لا يسعني وأنا أدعو إلى المنهج الرباني على بصيرة إلا أن أتخذ رسول الله الراعي الهادي المعلم المربي صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة فلا أغضب لنفسي أبدًا وأتجاوز عما أصابني من أقلام بعض الإخوة كُتاب الأعمدة من رشاش كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم. ونحن كما يقول الشهيد سيد قطب: «لا ندعو الناس إلى الإسلام لننال منهم أجرًا ولا نريد علوًا في الأرض ولا فسادًا ولا نريد شيئًا خاصًا لأنفسنا إطلاقًا وحسابنا وأجرنا ليس على الناس إنما ندعو الناس لأننا نحبهم ونريد لهم الخير مهما آذونا لأن هذه هي طبيعة الداعية إلى الإسلام وهذه هي دوافعه» وإني أدعو الله تعالى مخلصًا أن يغفر لي ولمن أساء إليّ ويهديني وإياهم سواء الصراط. يرى بعض من كتب مستهجنًا تناولي لموضوع اتفاقية الحريات الأربع في خطبة الجمعة قائلين إن دور المسجد يجب أن يقتصر على تعميق القيم الروحية في حياة المسلمين وأداء الصلوات لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى مسجده قبل أن يبني بيته ومارس كرئيس أول دولة إسلامية نشاطه السياسي من داخل المسجد الذي هو المعبد والمدرسة والجامعة وقصر الرئاسة والحكم والوزارات والندوات ومقام لأهل الصفة من المهاجرين ودار ضيافة. إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأسوة الحسنة والقدوة الحميدة لنا جميعًا فيجب أن نعيد للمسجد رسالته الجامعة ليكون دارًا للعبادة ومقرًا للإدارة ومجلسًا لبسط الشورى وساحة لتلقي البيعة ودارًا للقضاء ومكانًا للإفتاء وميدانًا لإعداد المجاهدين في سبيل الله ومدرسة للعلم والدراسة ومكانًا لحل المشكلات الاجتماعية وإصلاح المجتمع، فالمسجد له رسالة اجتماعية هامة وسط الناس فهو مكان للتعارف والتناصح ونحن نؤمن أن منبر المسجد خير وسيلة لإثارة الحماسة الدينية وتعبئة الأمة ضد أي عدوان ومقر قيادة تبدأ منه التعبئة للحرب حين يجد الجد. وإن أنس لا أنسى ما حكاه لنا في حينه المجاهد الكبير رجل السويس حافظ سلامة أمدّ الله في عمره كيف أنه من داخل المسجد قاد المصلين قبل الغروب والإفطار في رمضان لصد جحافل اليهود بقيادة العتل الزنيم شارون وحال دون سقوط مدينة السويس بعد ثغرة «الدفرسوار» الشهيرة في حرب عام 1973 أوقف رتلاً من الدبابات ومنعها من الدخول للمدينة بالركع السجود الصوامين القوامين. المسجد هو أهم وسيلة إعلامية تنافح عن الإسلام قديمًا و حديثًا في زمن صارت وسائل الإعلام في إيدي أعداء الإسلام من اليهود والنصارى وخدمهم ومما يؤسف له غاية الأسف أن كثيرًا من مساجد المسلمين انحسرت رسالتها حتى أصبحت أماكن للعبادة والصلاة فقط وفقدت بذلك الكثير من الخصائص والوظائف التي قامت بها في صدر الإسلام ونحن نريد أن نعيد هذه الخصائص والوظائف ليؤدي المسجد دوره في الحياة. إيمانا مني برسالة المسجد في الإسلام فقد تناولت في الخطبة عبقرية الرسول القائد و مهاراته في المفاوضات التي قادها منذ أن صدع بالدعوة إلى أن انتقل الى الرفيق الأعلى و كيف أنه واجه حربًا ضروسًا بمساومته في دينه. لقد قدم زعماء قريش إغراءات الملك والجاه والمال للنبي صلى الله عليه وسلم لكي يتنازل عن دعوته فكان كالطود الأشم في المفاوضات رافضًا كل عرض ينتقص من