إذا قال لك ابنك: دعني اغسل السيارة... فاغلب الظن أنك لن تدعه يفعل ذلك، ففي مقدورك أن تدفع أربعة جنيهات لأي شخص يمتهن هذه المهنة فيقوم بغسيلها على احسن حال. فلماذا إذًا يُتعب الصغير نفسه، خيرٌ له ألف مرة أن يستثمر ذلك الوقت الذي يقضيه في غسيل السيارة في شيء مفيد، يستمتع به. ثم انه من غير اللائق أن يرى الجيران أو سكان العمارة ابنك وهو يقوم بذلك العمل. الواقع يقول إن ابنك لن يجد شيئاً آخر يستثمر فيه وقته ولهذا ينصرف إلى أعمال اصبحت بالنسبة له شبه روتينية مثل مشاهدة الفضائيات أو الخروج إلى الشارع أو الوقوع في دوامة السؤال الذي يواجه كل صبي في سنه- يقتله الفراغ ويقتله التوتر- وماذا افعل الآن؟ لقد توصل علماء التربية والاجتماع وعدد من دارسي علم النفس ان البنت الصغيرة تتجه إلى تقليد امها و أن الطفل يجد متعة كبيرة في التشبه بأبيه ولهذا فهم ينصحون مثلاً ألا تدخن أمام ابنائك إذا كنت ممن يدخنون وأن تجعل احتكاكهم بك كبيراً حتى تتوسع مدارك الطفل وهو يراقبك ويحذو حذوك. ولذلك فالبنت تجد متعة كبيرة عندما تعهد إليها امها بغسل الأطباق مثلاً أو بإعداد الفاكهة أو بترتيب الأواني والزهور في المنزل.. وهي في تلك السن تشعر بأنها شخص مرغوب فيه ويؤدي خدمة مفيدة في العائلة، الأمر الذي يجعل شخصيتها تتبلور وهي واثقة من نفسها. فالبنت تشعر بالحب العائلي الذي يحيط بها وتحاول ان تقابله من ناحيتها بشيء يشعرها بمكانتها وسط العائلة. أما الطفل فهو يريد أن يستحوذ على اهتمام ابيه وهو يريد أن ينتمي إلى مجتمع أبيه، ولهذا فهو يحاول أيضاً أن يكون شخصاً مفيداً، إن مشاركته في الأعمال المنزلية التي يقوم بها الرجل تعطيه الثقة الكاملة وتعوده الاعتماد على النفس وتجعله يستثمر وقته فيما يفيد.. صحيح أنه سيتعب نفسه في غسيل السيارة ولن يغسلها احسن من الشخص المكلف بهذه المهمة ولكن المتعة التي يحس بها وهو يشعر انه يؤدي عملاً مفيداً مقدراً داخل العائلة لا تعادلها متعة الآتاري أو أي لعبة كمبيوترية اخرى ولكننا في الحياة العصرية التي نعيشها اليوم أوكلنا عمل تلك الأشياء الصغيرة إلى خادمة أو خادم يقوم بها. وأغفلنا عن القيمة الحقيقية للعمل الذي يمكن أن يقوم به الصغار وهم يتدربون على تحمل المسؤولية. والسعادة التي نحملها في رؤوسنا ونحاول أن نحققها لأطفالنا هي أن نشتري لهم عدداً كبيراً من اللعب التي سرعان ما تصيبهم بالملل فيهجرونها أو يحطمونها ولا تزيدهم إلا توتراً ولا تضيف لشخصياتهم شيئاً إلا القلق المستمر الذي يجعلهم لا يستقرون على حال. اترك ابنك يساعدك بقدر الإمكان في أي شيء يحاول أن يساهم فيه وستجد أن توتره قد زال وانه ينضج بسرعة ويحتل مكانه المرموق في المجتمع هذا إذا احتل مكانه المرموق في البيت.