعة اهم المحاصيل المتمثلة في القمح وكان بإمكانهم في المشروع ان يسهموا بقدر كبير وبانتاجية عالية من القمح وغيره وتغذية اسواق كافة ولايات السودان ولكن بسبب عدم الشفافية وقلة الاهتمام بأمر الزراعة خرجنا من الموسم بدون قمح او خلافه ومن هنا نبعث برسالة لكافة المسؤولين بدءًا من رئيس الجمهورية ونائبيه ووزير الزراعة الاتحادي والولائي ان يتداركوا امر الزراعة وتوفيق اوضاعها ووضع ادارات ذات همة ومسؤولية على رأس تلك المشاريع الحيوية. مواجهة ساخنة ولتقصي الحقائق حول الاوضاع المتدهورة بمشاريع محلية مروي كان لابد ان نلتقي معتمد المحلية علي محمد عبد الله بندق بمكتبه، وقبل ان يزيح الستار ويكشف جملة من الحقائق ابدى الرجل اهتمامًا بالغًا بالموضوع وتعهد بان يكون اكثر وضوحًا حيث اسدعى مدير مشروع اللار الزراعي المهندس عثمان احمد عثمان خلال تلك المقابلة وبدأ المعتمد حديثه بنبذة تعريفية عن محليته مبينًا ان مساحتها الكلية تبلغ نحو 180 الف كلم مربع ويبلغ عدد سكانها 157 الف نسمة ثم تطرق لقضايا الزراعة بقوله نريد ان نكون صريحين ويضيف «حسب علمي ان لشركة زادنا التزامًا تجاه المشروع بعقد محدد وبمبلغ محدد ودوركم يشير الى مدير المشروع في شركة الشامل بيع الماء وادارة المشروع، ومن المفترض ان يكون هذا العمل قد تم بعملية تسليم وتسلم من شركة زادنا فيما يختص بالاعمال المدنية وتساءل بندق: أليس هذا هو الوضع الطبيعي؟ وواجه المعتمد مدير المشروع بتساؤلات عديدة ضمنها ان كان لمدير المشروع صورة من العقودات السابقة؟ وهل اوفت زادنا بما التزمت به؟ وهل هناك عقد بين شركة زادنا ووزارة الزراعة بالولاية يوضح التزامات شركة زادنا؟ ويبدو ان معتمد مروي وضع مدير المشروع في موقف حرج لم يجد مخرجًا من كل تلك التساؤلات غير انه اجاب عنها جميعًا بالنفي فما كان من معتمد المحلية علي بندق ان يرمي بكل اسلحته ويصب جام غضبه، وقال: هذه مشكلة وثغرة كبيرة وهي ازمتنا الحقيقية اذ لا توجد عقودات تجعلنا نقتفي اثر الخلل ان لنا او علينا ويحدد موقف كل من الشركة والاطراف الاخرى ومدير المشروع يعلم انه منتدب من وزارة الزراعة ويمثل الحكومة، وكشف معتمد مروي عن جملة من الاجراءات تمت لمعالجة الامر ضمنها البحث عن العقود منذ اكثر من عامين قال انه تحصل على ثلاثة عقود فقط بل حتى هذه لا تصل الى درجة العقود المعلومة وتم استدعاء مسؤول توطين القمح، وقال ان فك الارتباط بين شركة زادنا وتوطين القمح لجهة عدم وجود عقد وهذه مشكلة حكومة يجب ان نواجهها بكل شجاعة والعمل على حلها جذريًا فنحن امام تجربة انموذج ولا نريد ان تجهض وان المعالجات التي يقوم بها مدير مشروع اللار ما هي الا اجتهادات شخصية غير مبنية على اسس، واكد المعتمد ان مصلحة المحلية تكمن في تشجيع المستثمرين في هذا المشروع وغيره من المشاريع الاخرى وكشف معتمد مروي عن خلل واضح في عدم زراعة الحواشات المتبقية وهى تمثل ثلثي ما تم زراعته مشيرًا الى انها تحولت الى مضاربة ومزايدات بين التجار والسماسرة وقفزت اسعار الاربعة فدان منها الى «90» الف جنيه بدلاً من 10 آلاف كأسعار حقيقية ووصف ذلك بأنه نوع من الثقافة لم يكن موجودًا وعلى خلفية ذلك كما يقول المعتمد تم تكوين لجنة لتحديد المسح الذي تم اجراؤه وهل تم استغلالها ام لا وقال: هناك اجراءات سيتم على ضوئها توفيق الأوضاع. المزارعون خذلونا اتصلت «الانتباهة» بمدير شركة الشامل احمد لسماع دفوعاته حول ما أثير عن تسبب الشركة في فشل المشاريع بالتحكم في كمية المياه فقال: «الأراضي المزروعة ليست هي المستهدَفة فقط ولكن المزارعين خذلونا ولم ينفذوا المطلوب لذلك تحكمنا في كمية المياه لأن ابو عشرين والترعة لا تحتمل كل الكمية» ثم قطع المكالمة طالبًا مني الاتصال به بعد قليل وعندما فعلت وجدت هاتفه مغلقاً.