بالفيزياء والرياضيات والقياسات العقلية، الجيش السوداني أسطورة عسكرية    دبابيس ودالشريف    مناوي ل "المحقق": الفاشر ستكون مقبرة للدعم السريع وشرعنا في الجهود العسكرية لإزالة الحصار عنها    أسامة عبد الماجد: مُفضِّل في روسيا.. (10) ملاحظات    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    مجلس الأمن يعبر عن قلقله إزاء هجوم وشيك في شمال دارفور    أهلي القرون مالوش حل    السودان..البرهان يصدر قراراً    محمد صلاح تشاجر مع كلوب .. ليفربول يتعادل مع وست هام    أزمة لبنان.. و«فائض» ميزان المدفوعات    السودان يطلب عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن الدولي لمناقشة العدوان الإماراتي    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا "أدروب" يوجه رسالة للسودانيين "الجنقو" الذين دخلوا مصر عن طريق التهريب (يا جماعة ما تعملوا العمائل البطالة دي وان شاء الله ترجعوا السودان)    شاهد بالفيديو.. قائد الدعم السريع بولاية الجزيرة أبو عاقلة كيكل يكشف تفاصيل مقتل شقيقه على يد صديقه المقرب ويؤكد: (نعلن عفونا عن القاتل لوجه الله تعالى)    محمد الطيب كبور يكتب: السيد المريخ سلام !!    حملات شعبية لمقاطعة السلع الغذائية في مصر.. هل تنجح في خفض الأسعار؟    استهداف مطار مروي والفرقة19 توضح    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    ب 4 نقاط.. ريال مدريد يلامس اللقب 36    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أحمد السقا ينفي انفصاله عن زوجته مها الصغير: حياتنا مستقرة ولا يمكن ننفصل    بايدن يؤكد استعداده لمناظرة ترامب    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أكاديمي سعودي: الداخلون في عقود الذمة لا ينطبق عليهم حديث «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب»
نشر في الراكوبة يوم 04 - 09 - 2010

اعتبر أكاديمي سعودي يعمل في تدريس أصول الدين بجامعة أم القرى في مكة المكرمة، الشريعة الإسلامية صالحة في تطبيقها لكل زمان ومكان، وليست ذات خصوصية بعهد النبوة دون الأزمنة والعهود الأخرى.
وجاء الشيخ الدكتور عبد العزيز بن أحمد الحميدي، الأستاذ المساعد بكلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى، للحديث عن بعض المعارضين الذين يأتون إلى مسألة التطبيقات ويعترضونها، معتبرين مسألة الولاء والبراء تتعارض مع تطبيقات تختص بالعقود التي تمنح إلى أهل الذمة، خاصة في بلاد جزيرة العرب، أي في السعودية.
ويستند الحميدي إلى كون الشريعة الإسلامية مقدمة للحلول لكل المستجدات ولكل الظواهر، بل إن قضايا الشريعة لا تتناقض ولا تتقابل بل تتكامل، إن أخذ بعين الاعتبار الحرص على عدم حدوث خطأ في الفهم الذي قد يؤثر على بعض المفاهيم، كما قال الشاعر: وكم من عائب قولا صحيحا/ وآفته من الفهم السقيم.
وقال الدكتور الحميدي الذي خرج للمرة الرابعة على التوالي على شاشة التلفزيون الرسمي السعودي، في برنامج هدف منه إيضاح بعض من المفاهيم المتشنجة، في حديثه: «مفهومنا أو مفهوم بعضنا لبعض القضايا، قد يكون مجتزأ، وقد يكون مختلا، وقد يكون ناقصا، فتفهم القضايا الكبرى بجانب دون جوانب أخرى، ولذلك أذكر أن الشافعي - رحمه الله - بين أن القضايا الكلية التي تتعلق بمصائر الأمة ومصالحها الكبار، لا يستقل نص واحد أو دليل واحد بتأسيسها وفروعها ونتائجها من كل جهة، فمن الخطأ أن تبنى القضية الكلية على دليل جزئي أو فرعي أو واقعة عين أو صغرة حال، دون النظر إلى بقية الاستثناءات وبقية المخصصات وبقية النصوص الأخرى، التي تؤصل لأحكام لا تقدح في الأصل ولا تلغيه، ولكنها تكمله وتبينه وتحقق المصلحة الكبرى للأمة في مجموعها».
