موقف لطيف حدث لأحد الاخوة الصحافيين العرب خلال زيارتنا للولايات المتحدة في واشنطن عندما كان في حاجة للاتصال باسرته في الشرق الاوسط، ولم تكن لديه نقود معدنية للاتصال من الهاتف العمومي، عندها طلب من احد الامريكان المارة في الشارع العام تغيير ماله مقابل ال«فكة» لان صديقنا العربي كان يمتلك أوراقاً مالية كبيرة، لكن الأمريكي قام بموقف مغاير للطبيعة العالمية المعروفة عن الامريكان، حيث قام بإعطاء صديقنا العربي هاتفه السيار الشخصي لكي يجري به اتصاله الدولي، وهو كما نعلم مكلف لدرجة أن الحساب يبدأ من الجرس الاول للاتصال. ورغم سماحة الموقف.. وعكس تلك الطبيعة الودودة الامريكية التى تبدو في شكلها الكريم والنبيل، هم مواطنو مدينة نيويورك العاصمة الدولية للعالم لاحتضانها الأممالمتحدة او التفاحة الكبيرة كما يطلق عليها بسبب تكوينها الجغرافي، فالمدينة المجنونة او «النيوركر» كما يطلق مواطنو الولاياتالامريكية الاخرى على سكان نيويورك، هم عبارة عن مواطنين يتعاملون بسرعة فائقة بصورة تغلب عليها «الهواجة» لكن ذلك ربما يرجع لسمعة تجارة السلاح واخرى غير مشروعة للمافيات الصينية والايطالية والروسية وغيرها.. لكن رغم ذلك تظل نيويورك هي مدينة 11سبتمبر المعروفة ومستودع أسواق المال العالمي، بخلاف أنها تستظل بتمثال الحرية المشهور، وخلال السطور القادمة سنبحر في الحلقة الثالثة والأخيرة من رحلتنا للولايات المتحدةالامريكية. الرعب في نيويورك سمعة مدينة نيويورك التى وجدناها عند حديثنا مع أي امريكي في الولايات الاخرى لم تكن حميدة، والكل كان يخبرنا بأنه علينا استخدام الحذر المفرط لمقابلة المدينة التى سنمكث فيها لايام ضمن الزيارة، وعدم خروج أي فرد من المجموعة لوحده، واذ التقى بلص فعليه أن يقدم اليه ما يحمله حتى لا يتعرض للأذى من تلك العصابات التى تملأ الشوراع، وزاد من خشيتنا ان المعلومات التى تزودنا بها تقول إن عدد افراد شرطة مدينة نيوريوك فقط اكبر من الجيش الكندي بكافة فروعه الجوية والبحرية والبرية، وسكان المدينة اكثر من «20» مليون نسمة بخلاف الواصلين يومياً او العابرين لاتجاهات مختلفة، وكل ذلك بخلاف اننا عرب ومسلمون، ومعروف الاضطهاد الذي مارسه بعض الامريكان ضد تلك الاقلية المسلمة والعربية بعد اعلان امريكا الحرب على الارهاب عام 2001م، وكل ذلك جعلنا نشعر أننا مستهدفين، وانه يمكن ان يقوم احدهم باطلاق قذيفة «آر. بي. جي» ونحن في السيارة التى تقلنا، وعند وصولنا الى مطار جون كيندي كانت مخاوفنا في ازدياد مستمر، خاصة أن الرئيس الامريكي الذي أطلق اسمه على المطار معروف لدرجة ان كل سكان البسيطة يكادون لا يعرفون كل الرؤساء الامريكان، لكن جون كيندي وحادثة اغتياله من قبل احد مواطنى بلده تراكمت علينا، وجعلتنا نبحث عن طريق الخلاص من تلك المدينة بأية صورة، المهم أن رحلتنا من ولاية فلوريدا الى نيويورك استغرقت حوالى ساعتين ونصف الساعة عبر خطوط «امريكان آير لاينز»، وعلى عكس زيارتنا السابقة ظل كل افراد المجموعة مع بعضهم البعض على غير العادة، لأننا في أي مطار امريكي كنا نعمل على استكشافه لوحدنا لكن في الاخير، ظلت الهواجس تنتابنا بين الفينة والاخرى حتى اتمامنا اجراءاتنا واستلمنا حقائبنا، وخرجنا من المطار، وحتى تلك اللحظة لم نحاول حتى الحديث او المداعبة مع الامريكان كعادة السياح العرب، بل التزمنا الصمت حتى وصولنا الى فندق «دبل تري» الذي يقع بالقرب من ميدان «تايم سكوير» الشهير، وكان ذلك يومنا الأول بعاصمة العالم نيويورك. من الشك لليقين كانت رحلتنا من الشك لليقين بأن نيويورك ليست