تعيش مدينة الأبيض بشمال كردفان هذه الأيام أزمة مياه خانقة حيث بلغ سعر برميل المياه ثمانية عشر جنيهاً سودانياً، بينما يقول وزير الكهرباء والموارد المائية بالولاية خالد معروف إن حكومة الولاية تدفع يومياً «15» مليون جنيه بالقديم إلى إدارة الكهرباء كي تشرب مدينة الأبيض!!. الأهالي يقولون إن عطلاً قد أصاب مشروع مياه حوض بارا وهو الذي أدى إلى شح المياه بالمدينة، ما ذكرته هو حال مدينة الأبيض عاصمة الولاية ونحن في بداية الصيف فما بالك عزيزنا القارئ بالريف الذي به أصلاً مناطق صخور أساسية توجد فيها المياه بأعماق بعيدة هي في الأصل غارقة في وحل المعاناة منذ التاريخ رغم أنها هي الأعلى إنتاجية للثروة الحيوانية التي تمثل ضلعًا هامًا للاقتصاد الوطني.. في خضم الأزمة ينشط الحديث في الدوائر الرسمية والشعبية عن مشروع نقل المياه من النيل الأبيض وهو حلم أهل كردفان.. حيث انعقد الاجتماع الأول للجنة المشتركة لولايتي النيل الأبيض وشمال كردفان لتنفيذ مشروع المياه من النيل الأبيض للولايتين باعتبار أنه يتضمن محليتي كوستي وتندلتي وأريافهما، وحديث مطول قد دار في هذا الشأن، البروفيسور صديق عيسى قدم ورقة مختصرة عن دراسة المشروع الذي أعدّته الدار الاستشارية لجامعة الخرطوم بتفاصيله المختلفة بما في ذلك الجدوى الاقتصادية وهو مشروع لسقي الإنسان والحيوان، لمستُ إرادة وعزيمة لتنفيذ المشروع الحُلم الذي لا يمكن مناقشته في الوقت الراهن لولا وصول كهرباء سد مروي على حد قول خالد معروف لأن فاتورة الكهرباء العالية كانت وحدها يمكن أن تهزم المشروع!!. ممثل شركة هاربورت الصينية وهي التي تقدمت لتنفيذ المشروع بنظام «البوت سيستم» كانوا أكثر صراحة ووضوحاً حين بثوا مخاوفهم بعد أن عرضوا إمكاناتهم ومسيرة شركتهم في تنفيذ مثل هذه المشروعات، فهم طلبوا دراسات فنية واضحة وضمانات أكبر من خلال ورقة إطارية تمكنهم من استرداد حقوقهم دون عناء أو مواجهة مع المواطنين. الجميع كان يغالب خوفه إلا هاشم ميرغني مفوض الاستثمار كان يتحدث بنبرة يغلب عليها التفاؤل من خلال ردوده ودفوعاته، إنني أكثر خوفاً من طرح المشروع بنظام «البوت» وهو نظام رغم شيوعه في العالم إلا أنه في السودان غير متعارف عليه ولا يوجد له قانون، بجانب ذلك لا يمكن تمويل مشروع مياه بهذه الأهمية والضرورة بنظام «البوت» وهو طريق غير آمن لتنفيذ المشروع وربما مغشوش ويرفع من درجة الخوف من طول أمد المشروع!!. هل الماء خدمة تقدَّم للمواطن أم أنها سلعة تعرض للاستثمار والتكسب المادي؟؟!. مسؤول الاستثمار بشمال كردفان هاشم ميرغني يحدثني في مغالطة بأنها أصبحت سلعة مثلها وخدمات الاتصالات، قالها بأسلوب الترويج وحال من يريد إقناع المستثمر بأي وسيلة حتى لو كان ماء الشرب الذي هو حق إنساني نصت عليه قوانين الأممالمتحدة، ففي العام 2003م أكدت لجنة الأممالمتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أن الحصول على كميات كافية من الماء للاستخدام الشخصي والمنزلي حق أساسي من حقوق الإنسان مكفول للجميع من أجل حياة تليق بكرامة الإنسان!!. تجربة التمويل بنظام «البوت» نظام جديد ولم يقنَّن له بقانون أو لائحة وهو محل جدل، أما محاولات هاشم ميرغني لإقناع الجميع بنجاح التجربة وتحويل «الماء» لأغراض الشرب إلى سلعة تجارية وخصخصتها هذا حديث يعرفه هو ضمن نبوءات المسوِّقين وما يخترعونه من جدليات ترويجية تبدو أحياناً منطقية لدرجة يصدقها الشخص المروِّج لها، من الأهمية بمكان أن يستخدم الجميع أساليب جاذبة وناجحة تقنع المستثمرين، لكن تبقى الضرورة أن نزيل كل عناصر الخوف بإحكام الضمانات بما يدعم عناصر النجاح وأظن أن الأخ حافظ محمود وزير مالية شمال كردفان والباشمهندس خالد معروف يوافقاني على ذلك من حيث الموضوعية والشفافية المقنعة.. بنك التنمية والاستيراد الصيني لا أظن أنه يموِّل مشروعًا بالسهولة التي يتحدث بها هاشم ميرغني خاصة أن المشروع تكلفته عالية جداً بلغت «60» مليون دولار في مرحلته الأولية وربما تزيد. لأهمية المشروع وحاجة البلاد له لماذا لا يفكر الجميع في البحث عن تمويله عن طريق القروض طالما أن الإرادة السياسية قد توفرت لسد مروي وتعلية الروصيرص وأعالي عطبرة وستيت، هذه كلها مشروعات طموحة تم تمويلها بنظام القروض، هنا نستصرخ الشيخ علي عثمان محمد طه النائب الأول لرئيس الجمهورية وهو الممسك بملفات كبيرة للنهضة بالبلاد أن يضيف لها هذا المشروع الكبير الذي يغطي مساحات إنتاجية كبيرة في النيل الأبيض وكردفان تبدأ من الفششوية والاندراية شمالاً حتى أم دم وجبرة الشيخ وسودري ووسطاً تندلتي والأبيض والمزروب حتى عيال بخيت والنهود في غرب شمال كردفان، مشروع بهذا الامتداد والحيوية جدير بالنظر وسبق أن قام سفير السودان بهولندا الدكتور سراج الدين حامد بإيجاد تمويل وسمعنا حديثًا كثيفًا لكن سرعان ما خمد بدون معرفة الأسباب وبعده حديث من الدوحة عن إيجاد تمويل ثم خمد دون معرفة النتائج، الأخ السفير سراج الدين هذه الأيام موجود بيننا وربما وصل مدينة الأبيض نريد معرفة ما تم بشأن هذا المشروع الذي أصبح دائرة اهتمام الريف والحضر لسد الفجوة في المياه واستقرار الإنتاج!!. حديث مضحك للأخ «هاشم ميرغني» يقول في اتجاه ضمانان المشروع إن الولاية تشتري من الشركة الصينية ماء بدفع مقدم والصينيون مهمتهم إيصال الماء إلى بوابات المدن والقرى وتركيب عداد دفع مقدم، أما دخول الماء للمنازل فهو مهمة الولاية فهم أيضاً سيقومون بتركيب عداد دفع مقدم في المنازل لجهة ضمان سداد الفاتورة والوفاء للصينيين، كلام عجيب خاصة إذا تأملنا في طبيعة الشعب السوداني في تعامله مع فاتورة المياه ووضعه الاجتماعي والمادي.. عزيزنا القارئ فكر معنا في مشروع طموح بهذا الحجم هل يمكن تنفيذه بهذا السلوك والأسلوب، ننتظر الردود؟؟!.