وأكد الحميدي أن قضية الولاء والبراء من الأصول التي بنيت عليها قضايا الإسلام وعلاقات المسلمين، فأمور الذمة ليست أمورا اجتهادية، فقد ذكرها الفقهاء من عندهم، لتحقيق مصلحة وقتية نظروها، إنما هي أمور منصوص عليها ومارسها النبي - صلى الله علية وسلم - تطبيقا عمليا، ومارسها الخلفاء الراشدون، وأئمة المسلمين منذ زمن.
وأسهب في شرح أن ما يسمى بعقد الذمة، الذي عممه الشرع، وجعله حقا لكل مسلم يملك أن يعطي ذمته وعهده وتأمينه، فالذمة تعني تأمين المسلم لغير المسلم على دمه بالدرجة الأولى، وعلى ماله وعلى عرضه حال دخوله في بلاد المسلمين التي يحكمها المسلمون ويقيمون فيها، وهذا روعي فيه في الجانب الشرعي قضية المصالح الكبرى، لأن المسلمين يحتاجون في حكوماتهم وفي أفرادهم وتجاراتهم ومعاشهم والاتصال بالعالم والاتصال بالأمم الأخرى مسلمها وكافرها، بارها وفاجرها، إلى أن يأخذوا ما يرونه صالحا لهم، وما يقيم أمورهم وما يؤمن حدودهم وما يراعي مصالحهم التجارية والمالية.
وأضاف: «الله سبحانه شرع، وطبق النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمم هذا الحكم، فعقد الذمة لكل مسلم يستطيع أن يمنحه لكل كافر لتحقيق هذه المصالح الشخصية التي يراها كل مسلم على حدة في شخص نفسه في مصالحه الخاصة، أما إذا انتقلنا إلى مصالح الأمة الكبار كقضايا السلم مثلا والحرب والعلاقات الكبرى التي تتعلق عليها مصائر الشعوب ومصائر المجتمعات، فهذه لا يستقل بها أفراد من المسلمين بقدر ما يستقل بذمتهم الخاصة في تحقيق مصالحهم الخاصة، وإنما تحتاج وتتوقف على قرار الحاكم الشرعي وولي الأمر القائم على هذا المجتمع أو ذلك البلد أو تلك الدولة، بما يراه محققا لمصالح بلده مؤمنا لحدوده، مؤمنا لأفراده ورعاياه التابعين له ليأمنوا على أنفسهم حال تجولهم في الأرض وانطلاقهم لا بد من عقود مشتركة، ولا بد من عهود متبادلة، ولا بد من ذمم مرعية من الطرفين، وهذا ما يسمى بعقد الذمة، إذ لولاه لما تمكن المسلمون من أن يرحلوا هنا وهناك، ويضربوا في مناكب الأرض ويخالطوا غيرهم، فبالتالي في المصالح الكبرى في الإسلام أن يتعرف غير المسلمين على المسلمين من خلال معاملاتهم وأخلاقهم، والمقصود الأصلي بذلك حفظ دماء المسلمين وأعراضهم وممتلكاتهم، بعقد معاملة تقابلية، مقابل ما يحفظونه من مصالح الأمم الأخرى، حال دخولهم وتجولهم والقيام بمصالحهم التجارية في بلدان المسلمين، ولذلك فهذا هو السر كما نص عليه بعض الأئمة في تعميم هذا العقد، فالإمام البخاري - رحمه الله - في كتاب (الجهاد) - الذي أرى أنها حكمة بليغة من الإمام البخاري - لأن الجهاد بمفهومه المتبادر للذهن يعني القتال والحرب، وفيه نوع من التصادم ونوع من التقابل مع الأمم الأخرى، وفي أواخر كتابه ذكر أبواب الجزية والموادعة والمسالمة والمصالحة وعقود الذمة، ليبين أنها تحقق مصالح عظيمة مثل ما يحققه الجهاد، وربما في حالات كثيرة متنوعة أعظم وأكبر».