كما يقول عنها اهل الولاياتالمتحدة الاخرى بانها مدنية عشوائية قائمة على الفوضى، وانما بسبب الازدحام البشري الذي لم لا يتسطيع الامريكان التحكم فيه، لذا يبدو انها مدينة مغايرة ومخالفة للولايات الأمريكية الأخرى، لكن الاصل فيها قائم على الطبيعة الاصلية للانسان الذي لم يتكيف مع عولمة الجمهورية الامريكية ونمط البلاد السائد. وعقب تفهمنا لذلك ، انطلقنا نجوب شوارع تلك المدينة وفق الخريطة التى كانت معنا، ولم ندخر جهداً في استشكاف العالم الذي اكتشفه كولمبوس للعالم، وادى لنهضتها الحالية، أما الإسلام بتلك المدينة فإنه ينمو بصورة كبيرة، حيث تبلغ مساجد المدينة «250» مسجداً يسلم فيها عقب صلاة الجمعة من كل أسبوع «4» أشخاص على الأقل، كما أن 80% من سائقي التاكسي بتلك المدينة و85% من اصحاب البقالات من المسلمين، ولعل تلك المدينة خلال هذه الالفية سوف ستصبح مدينة نيويورك الاسلامية اذا تواصل النهج الحالي. مع صحيفة وول ستريت جورنال في صباح اليوم الثاني توجهنا الى صحيفة «وول ستريت جورنال» الشهيرة عالمياً لتخصصها في السياسية الاقتصادية العالمية، ولها طبعاتها الانجليزية التي تغطي امريكا وآسيا واوربا والهند، بالاضافة الى ان الصحيفة تطبع بلغات مختلفة هي الصينية واليابانية والبرتغالية والاسبانية والهولندية، والصحيفة مملوكة للمياردير اليهودي روبرت ماردوخ، هذا بجانب انها تطبع في الولاياتالامريكية حوالى مليونين و100 الف نسخة ورقية، ولعل السبب في أن الصحيفة الاولى في امريكا تطبع هذا القدر الضئيل بالمقارنة بالسكان، هو ان الامريكيين يعتمدون في مطالعة الصحف على الانترنت أكثر من النسخ الورقية، حيث نجد أن المشتركين على موقع الصحيفة في الانترنت 93 مليون. وبداخل الصحيفة التقينا برئيس الشؤون الدولية بيت ستيفن الذي تحدث عن سياسية بلاده الخارجية باسهاب، لكن المجموعة لم ترحمه من الاسئلة خاصة في ما يتعلق بعلاقة اليهودي مردوخ صاحب الصحيفة بالسياسات التحريرية لها التي أنكرها. وعندى سؤالى له بشأن كيف قاموا بتغطية فضحية مردوخ في لندن الشهيرة بفضيحة التصنت وهو مالك صحيفتهم، فقال انهم قاموا بالتغطية الصحيفة بمهنية، وتحدث الصحافي الامريكي وقال إن ميزة امريكا ان الدماء الجديدة تدخلها كل يوم، بمعنى ان امريكا قائمة على المهاجرين الجدد الذين يعلمون لاثبات انفسهم ودعم ذويهم بدول العالم، لذا فإن امريكا تستبدل هؤلاء بالذين بدأوا يتكاسلون، والآخرون هم من تدفع بهم امريكا للحروب، وفي ما يتعلق بشأن القضية الفلسطينية وقال له زميلنا الفلسطيني جميل من وكالة الانباء الفلسطينية: هل تعتقد ان تغطية الصحيفة كانت عادلة للقضية الفلسطينية؟ فلم يجب، فواصل زميلنا حديثه ساخراً للصحافي الامريكي بأن القدس وصلت مرحلة أنه حتى «إذا نزل المسيح فإن الاحتلال اليهودي لن يسمح بدخوله»، عندها اعتذر الصحافي الامريكي لارتباطه بموعد آخر بحسب حديثه وغادرنا، بعد أن أوصلنا الصوت العربي الاسلامي داخل صحيفة اليهودي مردوخ. علم السودان في «روك سنتر» شامخاً كعادته عثرت «الإنتباهة» على علم السودان في ال «روك سنتر» وهو مركز في وسط نيويورك عبارة عن مسرح للتزلج وعلى اطرافه اعلام دول العالم كافة بالاضافة لتمثال مستوحى من الأساطير اليونانية مطلى بلون الذهب، وهو يمثل تيتان بروميثيوس الذي تزعم الاساطير اليونانية انه جلب النار للبشرية، ونيويورك التى يجب ان نعرفها مقسمة لخمس مقاطعات هي مانهاتن وبرونكس وبروكلين وكوينز وستاتن آيلاند، ولعل مساحة المقاطعة الواحدة تبلغ مساحة ولاية الخرطوم، وبها شارع مشهور يدعى شارع برودواي