في خطوة استباقية لصياغة الدستور الجديد سارع نحو سبع من الجماعات الإسلامية الي وضع مسودة إسلامية لضبط العمل الدستوري بالبلاد وتشكيل جبهة للدستور الإسلامي لتحديد ملامح المطالب الموحدة للقوى الإسلامية الحزبية في الفترة المقبلة وتنسيق العمل فيما بينها، وضمت الجبهة جماعات الاخوان المسلمين وانصار السنة باجنحتها ومنبر السلام العادل وهيئة علماء المسلمين وحزب التحرير الإسلامي واتحاد قوى المسلمين «اقم» وعلماء ودعاة ينتمون للرابطة الشرعية الإسلامية للدعاة، في الوقت الذي نأى فيه حزب التحرير عن نفسه من هذه الجبهة ، واصدر بيانا نفي فيه ان يكون طرفا فيما سمي بمسودة الدستور لان للحزب دستورا إسلاميا من 191 مادة مستنبطة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتم اختيار رئيس جماعة انصار السنة ابوزيد محمد حمزة رئيسا للجبهة والمراقب العام السابق للاخوان المسلمين صادق عبد الماجد أمينا والامين العام للاخوان المسلمين «الاصلاح»ياسر عثمان جاد الله نائبا للامين العام،واعتبرت الجبهة ان الخطوة تهدف الي طرح مفهوم تقنين الشريعة في القوانين بعد انتفاء معوقات تطبيق الشريعة الإسلامية بانفصال الجنوب. والواقع ان جبهة الدستور الإسلامي لم تكن الاولي من نوعها فقد شهد منتصف ستينات القرن الماضي ولادة تحالف سياسي مشابه لها بعد أكتوبر حيث دفعت مؤسسات إسلامية رسمية وشعبية بمشروع يهدف الي صياغة دستور إسلامي تكون الشريعة الإسلامية المصدر الاساسي لقوانينه،وضم التحالف وقتها الجامعة الإسلامية بأمدرمان، وجبهة الميثاق الإسلامي، وجماعة الاخوان المسلمين وأنصار السنة والصوفية وشخصيات إسلامية وطنية، الا أنه ووفقا لبعض المراقبين فان القوى اليمينة التي رفعت شعار الدستور الإسلامي والجمهورية الرئاسية عملت علي مصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية ولم تسع لتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير الامن من الجوع والخوف بقدر ما هدفت الي مصادرة الحقوق والحريات الأساسية باسم الإسلام، ومصادرة حرية الفكر والضمير والمعتقد، ومصادرة نشاط الحزب الشيوعي السوداني القانوني ، كما أشار عبد الخالق محجوب في سلسلة مقالات كتبها في صحيفة اخبار الاسبوع في العام 1968 حول الدستور الإسلامي ، وهو ماعجل حسب المحللين بانقلاب الحزب الشيوعي في مايو 1969 . وتلف مسودة الدستور الإسلامي شبهات حكومية لاسيما بعد تصريحات رئيس الجمهورية عمر البشير في القضارف التي اكد فيها ان الشريعة الإسلامية ستصبح «المصدر الرئيسي» للدستور السوداني «اذا اختار الجنوب الانفصال» في استفتاء التاسع من يناير المقبل.وقال البشير خلال حشد جماهيري: «اذا اختار الجنوب الانفصال سيُعدل دستور السودان وعندها لن يكون هناك مجال للحديث عن تنوع عرقي وثقافي وسيكون الإسلام والشريعة هما المصدر الرئيسي للتشريع».وأكد أيضا أن «اللغة الرسمية للدولة ستكون العربية ،وأكد أن «الحدود في الشريعة الإسلامية تأمر بالجلد والقطع والقتل ولن نجامل في حدود الله والشريعة الإسلامية». وهو ما أثار جدلا واسعا وسط المراقبين ووضع استفهامات عديدة حول مستقبل المجموعات المسيحية في السودان والمنتشرة في 15 ولاية . الا ان رئيس الجبهة ورئيس جماعة انصار السنة ابوزيد محمد حمزة نفي عن المسودة تهمة الشبهة الحكومية ، موضحا ان وثيقة الدستور الإسلامي اجتهاد ومبادرة من التجمعات ذات المرجعية الإسلامية ولاعلاقة لها بتصريح «فلان او علان» ، وأضاف أن الوثيقة تستهدف في المقام الأول الاتفاق علي آلية ورؤية موحدة لتطبيق الدستور السماوي في البلاد سياسيا ودينيا . واشار حمزة الي زوال موانع تطبيق الشريعة الإسلامية بعد انفصال الجنوب عن الشمال الذي يتمتع باغلبيته المسلمة، وفي اجابته علي سؤالي بخصوص وضعية القوميات المسيحية في السودان ، رد قائلا يحتكم المسيحيون الي شرعهم ، مشيرا الي ان الإسلام لايظلم اصحاب