وتابع: «هناك أسباب مهمة جدا وراء نزول (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) التي يظن كثير من الناس أنها في فتح مكة، بل هي في صلح الحديبية نزلت والنبي - صلى الله عليه وسلم - راجع من الحديبية إلى المدينة، وقد صد عن البيت ولم يستطع الدخول لا هو ولا أصحابه، وكانوا محرمين، فأحلوا إحرامهم بالحديبية، وأرجع لهم أبا جندل لما جاء وهو مأسور معذب، فنزلت (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) فسماه الله فتحا في السورة نفسها، فالله - جل وعلا - يعلم ما لم تعلموا من المصالح الكبار، فجعل من دون ذلك فتحا قريبا، وهنا صحابي آخر اسمه سهل بن حنيف - رضي الله عنه - يقول وهو يخاطب الأتباع ويخاطب المسلمين: (اتهموا آراءكم على الدين والمصالح، اتهموا الرأي على الدين)».
ثم انتقل الشيخ الحميدي في حديثه خلال ظهوره للمرة الرابعة على التوالي في برنامج على شاشة التلفزيون السعودي، من مسألة عقد الذمة إلى مسألة الصلح، وهنا استطرد في مسألة المصلحة، لأن عقد الذمة مبني على المصلحة، كما أن الصلح مبني على المصلحة، لكن قد يقول قائل إن المصلحة التي قدرها النبي - صلى الله عليه وسلم - في عقد الذمة وكذلك في صلح الحديبية، هي جزء من الوحي، فقدرها النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن الله أوحى إليه بأن هذا الصلح سيكون نهايته - إن شاء الله تعالى - نصرة وعزة للمسلمين، لكن في أزمنتنا المتأخرة عندما نقول إن ولي الأمر هو الذي يقدر المصلحة، ثم تأتي جماعة وتقول نحن جماعة بحثنا الأمر وعرفنا، وجدنا أن المصلحة ليست فيما قاله ولي الأمر، فكيف تقدم المصلحة التي رآها ولي الأمر، وهو مفرد، على مصلحة رآها مجموعة؟ فهنالك من يقولون اسألوا أهل الثغور، فهم مجموعة من الشباب في الثغور رأوا المصلحة خلاف ما رآه ولي الأمر، فكيف نستطيع أن نقول إن المصلحة موجودة الآن في رأي ولي الأمر أو في رأيهم هم؟ فعندما كان يأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - البيعة من الناس كان يأخذها منهم له على أنه النبي المرسل الخاتم - عليه الصلاة والسلام.
