يُحكى أن مهندسَين تخرَّجا في عام دراسي واحد في ذات الكلية في ذات الجامعة، سافر أحدهما ليعمل بإحدى الدول العربية بينما اُستُوعب الآخر بإدارة الطرق بالتخطيط العمراني بالولاية، وبعد سنوات عاد الأول بعد أن جمع حصيلة اغترابه التي لم تسعفه إلا لشراء قطعة أرض لم يبقَ معه ما يمكِّنه من بنائها، وفي يوم زار زميله آنف الذكر فوجد بيته المتواضع قد تحوَّل لفيلا فتعجَّب وسأله: من أين لك هذا؟ أشار بإصبعه وقال: (شايف الكبري داااك)؟ قال: نعم.. قال: (طن سيخ للكبري وطن سيخ لبيتي، وطن أسمنت للكبري وطن أسمنت لبيتي لغاية ما أكملت الكبري وبيتي!!).. ثم دارت الأيام والتحق المغترب بذات الإدارة التي كان يعمل فيها زميله صاحب الفيلا وعاد بعد سنوات ووجد زميله المغترب السابق قد قام ببناء برج متعدِّد الطوابق.. فسأله: (من أين لك هذا؟) فرد عليه قائلاً: (شايف الكبري داااك؟) فقال: (وينو؟ ماشايفو؟) فرد عليه: (ماياهو دا!!) وأشار تجاه برجه!. القصة يردِّدها كثيراً منسوبو هيئة الطرق والجسور بالولاية وزارة التخطيط العمراني سابقاً ولا ندري إن كانت تحكي عن واقعة بعينها أم أنها طرفة مستقاة من طرق وكباري مخالفة للمواصفات راح ضحيتها الآلاف دون أن يطرف جفن للمتسببين فيه ممن أعمى الجشع عيونهم والذين أوكل إليهم الأمر دون مطابقتهم لمواصفات الأمانة وخشية الله وتحري الرزق الحلال.. الرواية مطلع هذا التحقيق عبارة عن حكمة مفادها أن الفساد كالسرطان ينتقل من شخص لآخر أو كقطعة الفاكهة المعطوبة إذا وُضعت بين الفواكه السليمة أفسدتها.. هذه حلقة واحدة من سلسلة الفساد المالي والإداري والفني بإدارة الطرق والجسور التي سنتعاطى معها بالمستندات وسنُخصِّص هذه المساحة لنبيِّن للناس كيف يُدار العمل داخل الوزارة التي يصعب على الصحفيين الحصول على تصريح رسمي من داخلها حسب تجربتي وزملائي في التحقيقات التي امتدت لسنوات لم نظفر فيها بإجابة عن سؤال. هل يستقيم الظل والعود أعوج؟ لعل وزارة التخطيط هي نفسها تحتاج ل (تخطيط) بداية من اسمها الذي لازمت اختياره العشوائية وصار القطاع الهندسي كالمعلقة حيث سميت بداية ب (وزارة الأشغال العامة) ثم أوحى الله لأهلها تغيير الاسم ل (وزارة الشؤون الهندسية) ثم ما لبثوا أن غيَّروه ل (وزارة التخطيط والمرافق العامة) ثم انقسمت لوزارتين (التخطيط والتنمية العمرانية) و(البنى التحتية) التي ما لبثت أن عادت لحضن (التخطيط العمراني) إلا أن الوزارة الابنة تمرّدت ثانية وأصبحت (المياه والبنى التحتية) فكم أُهدر من المال في تغيير المطبوعات والشعارات والخطابات؟ والسؤال الذي يطرح نفسه: هل تتم تسمية الوزارات بما يتناسب مع مؤهلات الوزراء أم من المفروض أن يتم اختيار الوزراء بما يتناسب مع حجم المسؤولية بالوزارة المعنية؟ ليت لنا دستور يحدِّد ويثبت الأسماء! الأسئلة طرحها مهندس قديم كان حاضرًا ل (سمايات) الوزارة الأولى وقد طلب محدِّثي حجب اسمه لأسباب احتفظ بها. قليل من كثير وحسب العنكبوتية فقد احتفلت اليابان سنة (2000) بإزالة آخر إشارة ضوئية بها وإحلالها الكباري الطائرة والحلول المرورية الأخرى، بينما نحن نبني الأنفاق والجسور لنصنع فوقها أو تحتها إشارات ضوئية أخرى! وكأننا لم نصنع شيئًا لحل الأزمة المرورية إلا بنسبة ضئيلة، فحينما افتُتح نفق عفراء ظنّ من يمرون بذلك الشارع يوميًا أن أزمة المرور عند التقاطع ستنتهي إلا أننا فوجئنا بإشارات فوق النفق تعمل بصورة مهدرة للوقت والمال ومتلفة للأعصاب في انتظار الإشارة التي تفتح