لايزال المؤتمران «الوطني والشعبي» منذ المفاصلة الشهيرة في «1999» في حالة كرّ وفرّ، تلوح من بين ثناياه بارقة أمل في التئام الصف بين الفينة والأخرى دون أن تُفضي لشيء يُذكر.. أحدث هذه المبادرات تلك التي كشف عنها رئيس اللجنة المكلفة بها والقيادي بالوطني عباس الخضر في مؤتمر صحفي أول أمس، تهدف لرأب الصدع بين الحزبين ودمجهما في حزب واحد عبر أحد عشر بندًا، وتتخذ من الأهداف الإستراتيجية للطرفين درعًا يخفِّف من حدّة سنوات العداء التي تجاوزت عقدًا من الزمان. المتابع لعلاقة المؤتمرَين عقب المفاصلة يجدها مرت بالعديد من المطبّات المعقّدة منها اتهام الوطني للشعبي بتدبير ما سمّاه بالعملية التخريبية التي سُجن على إثرها مجموعة من قيادات الأخير، وهناك الاعتقالات المتكررة للأمين العام للشعبي د. حسن الترابي فضلاً عن الاعتقال الأخير للقيادي البارز إبراهيم السنوسي على إثر ضبط أوراق بحوزته تناقش مسألة الانقلاب على النظام الحاكم وفقًا لجهاز الأمن، في المقابل هناك تصريحات الترابي التي دعا فيها رئيس الجمهورية إلى تسليم نفسه للجنائية الدولية علاوة على دعوته المتواترة لإسقاط النظام. وبالرغم من هذه الوقائع ثمة أشواق وآمال لبعض الإسلاميين هنا وهناك ربما تدعمها الاشتراطات القاسية التي تواجهها البلاد من قبل المجتمع الدولي والحرب الدائرة في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان والتي تدعمها دولة الجنوب بحسب الحكومة، وهناك الحركات المسلحة التي انضوت تحت لواء الحركة الشعبية بالشمال باسم الجبهة الثورية، ولطالما اتهم الوطني نظيره الشعبي بأنه يقف وراء الفصيل الأقوى منها ألا وهو العدل والمساواة حتى إن هجومها على أم درمان في مايو «2010» كان سببًا لاعتقال الترابي وقتها، بالإضافة لذلك فإن المفاصلة خصمت من الرصيد العالمي للحركة الإسلامية باعتبارها رائدة في تجربة الوصول للحكم، هذه التداعيات في إجمالها لو أفضت إلى أن يعيد الإسلاميون حساباتهم في مواقفهم التي هم عليها اليوم لاختلفت حيثيات الوقائع على الأرض وفي مقدمتها أزمة دارفور التي نُسب للترابي قوله فيها إنه يستطيع حلها في ساعتين، ولو صدقت هذه المقولة فإن وحدة المؤتمرَين ستشكل ضربة قاصمة لتحالف الجبهة الثورية وللمعارضة التي تدعو لإسقاط النظام. وفي الوقت الذي يتفاءل فيه مرسلو المبادرة للحد الذي دفعهم لعدم استبعاد لقاء البشير والترابي حال مضت المبادرة لنهاياتها أطلق نائب رئيس الوطني نافع علي رصاصة الرحمة على أي أمل في وحدة إخوة الأمس في تصريحاته له: «ليس هناك أي حوار مع مؤسسة المؤتمر الشعبي العليا» ونفى وجود جدوى لذلك قاصرًا الأمر على الحوارات الخاصة، وفي ذات السياق يُذكر أن آخر تقارب بين الطرفين كان مارس «2006» ولكنه لم يكتمل بسبب تصريحات الترابي لقناة «العربية» بأن حكومة الخرطوم مسؤولة عن محاولة اغتيال الرئيس المصري مبارك، بعدها خرج نافع وصرح بأن لا حوار مع الشعبي، وبينما تتباين تصريحات الوطنيين حول الحوار مع الشعبي نفى القيادي بالشعبي المهندس آدم الطاهر حمدون وصول أي مبادرة وحدة مع الوطني لحزبهم، مضيفًا أنه سمع بها في الإعلام كالآخرين وعلق على المبادرة بقوله إنه مران داخل الوطني للاتفاق على الحوار مع حزبه فيما بينهم أولاً مبديًا ترحيبهم بأي عمل تنتهي مقاصده عند مصلحة البلاد العليا وفق استحقاقات فصّلها في الاتفاق على الحريات العامة كقضية رئيسة وإطلاق سراح أعضاء وقيادات معتقلي الحزب السياسيين وإعادة صدور جريدة الحزب ومن ثم إدارة حوار مؤسسي بين الطرفين ليس لمصلحة الحزبين إنما لإنقاذ البلاد مما هي عليه الآن وذهب حمدون في حديثه ل «الإنتباهة» إلى وصف الحوارات التي يديرها الوطني مع أفراد الشعبي بأنها محاولات استرجاع تستخدم فيها الجزرة والعصا.. على كلٍّ يبقى أن مبادرات الحوار بين الفريقين مسرحها الولايات سواء في الخرطوم أو نهر النيل، أما المركز فهو في حالة اعتصام إلى حين إشعار آخر.