ويضيف: «فهذه البيعة للنبي - صلى الله عليه وسلم - ليست منوطة ولا متعلقة بوجوده في حياة مستمرة إلى اليوم، نحن المسلمين جميعا عندما نقول أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، كل مسلم إلى قيام الساعة، يعقد بيعته وديانته وولاءه التام لرسول الله - عليه الصلاة والسلام - باعتباره رسول الله، فالواجب أن يطاع ولا يعصى، وأن يطاع فيما أمر ويجتنب ما نهى عنه وزجر، وألا يعبد الله إلا بما شرع، لكوننا آمنا به نبيا مرسلا، والجهة الأخرى وهي المهمة التي نعتبرها هي الأصل، والتي أنطلق منها لشرح القضية التي أشرت إليها، فتؤخذ على أنه هو الإمام الذي يأخذ البيعة من الناس، على أنه هو الإمام، هو القائد، هو الرائد، هو الزعيم، فيسلمون له بالطاعة، لأنه لا بد لكل تجمع بشري عضوي حركي له رأس يقوده كما قال الشاعر: لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم/ ولا سراة إذا جوها لهم سألوا. وهذا استمر بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - لكل من يلي الأمر بعده، ولذلك في تراجم البخاري في (الصحيح) وفي تراجم الشراح في (صحيح مسلم) وفي تراجم الترمذي في كل أبواب الإمارة والخلافة التي يعقدها وجميع الفقهاء، يأتون إلى مثل هذه الأحاديث كصلح الحديبية، فيكون باب تقدير الإمام للمصلحة في مصالحته الكفار ولا يقولون النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه ليس قضية مرحلية تتعلق بشخص ينصرم باعتباره ينفذ ما أوحاه الله إليه، وإنما هو يفرض ما أوحاه الله إليه ليكون منهجا وهديا وسنة بعده، وإلا فمن الممكن أن تصادر الشريعة كلها بمثل هذا المدخل، وقد يأتي يقول لنا شخص إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي لأنه رسول الله، نحن نريد أن نصلي بصلاة تخصنا أو نقدرها نحن، والآخر يقدر شيئا في باب الزكاة، والثالث يقدر شيئا في باب المحرمات الكبار، كما يقال الآن، فقد قرأت بعض الكتب التي يكتبها بعض الكتاب المتأثرين بأفكار مثل الشيوعية، وكذا يعتبرون كل ما أسسه النبي - صلى الله عليه وسلم - في الشرع قضية مرحلية خاصة بمرحلته الزمنية، أي غير صالحة لما بعده، كتحريم الربا، فمثلا يقول هي سياسة اقتصادية، وتحريم الزنى مثلا سياسة اجتماعية، فبالتالي تصادر الشريعة بمثل هذا المدخل، فما يفعله النبي - صلى الله عليه وسلم - في المصالح الكبار، فهو رسول الله، وهو المشرع وهو الإمام، وقالوا لذلك استند به الخلفاء الراشدون بعده في ذلك، فالمفهوم هنا على أنها منهج يتبع، فكما هو الحال في الذي كتب صلح الحديبية، فلما اشترط المشركون أن يمسح النبي اسمه بوصف الرسالة، قالوا لا تكتب محمد رسول الله، فلو كنا نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك، اكتب محمد بن عبد الله».
ويرى الدكتور عبد العزيز الحميدي أستاذ أصول الدين أن العقد في الذمة من القرارات المهمة التي تتعلق بمسألة الولاء والبراء، فهي مسائل دينية تنطلق من منطلقات شرعية، ومنطلقات متعلقة بأصول الفقه وعلم العقيدة وعلم مقارنة الأديان، وبشيء من العمق، ولي الأمر عندما يرى مصلحة معينة، فهو لا يراها من شخصه فقط، بل لديه مستشارون، فنحن لدينا مثلا الآن مجلس الشورى، وضع فيه كثير من أهل الاختصاص بالعلم الشرعي وهيئة كبار العلماء وهم من أهل العلم الشرعي المتعمقين فيه والمرضيين أيضا في المجتمع، فالمجتمع يثق في هؤلاء العلماء لعلمهم ولزهدهم ولورعهم وخوفهم من الله - عز وجل - وقد اتخذهم ولي الأمر لأعانته ومساعدته في البحث عن المصلحة وإظهارها بالمظهر الذي يميزها عن غيرها من مصالح الشريعة الإسلامية، التي تستوجب الموازنة ليس فقط بين المصالح والمفاسد، بل بين المفسدة وما هو أفسد منها والمصلحة وما هو أشد صلاحية ومصلحة، فهذا من الرشد والتوفيق، مع أن عقد البيعة للإمام يعطيه صلاحية أن يطاع أمره ويستقل بالمصالح الكبار وبالأمر، ما دام الأمر لم يأت بمعصية صريحة لله.
