لا يجوز عقلاً ولا شرعًا أن يستمر السودان «56» عامًا وهو بلا دستور دائم مكتوب بوضوح يوضح لهذا الشعب المسلم الملتزم بالإسلام عقيدة وشريعة وخلقًا وسلوكًا هويته وقبلته الفكرية. الشعب شعب مسلم ولا ذنب له في هذا القصور والمماطلة فالذنب ذنب أولئك الذين صنعوا على أعين الغرب وتثقفوا بثقافة الإنسان الغربي اللاديني الذي أبعد عن دينه بمؤامرات اليهود فاحتلت عقولهم وضمائرهم فحجبوا نور الإسلام الصحيح الصريح عن الشعب ليستغل الإسلام المنقوص والتديُّن المغشوش لتكريس السلطة في بيت أو عائلة. عجبت كل العجب وما زلت مذهولاً لا من العلمانيين اللادينيين الظلاميين فهؤلاء موظفون بأجر عند من وظفهم ولكن العجب والذهول عندما ينطق الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار الأخ عبد المحمود أبو الذي انتقد مشروع جبهة الدستور الإسلامي قائلاً: «هذه المجموعة اعتقدت أنه بعد فصل الجنوب أصبح الشمال على قلب رجل واحد وهذا ليس صحيحًا لأن النزاع في السودان قد زاد». على الأخ أبّو أن يقرأ التاريخ جيدًا فالمناداة بالدستور الإسلامي بدأت قبل الاستقلال بشهور والجنوبيون موجودون ولم تتوقف مسيرة الدستور الإسلامي لحظة ولم يكن الجنوبيون هم الذين أعاقوا المسيرة ولكن آخرين ربما لا تعلمهم نحن نعلمهم وإن كنت في شك فارجع الى مضابط لجنة الدستور عام 1967 وستجد أن كل ممثلي حزب الأمة بأمر من الإمام الشهيد الهادي المهدي اقترعوا لصالح الدستور الإسلامي الكامل مع ممثلي جبهة الميثاق الإسلامي. لقد كان الأنصار يدركون يومئذٍ أن تطبيق الدستور الإسلامي الكامل عودة الى الجذور وإلى ما كان عليه الحال يوم أن دنست أقدام جنود الاحتلال الصليبي أرض السودان حيث كان السودان سلمًا للإسلام تحت قيادة الأنصار فهل تبدل الأرض غير الأرض أم تبدل الدين غير الدين أم تبدلت عقيدة الأنصار من جهاد من أجل الشريعة إلى تحالفات مع أعداء الشريعة من أجل السلطة والجاه؟ أم هي عقيدة الحداثة والعصرنة والعقلنة!! وعجبت من حجة الأخ أبو وهو يقول «الآن النزاع في السودان قد زاد» هذه شنشنة سمعناها من قديم. لقد جاء قوم وتعللوا بدعاوى الوفاق والسلام لتعويق كتابة الدستور حتى يتحقق السلام الذي كان يقول حامل السلاح وأتباعه إنه لن يتحقق ما دام في السودان إسلام صحيح يلتزم بالشريعة مع أنه أتى صاغرًا ورضي بأن يحكم السودان الشمالي بالشريعة دون استثناء حتى العاصمة التي كان يرى السيد الصادق المهدي رئيس وإمام الأخ أبو أن تكون خالية من الشريعة. لقد ذهب الجنوب منفصلاً وأشعل عملاء الحزب الحاكم هناك صراعًا لتعويق وهدم السودان ودينه وهب مخلصون لدين الله عاملون لرفع راية الإسلام عالية خفّاقة بعد أن دحضت حجة القائلين بوجود الجنوب وصار السودان من أدناه إلى أقصاه خالصًا للمسلمين فهل هذا الصراع المحدود على الحدود سبب لكي نكفر ونحكم بغير ما أنزل الله من كتاب؟ وهل ننتظر إلى أن ينتهي النزاع الذي تقوده قلة مارقة كافرة تريد فرض قوانين الكفر على البلاد تحت ستار «السودان الجديد» ومتى كانت الصراعات معوقة لكتابة الدساتير في الدول؟ كل دساتير العالم كُتبت في ظروف بالغة التعقيد وفي ظل صراعات دموية تدير الرؤوس. الدستور الأمريكي كُتب في عام «1778م» وهو عام الاضطرابات والصراعات والحروب التي استمرت لسنوات طوال وكذلك كتب الدستور الفرنسي أيام الثورة الهوجاء والدماء تسيل أنهارًا في شوارع باريس كُتب ذلك الدستور على مبادئ وقيم تلك الثورة الحمراء وكُتب دستور الاتحاد السوفيتي والصين في أجواء الحروب والصراعات الداخلية والخارجية وكتبت الجمهورية الإسلامية الإيرانية دستورها الإسلامي الصرف على المذهب الشيعي الجعفري وهي تخوض حربًا حقيقية ضد العراق وضد كل دول العالم تقريبًا وحتى دولة الكيان الصهيوني كتبت دستورها العنصري اليهودي وهي في حالة حرب مع كل الدول العربية. فلماذا هذه الضجة الكبرى هنا لماذا؟ أروني دولة واحدة ليس فيها معارضة هي أقوى من معارضة قوى الإجماع الوطني تسعين مرة أو أكثر؟ أروني دولة ليس فيها صراعات وبغي ودماء؟ أين هي؟ أشيروا عليّ يا أنصار الإمام المهدي الذي جعل دستوره القرآن وهو يحارب قوى الداخل والخارج بكل ثقة وشجاعة وتوكل. فلنمض في وضع الدستور ولنتذكر أن الشعب السوداني المسلم بوعيه الرسالي والسياسي الرشيد وصراعه المرير مع قوى الباطل من قديم لن يرضى بدستور غير إسلامي كامل ينص صراحة في مقدمته أن «المشروعية العليا هي للفكرة الإسلامية والحاكمية لله وأنه هو سبحانه مصدر السلطات والدستور تعبير عن الإيمان بالله والتضامن في تنفيذ أوامره وما دون ذلك فهو رد وباطل». المشروعية العليا حاكمة لجميع بنود الدستور ونصوصه ولها صفة الدوام والثبات والاستمرارية مع قابليتها للمرونة حسب الظرف والزمان والمكان ذلك أن دولة القرآن لا تستنفد أهدافها كما أن كلمات الله لا تنفد والطريق إلى الله لا يتوقف ومن سار على الدرب وصل والوصول هو مرافقة مناهج الأنبياء للفوز يوم القضاء. لقد عاش شعبنا سنوات عجاف كلها مضت كسنوات تيه وخبال حكمنا من حكمنا بغير ما أنزل الله من كتاب. حكمونا بالقوانين الوضعية التي تمثل وتكرس الغزو التشريعي والثقافي لبلادنا الإسلامية كهدف نهائي مقصود قصدًا من الاحتلال العسكري والسياسي وكمظهر من مظاهر فقداننا المقومات الشخصية المستقلة المتميزة المتفردة وأصالتها. لقد طمسوا هويتنا طمسًا. والسؤال الذي يفرض نفسه اللحظة يا أخ عبد المحمود ابو وأنت أمين عام هيئة شؤون الأنصار هو: هل الدين وبالذات الإسلام ركن أصيل وخطير في بناء المجتمعات الإنسانية أم لا؟ ليست المجتمعات والدول القائمة اليوم في الأرض سواء. الاتحاد السوفيتي السابق ودول المنظومة الشيوعية بنت دعائمها على أساس ديني أرضي بحت وفق النظرية اللينية الماركسية والأيدلوجية الشيوعية التي عقيدتها الإلحاد وإنكار الدين ومحاربته ورغم أن الشيوعية قد دالت دولتها العظمى وسقطت الدول التي كانت تابعة لها فإن الأخ أبّو يدافع عن أنصار الشيوعية بدلاً من أن يدافع عن أنصار المهدي فيقول «إن تسمية الدستور الإسلامي في هذا الوقت غير مناسب لأن هناك شريحة كبيرة تنادي بالدولة المدنية ذات العلمانية» وهل هؤلاء إلا الشيوعيون وأشياعهم والمستنصرون بهم وهم قلة قليلة وشريحة صغيرة ضعيفة لا كبيرة كما تقول. ثم كيف يكون الوقت مناسبًا عام 1967 عندما اقترع الأنصار لدستور إسلامي كامل شبيه بهذا الذي تنتقده ولا يكون مناسبًا اليوم؟ دولة الكيان الصهيوني أقامت دولتها على أساس الدين اليهودي ودستورها التوراة وسمت دولتها باسم توراتي باسم إسرائيل سيدنا يعقوب أحد أنبياء بني إسرائيل. الأكثرية الساحقة من الدول النصرانية لا تفرِّط في دينها ولا تستهين بتوجيهاته وإيحاءاته في علاقاتها السياسية والاقتصادية كما أن الفاتيكان دولة دينية صرفة كما الدولة اليهودية. وحتى عباد البقر الهندوس والزرادستيون يقيمون دولتهم على أساس عقائدهم فلماذا يراد للمسلمين الاغتراب عن دينهم وعقيدتهم؟ أما قول الأخ عبد المحمود «نحن نريد دولة مدنية ديمقراطية ذات مرجعية دينية تواكب المستجدات وتراعي حقوق غير المسلمين وتتلاءم مع النظام الدولي الحديث» فيحتاج الى مقال آخر قادم إن شاء الله نبين فيه أن نظام الحكم في الإسلام ليس حكمًا دينيًا كما يتخيله البعض ولا حكمًا مدنيًا صرفًا كما يدعو له العلمانيون اللادينيون. وهدفنا من الدعوة إلى دستور إسلامي خالص أن ندعو الناس إلى بصائر الرب «ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون. إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئًا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين. هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون» الجاثية الايات «18 19 20» حتى نبرئ ذمتنا «ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيي عن بينة».