الذي حضرنا فيه مسرحية «ليون كينغ» بمسرح البردواي الأخاذ. باستديوهات قناة (NBC) في ظهر ذات اليوم انتقلنا إلى مبنى شبكة (NBC) الأمريكية الشهيرة بمركز روكفلر، وتلك الشبكة تملك حوالى «41» قناة فضائية مختلفة سياسية واجتماعية واقتصادية وجزء منها مخصص للأطفال والأخبار والرياضة ومجالات اخرى عديدة، وتعرفنا على استديوهات البث المباشر والشبكات التى تربط مجموعة القنوات والديسك المركزي لكافة الأخبار، بالاضافة للتنسيق المحكم لتلك القنوات في وقت واحد مع بث واحد، وهو عمل يثير الانتباه للدقة المحكمة والتكنلوجيا المتقدمة، وعند انتهاء الجولة غادرنا لفندق. زيارة الأممالمتحدة في اليوم التالي كان برنامجنا في الاممالمتحدة، حيث زرنا مبنى الأممالمتحدة، والتقينا بالسيد كريس كينغ مسؤول برنامج نيويورك من البعثة الامريكية الدبلوماسية بالاممالمتحدة، وعند مدخل مبنى الأممالمتحدة وجدنا معرضاً لليهود يصور مزاعم مذبحتهم الهولوكست، فعندها سألت المسؤول بالاممالمتحدة هل هذا المعرض مسموح به لكل الدول، فأكد لي لو أن السودان أراد أن يقيم معرضاً له يمكنه فعل ذلك عبر طلب لوزارة الخارجية من بعثة السودان بالإمم المتحدة. والسؤال الذي يتبادر هنا، لماذا لم تقم وزارة الخارجية السودانية معرضاً مجانا يشاهده كل سفراء العالم يؤكد عمل البلاد في حل قضية دارفور، وكيف انه في معسكرات النازحين بدارفور أو النيل الازرق وجنوب كردفان استطاعت منظمات المجتمع المدنى السودانى تحقيق الاكتفاء لهم، وانهم عادوا لحياتهم الطبيعية، وليس كما تصور بعض وسائل الاعلام المختلفة، وشملت الجولة حضور مؤتمر صحفي بقاعة الاعلام بالمبنى، وقمنا بجولة على أروقة الأممالمتحدة بما فيها قاعتا مجلس الأمن والجمعية العامة، حيث وقفت على مقعد السودان الذي يحمل نفحات الخرطوم وكانه صنع باحد اسواق الخشب بأم درمان. جامعة كولومبيا الشهيرة وظهر ذات اليوم توجهنا عقب الجولة بالاممالمتحدة الى جامعة كولومبيا، وهي الجامعة التى تخرج فيها الرئيس الامريكي باراك أوباما، حيث وقفنا عند كلية الصحافة، حيث التقينا بعميد الطلبة بمدرسة الدراسات العليا جامعة كولومبيا السيد سري سرينيفاسان وهو من أصول هندية، وتحدثنا عن العمل الصحفي بشكل عام، وعن تغطية الإعلام الامريكي لمنطقة الشرق الاوسط بشكل خاص، واعترف العديد من طلاب الصحافة بأنهم لا يسمعون أخبار منطقة الشرق الأوسط إلا عبر قناة الجزيرة الانجليزية، وهنا يجب على السودان القيام بترجمة أعماله الصحفية حتى يستطيع اختراق الرأي العام الامريكي. جولة سودانية في مساء اليوم الاخير لنا في مدينة نيويورك قمت بجولة على السودانيين بتلك المنطقة، وعلمنا بوجود بعض المشكلات التى تواجه السودانيين المقيمين هناك، أولها ان البعثة الدبلوماسية ليست لديها احصائية تحدد عدد السودانيين بالولاياتالمتحدة ولا حتى بصورة تقريبية، وعلمنا انهم لو طلبوا تلك الاحصائية من دائرة الهجرة بامريكا فإنها سترفض، لكن المشكلة ان وزارة الخارجية لم تسع لذلك بصورة جادة، وعلمت «الإنتباهة» أن ابناء محمود محمد طه يعملون ضمن الجيش الامريكي بالعراق، وانهم مقيمون بولاية إيوا الامريكية، وأغلب بقايا الحزب الجمهوري السوداني بولاية كولورادو . أخيراً.. مغادرة نيويورك إلى امستردام وفي صباح الجمعة اتجهنا الى مركز الدولي الذي يرعى برنامجنا، واستلمنا هنالك شهادات بنهاية الرحلة، واتجهت عقب ذلك الى مطار جون كنيدي لكي أسافر إلى مدينة امستردام بهولندا، ثم الى مطار الخرطوم، في رحلة تستغرق أكثر من «20» ساعة من الطيران، من مدينة نيويورك إلى مقرن النيلين.