سفارة عصام الشيخ المحورية دخل عليّ مريض تكسو وجهه الطيبة والبشاشة والبساطة، أرّقه وأرّق أهله مرض الفشل الكلوي اللعين، كانوا كثراً أحاطوه يمنة ويسار فداءً له وحرصاً منهم على صحته، بادرني أحدهم بأن شخصًا آخر على التلفون يود محادثتي، كان ذلكم هو الصديق الفاضل والأرباب الكريم عصام الشيخ وجيه عموم البطاحين، بادرني قائلاً: «المرضان ده ود عمي» وهو أمانة في عنقك، بادرته بالتحية وقلت له أهلك أهلي وكل مرضاي هم أهلي وأنا متكفل بعلاجهم لهم كل علمي ووقتي.. المريض اسمه الصديق التبار، سألته مازحاً هل لاسم عائلتك علاقة بالتيبار «أي الزير» فكانت إجابته «لا يا دكتور التبار جاية من التبر يعني الدهب» وكان يزين إحدى أسنانه بغطاء من الذهب، تبرعت له زوجته الودودة بكليتها وشكّلت لنا سن الدهب إشكالية داخل غرفة العملية لأننا نستعمل الكاوية الكهربائية لقطع الأنسجة وتخثير الدم، وتوجسنا من أن يشكل المعدن «الذهب» حروقًا في فم المريض، فطوال تجربتي مع الخواجات لم أقابل مثل هذه الحالة، فكانت الإجابة الشافية من دكتور محيي الدين استشاري التخدير أنه يمكن إجراء العملية من غير ضرر للمريض، بشّرت شيخ البطاحين «عصام» بنجاح العملية، هلل وكبر أهله من حوله وتعالت أصوات النساء بالزغاريت، قلت له مازحاً قلبتم ناس الزومة يا البطاحين بالإشارة لعملية زراعة الكلى التي زرعتها لأحد أعيان الزومة وقد كرر البطاحين نفس مشهد أهل الزومة بطريقة أكبر وعلى طريقتهم الخاصة. دعاني صديقي عصام الشيخ لزيارة إمبراطوريته بمنطقة المحورية جنوبالخرطوم، استقبلني وأهله البطاحين بالسيوف وأنغام الربابة ورقصة الصقرية في فناء فسيح تحفه أشجار النخيل وتزينه زهور الزينة وتنتشر فيه بيوت من الشعر والقطاطي مسقوفة بقش أنيق ورواكيب وعناقريب وبنابر تزينها منارات وفنارات وفوانيس وقناديل ومصابيح وتنتشر فيها شتى صور التراث السوداني «السحارة والمفراكة والكنش والمشلعيب والرحط وقرمصيص والجدلة والخرز والسكسك والحربة والسيف وأم كيكي والطنبور وعطور وبخور وجلود التمساح والورل والأصلة وسبح من اللالوب وفراء». كرم حاتمي لا تخطئه العين شواء وسلات وأقاشي وكبدة وكلاوي وعسل للشفاء والتداوي وأبواب مفتوحة لكل الضيوف بلا منّ ولا أجر. وُدعت مثل ما استقبلت بحرارة، وعند مغادرتي كانوا في استقبال سفير قطر الجديد، وقبلها كان في ضيافته مدير شرطة دبي الفريق «ضاحي خلفان» جسد لهم السودان من تراثه وكرمه وطيبة أهله، فكان خير سفير لسفارة شعبية اسمها المحورية.