عقيدته ولو شيئًا طفيفًا و شعاره «لكم دينكم و لي دين» و عندما فاوض وفد قريش عمه وقدموا له إنذارًا نهائيًا لكف ابن أخيه عن دعوته أو الاستعداد للنزال حتى يهلك أحد الفريقين وأبلغ عمه أبو طالب ابن أخيه النبي صلى الله عليه وسلم قال مقالته الشهيرة التي لو كُتبت بماء الذهب وعلِّقت على باب الأممالمتحدة وأبواب منظمات حقوق الإنسان لكان أهلا لهًا «والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه». ثم ذكرت وقائع صلح الحديبية وكيف أن بعض حكام المسلمين وقّعوا على معاهدات كارثية وزين لهم علماء السلطان سوء أعمالهم واستشهدوا بصلح الحديبية.. فعلوا ذلك في اتفاقية كامب ديفيد التي أورثت المسلمين ذلاً و عارًا ومكنت لليهود في أرض المسلمين فلسطين و كرروا البهتان والزور في اتفاقية أوسلو وحذرت من اتباع نفس النهج مع هذه الاتفاقيات لأن جل الصحابة وعلى رأسهم عمر رضي الله عنه رفضوا الصلح لما رأوا جل الشروط مجحفة في حق المسلمين وقالوا بكل صراحة ووضوح للقائد المفاوض الرسول صلى الله عليه و سلم «ألسنا على الحق و عدونا على الباطل» قال: بلى قالوا فلم نعطي الدنية من ديننا قال: إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري . وقلت إن الصحابة الأجلاء في كثير من المواقف علمونا حق الاعتراض في أدب رفيع وخلق عظيم فإن كان هؤلاء الصحابة وفيهم من هو مبشر بالجنة يعترضون على قائدهم الذي يوحى إليه فلماذا يستكثر علينا بعض الإخوة حق الاعتراض على ما نراه مجحفًا في حقنا؟ أليس سلوك وأفعال قادة دولة الجنوب هي نفس أفعال اليهود الذين جُبلوا على نقض العهود والمواثيق مع رسول الله. أشهد الله ويشهد الأخ إدريس عبد القادر نفسه إنني لم أخوِّن المفاوضين في حديثي لا في دينهم ولا في وطنيتهم وكيف أفعل ذلك وهم إخوة لي ولكنني لا أثق بالمفاوضين من قادة الجنوب لأنني أعلم أنهم «صوت سيدهم» يرددون ما يُملى عليهم من اليهود والصليبيين بكرة وأصيلاً. و لعل الأخ إدريس يذكر عندما كان وفد العلماء مجتمعًا مع وفد حركة التمرد بقيادة جون قرنق طلبت من الأخ إدريس أن يدلني إلى «بيت الأدب» الحمام فطلب من جنوبي أن يرافقني فعندما خرجت ذهلت و تملكتني الدهشة وأنا أرى رجلاً أجنبيًا غريبًا فاره الطول ضخم الجثة يتجول في ردهات المبنى وأيقنت أن إخواننا لا يفاوضون جنوبيين وإنما دهاقنة اليهود والنصارى خلف الأسوار وأسررت لأخي شيخ الكاروري رحمه الله بذلك. ولذلك ذكرت في الخطبة أن نيفاشا كانت كارثة وأنه لا مجال بعد نيفاشا لمزيد من التنازلات والمساومات وإلا فإن الوجود الإسلامي سيهتز أساسه وربما ينهدم بنيانه. ألا فليسمع من كان له أذنان: إن لدولتنا الإسلامية الوليدة بعد الانفصال أهدافًا مرسومة نريد أن نبلغها بخطى ثابته بلا تعجل ولا حماسة متهورة. فلا مجال لبناء علاقاتنا مع الآخرين على عواطف عارضة سرعان ما تتبدد ولا على مصلحة متوهَّمة قلما تثبت. إننا نرفض طمس الخط الإسلامي الواضح باسم المصلحة أو المرونة أو سلام رخيص خير منه الحرب. إن هذا الأمر أمر دين وليس لنا من الأمر شيء بل الأمر كله لله من قبل ومن بعد مهمتنا تنحصر فقط في الولاء والوفاء والأداء وما علينا إلا أن نؤدي واجبنا ونفي بيعتنا ثم يكون ما يشاء الله أن يكون والنصر مع الصبر.