لعل الشيء الذي يملأ النفس غبطة والجوانح سروراً، أنّ الله عز وجل قيض لهذه البلاد جحافل شهباء لا تصرعها الشدائد، أو تضعضعها النوائب، قومت خطل صاحب الهوى الطاغي، والعشق المضني في التودد لمن نغلت نياتهم، وسقمت ضمائرهم، ودغِلت صدورهم، فالمؤتمر الوطني الذي كنا نخاله يحتكم لمبادئ العزة، ويستضيء بنبراس الكرامة، يتحمل تبعة هذه الاتفاقية التي ركد ماء وجهها بعد أن فدحت خزينة الدولة بالمؤن المجحفة، والكُلف الباهظة، فسادتنا أصحاب الرأي الثاقب، والفكر الرشيد، لهم ميل راسخ إلى ضعضعة ما أقامته الحقب والعقود، فأنى لأصحاب العلل المنهكة، والأوصاب المدنفة، والأسقام الماضية أن تؤمن بوائقهم، ويوفوا بعهدهم الذي أبرموه مع حزبنا الصمد الغارق في لجج الأحلام. إن الاتفاق الإطاري الذي وقع بالأحرف الأولى في العاصمة الإثيوبية والذي يكفل للجنوبيين حرية التنقل والاقامة والعمل، جعلنا نقف على حواف الخصام مع المؤتمر الوطني، ونسعى دائبين إلى أن نبين غرر هذا الاتفاق الحافل بأسباب الخطر، ودواعي الانفجار، فحكومة الجنوب التي تعاني إغبرار العيش، وضياع الأمن، وانخزال الحركة، كان هذا الاتفاق قميناً بأن يجعلها تستجمع أنفاسها البغيضة التي لا تشهق إلا على شر، ولا تزفر إلا على جهالة، نعم لقد ثرنا نحن في المحابر، وضجّ غيرنا في المنابر، حتى ينفض سادتنا عن أنفسهم غبار الوهن، ويمسح حُكامنا عن جفونهم فتور الوسن، ويكفوا عن الترسل في الأحاديث القابضة للنفس، فاتفاقية الحريات الأربع التي أشعنا حولها الريب، ونثرنا حولها الظنون، كانت تصب في مصلحة من لاحت في وجوههم العابسة إرهاصات الجذل والارتياح. وبينما كانت جموع الخزاية التي نزا في صدرها الحقد، وطغى في كبدها الغل تترى صوب هجليج التي تخلع على اقتصاد السودان وضاءة الحسن، وعلى أديمه رونق السعادة، إذ ترفد هذه المنطقة يومياً السودان بأكثر من ستين ألف برميل من الذهب الأسود، كان أقطاب الدولة يحتفون بمن يخون كل عهد، ويخفر كل ذمة، ويتزلفون إلى من أضفت نوافله، وأندت أنامله بقاع الوطن بالكذب المحض، والتهم الفواجر. وختاماً يسرني أن أقول إنَّ الصراع الناشب بين «الإنتباهة» والمؤتمر الوطني حول هذه الاتفاقية المذلة قد انتهى جدله، وتمخض مراءه عن حقيقة جاد بها ثغر سلفا كير الذي لا يدفع عن نفسه وصمة الجهل، وعن شخصه نقيصة التخلف، حينما بثَّ للعالم نبأ توغل قواته التي استبد بها الخرف حينما ظنت أن خواضي الغمرات، وأبناء الكريهة سوف يصبرون على الخسف، ويطمئنون إلى الغضاضة فيجعلون أمرها لهم، لقد رسم سلفا كير الفدم لوحة موشاة بالمبالغة والتهويل حينما زعم في صفاقة أن هجليج قد عادت لأحضان الوطن، فهجليج التي يمتح السودان من بترولها الثر ليست من المناطق التي يدور حولها الصراع بين السودان ودولة الجنوب. بعض الناس ذهبوا بحججنا إلى غير مذهبها، وانتهوا بها إلى غير غايتها، ليت شعري ما هي المشاعر التي تعتمل في دواخلهم الآن بعد أن تبين لهم خطل اعتقادهم، وسوء ظنهم.