الديانات الاخري، وقال ابوزيد ان اليهود والنصاري عاشوا تحت ظل الحكم الإسلامي في المدينة التي شكلت النواة الاولي للدولة الإسلامية . واتهم الناطق الرسمي لحزب التحرير ابراهيم عثمان خلال اتصال بالهاتف جبهة الدستور الإسلامي بانها لاتملك تصورا واضحا للدستور الإسلامي، ونفي عثمان مشاركة حزبه كطرف في مسودة الدستور الإسلامي، وقال في بيان تلقت الصحافة نسخة منه، ان حزب التحرير لايمكن ان يكون جزءا من اي تكتل باعتبار ان للحزب دستورا إسلاميا من 191 مادة مستنبطة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واجماع الصحابة والقياس علي علته علة شرعية وبناء علي اجتهاد صحيح قائم علي قوة الدليل، وقال البيان ان للحزب مقدمة لهذا الدستور ودليلها ووجه الاستدلال، واوضح عثمان ان حزبه تلقي دعوة في بداية العام الجاري من بعض الاشخاص للمشاركة في صياغة الدستور الإسلامي، مشيرا الي انهم سلموهم نسخة من دستورالحزب الجاهز لمناقشته او اجراء اي تعديل او اضافة، واردف ابراهيم بان المشاركين انحصر حديثهم في تكوين جبهة للدستور، معتبرا ان القضية ليست قضية تكوين اجسام بقدر ماهي تكوين تصور واضح لمبادئ هذا الدستور، وتابع ابراهيم الامر الذي دفع الحزب الي الانسحاب من الجبهة، ووجه ابراهيم انتقادات لاذعة للحكومة، وقال انها لم تطبق الإسلام ولاترغب في تطبيق الشريعة، واعتبر مايطبق الان احكام إسلامية ليس لها علاقة بالإسلام . ويخشي مراقبو ن من محاولات فرض الدينية والقفز علي مطالب الدولة المدنية والديمقراطية، مشيرين الي ان ذلك يؤدي الي التمييز واهدار حقوق المواطنة وتقديم نموذج سيئ للحكم، واعتبر المحامي كمال الجزولي الدعوة الي الدولة الدينية بانها دعوة سياسية لان في تاريخ الإسلام لايوجد مايسمي بالدولة الدينية، معتبرا دولة المدينة مدنية ولم تكن دينية، ودلل الجزولي علي ذلك بدستور المدينة او ماسمي «بالصحيفة» الذي قامت عليه والذي كفل للناس حرياتهم الدينية سواء كانوا انصارا او مهاجرين او يهود بني قينقاع او النضير او سواهم، وتابع الجزولي بان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يفرض عليهم اتباع قانون معين ليس في دينهم في اشارة الي «الشريعة» ولاحتي ان يتحاكموا اليه هو شخصيا ، وربط الجزولي ظهور مثل هذه الدعوات بظروف سياسية معينة ، واكد الجزولي ان من حق هذه الجماعات طرح رؤيتها للدستور، لكنه اشترط عليها قبول دعوات الاخرين للدولة المدنية القائمة علي المواطنة والحقوق والواجبات العامة وحرية العبادة نفسها وان لايفرضوا نمط تدينهم علي الاخرين حتي علي المسلمين . وسار في ذات اتجاه الجزولي القيادي بحزب المؤتمرالشعبي كمال عمر الذي طالب الجبهة بضرورة التوافق مع القوى السياسية علمانيين وإسلاميين علي دستور ديمقراطي يتيح حرية الرأي وتعدد الاديان، ووصف عمر مسودة الجبهة بانها لاتخرج من كونها شعارات سياسية ، ووصف الخطوة اذا كانت تهدف الي جمع الصفوف والاجتماع على كلمة سواء بين كل الأحزاب والتجمعات ذات المرجعية الإسلامية لمواجهة التحديات المقبلة وتوحيد المسلمين علي اسس فكرية من اجل مصلحة البشرية بالايجابية ، محذرا من خطورة فرضه علي الاخرين، وقال عمر ان دولة المدينة التي جمعت المنافقين والمشركين واليهود والنصاري والمسلمين توافقت علي وثيقة كانت عبارة عن اطار لعهد وعقد لكل من يسكن المدينة قائمة علي اسس المواطنة واحترام الحقوق والواجبات، واكد عمر عدم وجود مايسمي بالدستور الإسلامي، مشيرا الي ان تطبيقه لايعني سوي فرض ارادتنا علي الاخرين وتقديم نموذج سيئ في الحكم، واعتبر ان الجبهة بشكلها الحالي تفتقد للتجارب الماثلة للحكم ومحتاجة الي معادلة سياسية تمكنها من الممارسة السياسية الكاملة، واتهم عمر واضعي المسودة بتبني رؤية الحكومة في تطبيق الدولة الدينية، في اشارة الي تصريحات البشير في القضارف حول تبني دستور إسلامي في البلاد بعد انفصال الجنوب.