ثم تمضي الإدارة الأمريكية قدماً نحو تنفيذ إستراتيجية تقسيم السودان... التقسيم الناعم ودون إطلاق رصاصة واحدة!! وهاهو المبعوث الأمريكي لدارفور «دان سميث» ينفذ ما يليه ببراعة، ويذهب في اتجاه دعم اتفاق الدوحة، بل ويدعو الحركات غير الموقعة للحاق بهذا الاتفاق، فقد حاول دان سميث إقناع عبد الواحد محمد نور باللحاق باتفاقية السلام الموقعة بين الحكومة والتحرير والعدالة بقيادة السيسي، وذلك خلال لقاء جمع بينهما في كمبالا، وحين اصطدم سميث بتعنت نور المتوقع قال: إن الإدارة الأمريكية تعلم جيداً أن «Mister No» لن يكون عقبة تعرقل تنفيذ الإستراتيجية للأبد، وسوف يتم تجاوزه في الوقت المناسب... كما حاول سميث مع مني أركو مناوي، فوجد الرجل يسهل التأثير عليه، كما تسهل قيادته بزمام حبه للسلطة والمال... وفي ذات السياق كان سميث قد طاف على ولايات دارفور مبشراً بتحول كبير للإدارة الأمريكية تجاه قضية دارفور، مؤكداً انتقالها من تقديم المعونات للنازحين واللاجئين، لتقديم مشروعات تسهم في بناء السلام وتعالج أسباب وجذور المشكلة.. وكان سميث قد قام بالفعل بتسليم دكتور التجاني السيسي ملفًا متكاملاً لدعم مشروعات المياه والصحة، بعد أن أثنى على جهود كل من الحكومة وحركة السيسي الفاعلة لتنزيل اتفاق الدوحة على أرض الواقع، ومشيداً بتدشين السلطة الانتقالية بحاضرة شمال دارفور الفاشر... وتزامناً مع جهود سميث الداعمة لاتفاق الدوحة، كان هناك تنسيق مع دولة الجنوب لتحويل أنظار الحكومة بعيداً عن تحركات سميث، وكان على دولة الجنوب لتقوم بهذا الدور أن تطفئ حقول النفط، ثم توحِّد حركات دارفور الرافضة في إطار تحالف الجبهة الثورية.. لكن كيف تبنى الإدارة الأمريكية إستراتيجية تقسيم السودان على مواقف متناقضة؟ كيف تدعم جهود السلام من جهة، وتشعل فتيل الأزمة من جهة؟ أقول: لا تناقض البتة في إستراتيجية التقسيم، إنما هو تبادل للأدوار... وما على سميث فعله هو توحيد الحركات المسلحة، والذي تقوم به دولة الجنوب أيضاً هو توحيد للحركات المسلحة، وتوحيد الحركات بالطبع يعني تأثيرها على الصعيدين، السياسي والذي يتطلب فتح اتفاقية الدوحة مجدداً لاستيعاب آخرين، والعسكري والذي يدفع هو الآخر باتجاه فتح ذات الاتفاقية لاستيعاب آخرين.. وفي سبيل فتح الاتفاقية، لا بأس من ممارسة بعض الضغوط من وقت لآخر، كإعلان عدم مشاركة الولاياتالمتحدة في مؤتمر اسطنبول لدعم التنمية في السودان بصفة راعٍ ما لم تقدم الحكومة السودانية ما يؤكد استقرار الأوضاع الإنسانية بجنوب كردفان والنيل الأزرق، وإعلان الكونغرس الأمريكي مناقشة مشروع قرار لفرض عقوبات جديدة على السودان تشمل حظر سلع، وتكنولوجيا... وبفتح اتفاقية الدوحة، ترتفع سقوف المطالب لتستقر عند حق تقرير المصير، والذي يهندس نيفاشا كان يعلم أن تقسيم السودان لعدة دول هو مسألة وقت ليس أكثر.. ثم تمضي إستراتيجية تقسيم السودان بنعومة، ودون أن تنطلق رصاصة واحدة!!