ويضيف: «العقلاء وأهل العلم كل في تخصصه سواء في مجالس الشورى، أو في لجان تدرس جوانب معينة وتعطيه رأيا ناضجا فيها وبالتالي يتبناه أو لا يتبناه، بحسب ما يراه هو أيضا باستقلاله واجتهاده ونظره في مصالح من يتبعه وما تحت ولايته وعقده ورعايته الذين أعطوه البيعة وثقتهم ليكون إماما عليهم، فالاستشارة هي من المصالح الكبار العظيمة، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - مع أنه هو المؤيد بالوحي، لكن كان يستشير، ولذلك يقول العلماء كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستشير في العقود التي فيها المصالح الكبرى للأمة باعتبار مقام إمامته وولايته، أما القضايا الدينية فلا يستشير فيها النبي، فهنا الأمر له علاقة بما يوحى إليه».
واستدل الحميدي بترجمة البخاري الذي قال في «كتاب الأحكام» في أواخر «صحيح البخاري»، لبيان حقوق ولي الأمر الذي انعقدت له البيعة على رعيته وحقوق الرعية عليه، ويستدل بأحاديث تتمحور حول البيعة من كذا باب، فأخذ الإمام البيعة من باب السمع والطاعة للأئمة إلى آخر باب، وأخذ باب استشارة الأئمة لأهل العلم والأمناء في الأمور الخاصة والعامة واستشارة أهل الفقه والأخذ برأيهم إذا رأوا ذلك، ثم ذكر بعض مواقف النبي - صلى الله عليه وسلم - في الاستشارة، وذكر بعض استشارة الصديق للصحابة، وفي بعض القضايا ذكر استشارة عمر بن الخطاب وذكر نص حديث عمر المشهور، وكان القراء، أي العلماء، أهل مشورة.
وبعد الحديث بإسهاب عن عقد الذمة، دخل الشيخ الدكتور الحميدي في الحديث عن مسألة إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، وأكد أنهم دخلوا بعقد ذمة، ولكن يدار كثيرا عن إخراجهم من جزيرة العرب لوضع جزيرة العرب وضعية خاصة، وإنها مأوى الإسلام، وإنها موطن الإسلام، ولكن هنالك بعض التطبيقات الشرعية حدثت مع الصحابة، الذين كان النص عندما نزل وهم موجودون في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - طبقوا تطبيقات، ربما الذي يسمع الأحاديث يرى أن هنا تطبيقات مخالفة، وبالتالي يسحب هذا الموضوع إلى واقعنا ويقول، وجود اليهود والنصارى في جزيرة العرب، في المملكة، هو مخالفة لحديث نبوي عن الرسول.
