تسربت بواكير الدعوة الإسلامية إلى الجزء الشمالي من سودان وادي النيل أو السودان الشرقي منذ أواسط القرن السابع الميلادي على يد التجار المسلمين والمهاجرين العرب وقد تدفقت هذه المؤثرات الإسلامية من ثلاثة طرق رئيسة أولها وأهمها من مصر عن طريق وادي النيل أو الصحراء الشرقية وثانيها من الحجاز عبر البحر الأحمر عن طريق موانئ باضع وعيزاب وسواكن وثالثها من المطرب عبر أواسط بلاد السودان، وقد أسهم التجار المسلمون أثناء توغلهم في مملكتي المقرة وعلوة المسيحيتين وبلاد البجة في الدعوة إلى الإسلام بالقدر الذي أسهم به رصفاؤهم ممن اشتغلوا بالتنقيب عن الذهب والزمرد بأرض المعادن، إلا أن دور هذه الفئة كان محدوداً إذا ما قورن بدور القبائل التي أخذت تتدفق نحو السودان منذ القرن التاسع الميلادي في هجرة سلمية بحثاً عن المرعى وهرباً من السيطرة المتزايدة للحكومات المركزية في مصر، وقد بلغت هذه الهجرة ذروتها عندما اشتركت بعض هذه القبائل العربية في الحملات العسكرية المملوكية ضد بلاد النوبة المسيحية كما تبعتها هجرات أخرى بعد اضمحلال نفوذ ملوك النوبة السياسي في أواسط القرن الرابع عشر، ونتيجة لتزايد النفوذ العربي الإسلامي صارت الأسرة المالكة مسلمة تجري في عروقها دماء عربية بعد أن كانت نوبية مسيحية، وقد اكتملت عناصر هذا الحدث الهام إثر استقرار بعض المجموعات العربية واختلاطها وتزاوجها مع العناصر المحلية، وبعد سقوط مملكة المقرة عم البلاد شيء من الفوضى وانقطعت صلتها بمصر ومن ثم لم نعد نعرف عن تاريخها شيئاً، وكان ذلك بداية لعهد مظلم لم تنقشع ظلمته إلا بعد قيام مملكة الفونج في أوائل القرن السادس عشر، حيث بدأت بعض الروايات الشفوية تؤرخ لسودان وادي النيل، ونتيجة لسقوط مملكة المقرة تصدع الحاجز الذي كان يحول دون دخول البدو عن طريق وادي النيل فكثرت هجراتهم منذ ذلك الحين وتدفقوا دون رقيب، كما عبر آخرون الصحراء الشرقية فوجدوا كثيراً من أبناء جلدتهم قد سبقوهم إليها ونشروا فيها بعض سمات الثقافة العربية الإسلامية فتركوها لهم وتابعوا مسيرتهم في أرض البطانة والجزيرة ثم عبروا النيل إلى كردفان ودارفور حيث التقوا هناك بمجموعات عربية أخرى كانت قد اتبعت الشاطئ الغربي للنيل ثم وادي المقدم ووادي الملك، واستقر هؤلاء المهاجرون في سهول أواسط السودان الغنية بالمرعى مسالمين حيناً ومحاربين حيناً آخر، فلما كثر عدد المهاجرين وزادت قوتهم ضغطوا بزعامة العبدلاب على مملكة سوبا حتى سقطت في أيديهم في ظروف لا نعرف عنها كثيراً بعد، ولكن مدة تفردهم بالزعامة لم تدم طويلاً إذ نازعتهم فيها جماعة من البدو السود اشتهرت بتربية البقر وعُرفت بالفونج، ولا يُدرى على وجه التحقيق أصل هذه الجماعة ولا وقت نشأتها ولكن من المتواتر أنها وفدت من أعالي النيل الأزرق وأقامت مملكتها في عام 910ه 1504م، وبعد أن اختط الفونج سنار عاصمة لهم بسطوا نفوذهم على العبدلاب ورعاياهم من العرب والقبائل المستعربة وغيرهم من الوطنيين حتى الشلال الثالث، كما اتسعت رقعة مملكة الفونج حتى شملت أجزاء كبيرة من بلاد البجة وكردفان، وظلت حدودهم الجنوبية حول خط عرض «13» شمالاً، ومنذ ذلك الحين صار العبدلاب يحكمون من قرى الجزء الواقع شمال أربجي بمعاونة زعماء القبائل نيابة عن الفونج، وفي ظل هذه الشراكة بين الفونج والعبدلاب ولد نوع من الاستقرار والوحدة السياسية مهد لنشر الدين الإسلامي والثقافة العربية بطريقة أعم واشمل مما كان عليه الحال من قبل، وحتى عند قيام مملكة الفونج كان انتشار الدعوة الإسلامية لا يعدو أن يكون اسمياً، وفي مرحلته الأولى فقد أهتم المبشرون وجلهم من البدو والتجار وهم ممن تنقصهم الثقافة الدينية العميقة بالإسلام بكسب المسيحيين والوثنيين مركزين على السمات العامة للدين دون التفاصيل المرهقة أو المقيدة، وقد شاركت هاتان الفئتان بعض العلماء الذين أسهموا في بث تعاليم الدين الإسلامي وتعميق مفاهيمه، ولعل أول هؤلاء العلماء هو الشيخ غلام الله بن عائد اليمني، وقد قدم من الحليلة باليمن إلى دنقلا في النصف الثاني من القرن الرابع عشر.