عينيها لبضع ثوانٍ ثم لا تلبث أن تغلقهما وقد ينتج عن ذلك حوادث في المكان الحرج نتيجة لمحاولة السائقين الضغط على (الأبنص) حتى آخره قبل أن يتطاير الشرر من العين الثالثة للإشارة التي تقبع على مرمى حجر من وزارة التخطيط وكأنها تمدّ لسانها نكاية بمن يقومون ب (التخطيط) داخلها متهمة إياهم بالفشل، أما كبري السوق المركزي فقد اعتقدنا في مخيلتنا المحدودة أن الإشارة لن تكون لها مساحة فيه إلى إلا أننا فوجئنا بغابة من الإشارات الضوئية المعقّدة التي يصعب معها على السائق إدراك أي الاتجاهات يسلك بالسرعة المطلوبة قبل أن تنطلق (كلكسات) من ينتظرون خلفه لاستعجاله على السير.. وقد لاحظ بعضهم أن كبري السوق المركزي يبدأ بمنحنيات وينتهي بمنحنيات ثم ينحرف شرقًا مخالفًا بذلك المعيار الهندسي الخط المستقيم فتساءل: (اللولوة دي لي شنو؟) فأجابه ظريف يجلس بجواره: ( كانوا فريشة فارشين بجنباتو قامو زحو ليهم الكبري عشان ما يضايقهم)!! إشارة لأن المعنيين أصبحوا أقوى من القانون.. هذا بخلاف ضيق المسارات بالنفق تحت الكبري وصعوبة الدوران بأسفله نظراً لكثرة الأعمدة وضيق المسافات بينها وكأن مهندسينا لم يسافروا إلى دبي أو الرياض أو كوالالمبور ليشاهدوا عظمة الإبداع الهندسي في فن صناعة الكباري حسب خبير في المجال الهندسي تحدَّث ل (الإنتباهة) وهو يقصد الكباري المقامة على أعمدة وليست تلكم العبّارات ببلادنا المقامة على ردميات وحوائط جانبية عُزلت بين جانبيه كسد يأجوج ومأجوج! وتساءل محدّثي: (أما عَلِم مهندسونا أن ترك فراغات تحت الكباري أفضل حالاً من جعلها ردميات؛ لأنها تساعد في فك الازدحام المروري؟ ولو تخيَّل القارئ الكريم معي كبري المك نمر مقاماً على أعمدة حتى نهايته مع شارع الجامعة، أليس من الممكن أن يتم تحويل شارع الجامعة في ساعات الذروة للكبري إلى الدوران بأسفل الكبري وهو ما يسمى (U-Turn) في معايير الهندسة والمرور؟؟) من أين للدولة أن تستجلب أموالاً طائلة لتُعالج مشكلة المشروع بمشروع آخر كنفق أو «كبري آخر»، بدلاً من أن تُعالج مشكلات مرورية أخرى؟ لماذا نهدر أموالنا في مشروعات لا طائل منها سوى تعقيد الأزمة المرورية «كبصات» الولاية التي أصبحت هي الأخرى تريد حلاً لأزمتها بدلاً من أن تحلّ أزمة المواصلات.. وقد شاهدت أحد «البصات» وقد غادره سائقه عند مدخل كبري الحرية من الناحية الشمالية قرب (الصينية) فأغلق الطريق على من خلفه وجعل ركابه ينتظرون فصرخ جاري ساخطًا وقد اختلط صوته بصوت (الكلكسات) المزعجة: (دا بص ولّا والي؟). صورة مقلوبة! وإذا تحولنا لإدارة المباني التي تُراجع وتصدِّق على الخرط والتصاميم للمباني المراد تنفيذها نجد أن بعض المراجعين لتلك التصاميم من المهندسين حديثي التخرّج من منسوبي الخدمة الوطنية، في حين أن بعض الخرط تأتي من استشاريين أفذاذ حسب مصدر من داخل الإدارة إذن من يراجع من؟؟؟ لذلك لا عجب أن تجد ذلك الكمّ الهائل في مخالفات المباني القائمة أو تحت التشييد؛ لأن المخالفات في أصل الإدارات الحكومية التي نتجت عن الخلل الإداري فيها! فهل استغل المهندسون والقائمون بالأمر جهالة المواطنين وعدم درايتهم الكافية بأصول الهندسة ومبادئها وكأنهم أعلم الناس بالبلاد؟ السؤال طرحه مصدرنا من داخل الإدارة الذي قارن بين عناصر الإدارة الحاليين ومهندسينا بالخارج ممن شاهدوا دول الخليج الذين لو عادوا ورأوا تخبّطات القطاع الهندسي لوجدوا أن الأمر برمته لا يعدو أن يكون هزلاً في هزل، وتساءل: من يحاسب أشباه المهندسين أولئك؟.