فالثابت في الصحيحين، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب»، لأنها هي التي تحدد مناط الحديث وأين مجاله، هؤلاء المستأمنون والمعاهدون الذين دخلوا مثلا إلى السعودية بعقود معينة تجارية أو طبية إلى آخره، وأعطاهم الإمام أو حتى غير الإمام من الذين استقدموا بعضهم لأعمال خاصة ذمتهم، فالحديث ليس في من دخل بعقود الذمة، الحديث في من كان موجودا مستقرا في الجزيرة من المشركين قبل ظهور الإسلام، وكان كل أهلها مشركين، كان كل أهلها مشركين قبل الإسلام وقبل أن يبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - وحتى نعرف كلمة الشافعي أن القضايا الكلية كل حديث فيها يؤسس جزئية معينة كهذا الحديث، لما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - وقام بدعوته العظيمة المباركة وأخذ العرب يسلمون شيئا فشيئا، شيئا فشيئا إلى أن غزا النبي غزوة تبوك في السنة التاسعة من الهجرة، وهي آخر غزوة غزاها النبي، حتى كما قال ابن سيد الناس في السيرة لم يعقد النبي بعد غزوة تبوك راية ولا جهز سرية إلا جيش أسامة الذي توفي النبي قبل أن ينفذ، فنفذه أبو بكر جهة بلاد الشام، فلما رجع - عليه الصلاة والسلام - من غزوة تبوك كان لا يزال في الجزيرة بعض القبائل وبعض الأفراد على شركهم الأول، وكانوا يحجون البيت على عادتهم في مواسم العرب قبل الإسلام، فكره، هكذا في الحديث، النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يحج في السنة التاسعة ويخالطه المشركون في حرم الله ومشاعره، فأوفد أبا بكر الصديق ليقيم للناس حجهم، وأوفده بالكلمات التالية، ومعه علي بن أبي طالب، بصدر سورة «براءة» في نبذ عهود المشركين الذين كانوا موجودين، وألا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان وأن من كان له مع النبي - صلى الله عليه وسلم - عهد فهو إلى مدته، ومن لم يكن له عهد فمدته 4 أشهر على قوله تعالى: «فسيحوا في الأرض أربعة أشهر»، فحج أبو بكر الصديق فبلغ هذا لبقايا المشركين من القبائل العربية، فنتج من ذلك أن وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم - كل من بقي مشركا في تلك السنة التي سميت سنة الوفود، فما بقيت قبيلة عربية في جزيرة العرب كلها إلا ووفدت على النبي وأسلمت، فحصل أنه انتفى خروج المشركين لا بالإخراج، ولكن بالإسلام، وقد أخرجه البخاري في «كتاب التفسير» في «الصحيح» عند تفسير هذه الآية «براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين. فسيحوا في الأرض أربعة أشهر».
فإخراج المشركين من جزيرة العرب هو كقوله تعالى «براءة من الله ورسوله» التي نزلت لبيان أن من بقي من المشركين لا عهد لهم، فهذه جزيرة الإسلام صارت للإسلام ولا يسود فيها إلا الإسلام، والله أراد أن تكون حكرا على الإسلام، ومعنى قوله «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب» هو لمن كان باقيا من المشركين، أما من ينفذ ويدخل بعد ذلك بعقود الذمم لمن استخلفه الله وولاه أمر المشاعر ومكة والبيت والجزيرة العربية، فهذا لا علاقة له بهذا الحديث، ولذلك قلنا كان المشركون موجودين بمختلف أديانهم في عهد الخلفاء الراشدين، فمعاملة النبي ليهود خيبر استمرت على أن يزرعوا خيبر، وهي بقرب المدينة، ونصف الثمر للنبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة، ونصف الثمر لهم واستمروا على عهد أبو بكر، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث الصلح مع يهود خيبر «نقركم ما أقركم الله» مفتوح ولم يطبق عليهم «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب»، لأنه أصبح بينهم وبين النبي عقد وعهد وميثاق، بشرط ألا يخونوا ولا يغدروا ويقوموا بهذه المصلحة الزراعية.
وعاد الحميدي وذكر قصة وفد نصارى نجران الذين قدموا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيهم السيد والعاقب، وكانوا ثلاثة عشر رجلا وناظرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في شأن المسيح - عليه السلام - ونزلت فيهم، كما يقول ابن القيم، ستون آية من صدر سورة آل عمران، وفيها الدعوة للمباهلة «تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم»، فلم يباهلوه، وعرفوا أنه نبي حق، وقال بعض منهم لا تباهلوه، فلو باهلتموه لهلكنا، فأعطاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عقدا، ونص العقد هذا موجود في رواية ابن سعد في «السير»، وكذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤمنهم على ممتلكاتهم وعلى مزارعهم في بلادهم، هناك في نجران، وعلى مدراسهم، وهو بيت عبادتهم، وعلى أمورهم. وتوفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا موضع الشاهد - وهم على حالهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.