الذي يطالع عطاءات الباحث المتمكن الدكتور سراج الدين عبد الغفار وغيره يجد أن هذه الصراعات تكمن في أن السلم القومي بشقيه الداخلي والخارجي ضروري لتحقيق أهداف التنمية الشاملة إذ يعد أساسًا في بناء نهضة الأمم وتقدمها وعلى حد تعبير محمد جابر الأنصاري فإنه من المحال تصور وطن في تنازع مع ذاته يستطيع التعايش بسلام مع غيره في حين يشير ابن خلدون إلى أن الأوطان الكثيرة الصعاب قل أن تستحكم فيها دولة ومن هنا تأتي أهمية البحث في جذور وخلفيات الصراعات الداخلية للدول الإفريقية والعربية ومآلات الصراع في قُطر كالسودان وهو قُطر يجمع بين العروبة والإفريقية حيث تشهد تلك المجتمعات واقعاً تنموياً لا يرضي طموحات شعوبها ولا ينسجم مع ماضي هذه الأمم وتراثها العريق، والمعلوم أن التعدد العرقي واللغوي ظاهرة اجتماعية تاريخية قلما يخلو منها مجتمع وتعرف بها الشعوب وتتميز بها الأقوام بمستوى حجمها وبقدر آثارها في الواقع من حيث انسجام المجتمع ووحدته أو انفصامه وتهديد تماسكه، وفي المجتمعات ذات العوامل التوحيدية الأصلية كالدين والحضارة أو العوامل الطارئة كتوافقات السياسة ومستلزمات العقود الاجتماعية تختفي آثار وسلبيات التعدد العرقي واللغوي بل ويتحول أحياناً إلى عامل ثراء متميز يفيد المجتمع ويعطي حضارته ألق التنوع والتعدد أما في البيئات الانقسامية فيصبح هذا التعدد عامل فرقة وسبب صراع لا ينقطع ويقعد بالشعوب من أن تلحق برصيفاتها في ركب التطور والتقدم والنماء وأن الصراعات الداخلية أو الأهلية العربية والإفريقية ذات طبيعة معقدة ومركبة فهي ذات طبيعة سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية ودينية بأبعاد داخلية وخارجية وكذلك لها امتدادات تاريخية ومن هنا فإن أسباب ومحركات الصراعات الداخلية في هذه الدول تتداخل مع هذه الطبيعة المركبة بكل جوانبها وأن ظاهرة التعدديات أو التنوعات هي ظاهرة طبيعية ونجدها عند كافة الأمم والشعوب غير أن الإشكالية تكمن في نزوع هذه الظاهرة نحو العنف والنزاع، ففي عقد التسعينيات أصبحت إفريقيا جنوب الصحراء مسرحاً لعدة حروب وصراعات أهمها حرب الصومال والكنغو الديمقراطية والحرب الإثيوبية الإريترية والحرب الأنجولية والحرب في منطقة البحيرات حروب غرب إفريقيا في مناطق سيراليون وليبيريا وغينيا بيساو وبالطبع منها حرب جنوب السودان، وتعد حرب الكنغو الديمقراطية هي أهم وأخطر حرب إفريقية إذ تواجهت فيها جيوش ست دول لكل منها اعتباراتها الخاصة فرواندا تريد أن تقضي على حركة الإنتراهاماوي التي تعمل على استجماع قوى الهوتو وتهيئتهم للانقضاض على التوتسي وتتخذ من شرق الكنغو الديمقراطية مقراً لها، ويوغندا تود مساعدة رواندا في ذلك، كما تغتنم الفرصة لنهب ما يقع في يدها من موارد الكنغو خاصة النحاس والأخشاب، وكذلك تطارد فلول قوات التحالف الديمقراطي المعارض لها وراء جبال رونزوري، أما زيمبابوي وناميبيا وأنجولا فإنها ترغب في السيطرة على مناجم الذهب والمجوهرات القريبة من حدودهم وهو تحالف الاشتراكيين القدامى في إفريقيا في مواجهة التحالف الأمريكي وقد وقّعت زيمبابوي اتفاقاً مع حكومة رولان كابيلا الأب وحصلت بموجبه على امتياز التنقيب عن المجوهرات في طول الكنغو وعرضها والمعلوم أن الصراع قد نشب في الأصل بين قبائل الهوتو والتوتسي حول الزعامة في المنطقة مما أدى في آخر المطاف إلى بروز التوتسي كقوة نجحت في فرض سيطرتها كعرق حيث بدأت في تنفيذ إستراتيجيتها القاضية بإنشاء دولة التوتسي الكبرى وقد أدى تقدم قوات الجبهة الوطنية الرواندية للسيطرة على رواندا إلى وقوع مذابح ومجازر بين القبيلتين التوتسي والهوتو إضافة إلى حركة هائلة من اللاجئين والنازحين لم تشهدها القارة من قبل كما امتد الصراع في المنطقة كما هو معلوم إلى زائير سابقاً «الكنغو حالياً» حينما نجح التوتسي عبر التحالف مع يوغندا وكابيلا في إسقاط نظام موبوتو وتنصيب كابيلا رئيساً للكنغو، وتجدد الصراع مرة أخرى بعد أن انقلب كابيلا على التوتسي، وقد أدت هذه الأحداث إلى تعقيد المشكلة في منطقة البحيرات بظهور تحالفات إقليمية، فالحلف الأول الموالي لكابيلا ضم أنجولا وزيمبابوي وناميبيا وتشاد والسودان وحركات المعارضة الرواندية، أما الحلف الآخر والمدعوم من الولاياتالمتحدةالأمريكية فقد اعتمد على التوتسي بجانب يوغندا ورواندا بالإضافة إلى التحالف المعارض لكابيلا أما هذا الشأن كله بالنسبة للسودان فله توابع أخرى.