السيد عبد الرحيم رجل صامت لا يتكلم كثيراً ويبدو أن نسبه يمتد الى عائلة الصامت بن كلام المنتهي الذي عاش في أحد العصور الماضية… والصمت الذي تميز به السيد عبد الرحيم لم يولد معه فقد كان يصرخ صراخاً شديداً عندما وُلد بل ويرفس بيديه ورجليه وقضى معظم سني دراسته وهو يتكلم في أي شيء. وكان يؤمن أن القحة ولا صمة الخشم. ولكن الصمت هو أحد الصفات التي اكتسبها أخيرًا بعد أن تزوج فأصبح صامتاً ومستمعاً لأي شيء الإذاعات المسموعة منها والمرئية والتلفونات والموبايلات وبالاختصار تحول إلى أحسن جهاز استقبال… وكل ذلك بفضل المرحلة الجديدة التي دخلها. فقد تزوج إثر علة لم تمهله طويلاً وكان من أحسن المتكلمين قبل الزواج وأحسن الناطقين بغير زواج ولكنه تحول الآن الى أحسن المستمعين وما يطلبه المستمعون. تناول السيد عبد الرحيم سماعة التلفون الثابت وأدار رقم منزله ومن الناحية الأخرى تناولت زوجته السيدة مثال السماعة قائلة أيوه … أهلاً يا عبد الرحيم اسمعي يا مثال .. أنا الحقيقة مستعجل شوية وعايز أقول ليك.. وتقاطعه السيدة مثال انزلي يا هويدا من الشباك يا بت انزلي.. آنا قلت ليكي انزلي.. احسن ليك تسمعي الكلام يا أخواني شوفوا البت مقصوفة الرقبة دي … عايزة تقعي تكسري رقبتك. وتضع السماعة على الطربيزة ثم تغيب فترة وتعود لتمسك بالسماعة: بالله البت بقت شيطانة جنس شيطنة عايزة كمان تكسر رقبتها علينا.. اها يا عبد الرحيم قلت لي شنو قلت ليكي أنا مستعجل وماشي دلوقت مع … وتصيح السيدة مثال: يا سنية .. ياسنية هوي كلمي الخدام دا قولي ليهو ما يمشي لو ما نفض الكراسي … يومداك مشى خلاهم وسخانين ومغبرين قولي ليهو الليلة ما يمشي لحدي ما يتم النضافة …. اها يا عبد الرحيم قلت لي شنو قلت ليكي أنا الجماعة منتظريني ومستعجل بس عايز أقول … وهنا يسمع صوت وقوع شيء فتصيح السيدة مثال: سجمي الواقع دا شنو؟ … اقيف يا عبد الرحيم أشوف الحكاية دي… وتغيب مدة أخرى ومن بعيد يأتي ما تسرب من صياحها الذي اخترق سماعة التلفون الملقاة على الطربيزة ويظل السيد عبد الرحيم ممسكاً بالسماعة حتى تحضر السيدة مثال لتشرح الموضوع قائلة: والله حمادة دا جنننا … يا أخي ما قلنا ليك سوقو معاك المكتب ولا وديهو لأي حتة … الولد زي التقول عنده عفريت في رأسه… جاب ليك عز الدين ود ناس عفاف… وطلعوا بالسلم لبيت الحمام قالوا عايزين يشوفوا البيض … وحمادة مسك الصفيحة رماها من فوق لحدي ما البيض كله أتكسر … غايتو ما عندك طريقة الا تسوقو تاني معاك… ولد شيطان زى دا أنا من ما الله خلقني ما شفتو … ياهو ولدك وياكا أنت أبوه … وأنت العلمتو الشيطنة … اها قلت لي شنو ويتنهد السيد عبد الرحيم ليقول: والله أنا زاتي الكلام طار لي من رأسي … كنت عايز أقول … وتعترض السيدة مثال على الجملة الأولى لأنها في اعتقادها جملة في غير محلها.. فماذا فعلت حتى يطير الكلام من راس السيد عبد الرحيم: الكلام طار ليك يعني شنو؟ مش من دوشة وليداتك … الواحد فيهم ما عايز يقعد بروقة … وهسع دي شايفة هويدا بتمعط في شعر أختها … يا بت … يا ملعونة… خلي شعر أختك … قلت ليكي فكيها … والله يا هويدا؟ … احسن ليكي تسمعي الكلام يا أخواني البت دي حرقت روحي. وتترك سماعة التلفون هذه المرة تتدلى دون أن تضعها على الطربيزة، وتغيب لمدة أخرى وهي تدخل في عملية فك اشتباك بين هويدا وأختها الصغيرة… ويسمع عبد الرحيم صوت هويدا تصرخ وتبكي بأعلى صوتها. وتمسك السيدة مثال بسماعة التلفون وهي تقول: يا بت بلشي الكواريك… أبوك عايز يتكلم ومستعجل خليني اسمع.. طيب يا حلوة خلاص بعد ما أبوك يتكلم أنا بديك جنيه عشان تشتري حلاوة قطن… يله أسكتي خلاص … خلي بابا يتكلم ويبدو أن البنت دخلت في عزف منفرد واستهواها الإيقاع فظلت تبكي وازداد عياطها .. وهنا قالت السيدة مثال: يا عبد الرحيم … دقيقة … بس أدي البت دي جنيه عشان تشتري حلاوة قطن عشان تسكت. ويسمع عبد الرحيم صوت هويدا يختفي تدريجياً حتى يتلاشى في أحد الغرف … وبعد فترة تأتي السيدة مثال وتبدأ حديثها: اها قول لي … قلت مستعجل والجماعة منتظرينك … يا أخوانا منو البدق في الباب يا سنية … يا بت …. امشي شوفي منو البخبط في الباب … اجري قوام افتحي الباب يا فالحة … قلت شنو يا عبد الرحيم؟ طيب خلاص … قلت ليكي عايزك تكلمي… وتصيح السيدة مثال: هي … معقولة ؟ …. ديل ناس ريا … ازيك.. شديدة … الله يسلمك … يديكي العافية … والله شقة غريبة جداً … وازيك أنتي يعني الليلة نقول شرفتونا…؟ وظلت سماعة التلفون متدلية وظل عبد الرحيم صامتاً ومستمعاً وظلت السيدة مثال تحكي لناس ريا وتقول لهم: والله هسع قبل شوية عبد الرحيم كان بتكلم معاي في موضوع مهم كدا … قبل ما انتو تجوا. آخر الكلام: دل على وعيك البيئي.. لا تقطع شجرة ولا تقبل ولا تشتر ولا تهد هدية مصنوعة من جلد النمر أو التمساح أو الورل أو الأصلة أو سن الفيل وليكن شعارك الحياة لنا ولسوانا. ولكي تحافظ على تلك الحياة الغالية لا تتكلم في الموبايل وأنت تقود السيارة أوتعبر الشارع. واغلقه في المسجد.