إن أبسط قواعد الاتفاقيات.. الالتزام بالاتفاقات الإطارية وإصلاح الأجواء بين المتعارضين لكي تستمر المفاوضات والتزام الأطراف بما اتفق عليه.. الحركة الشعبية وبعد مرور سنوات على وقف الحرب وسحب القوات المسلحة من الجنوب حتى حدود عام 1956 لم تلتزم أولاً بوقف العدائيات بدليل أن الملاسنات وحملات التشكيك في الشماليين جميعاً بلا استثناء وسبهم وتشويه صورتهم وإعلان التمرد عليهم «عندما سافر جميع وزراء الحركة إلى الجنوب» تاريكين وزاراتهم وإداراتهم «قبل إعلان الانفصال وقيام دولتهم ودون الاستئذان من رؤسائهم» في مخالفات دستورية واضحة لتعارض بعض القرارات مع رؤيتهم ودون إخضاع تلك الموضوعات للنقاش مما يدل على أنهم متمردون حتى بعد الاتفاق.. ولنراجع مواقف باقان أموم وتصريحاته في تلك الفترة وسوف نجدها كما هي قبل الاتفاق.. وبعد الانفصال.. كذلك عرمان وجميع بقية رؤوس الكفر والعلمانية والصهيونية. وقد استمعت لعرمان في رمضان قبل الماضي بالقاهرة«مركز الدراسات الإفريقية» وهو من المراكز التي شجعت وأعانت ودفعت لتحقيق انفصال الجنوب سمعته وهو المتحدث الرسمي بالندوة وروادها كانوا جماع الجنوبيين الذين تأويهم الحكومة المصرية آنذاك.. وبنو علمان من أمثال الحاج وراق ورفقاًئه من الذين اعترضوا على مداخلتي التي كانت مفاجأة لعرمان والمنصة وللحاج وراق.. قال عرمان في إطار خيارات الوحدة والانفصال بأن الجنوب سينفصل.. وإنه سيكون هناك جنوب جديد انظروا معي «جنوب جديد» في السودان الشمالي قوامه الحركة الشعبية قطاع الشمال مما يدل على أن النية كانت مبيتة والأمر مدبراً.. ورغم أنني قلت وكتبت هذا الأمر لأكثر من مرة.. ولكننا انتظرنا حتى نفذ العلمانيون والمتمردون أجندتهم بإقامة جنوب جديد في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق لمصلحة الحركة الشعبية المتمردة في جنوب السودان.. وكان ينبغي أن تتريث الحكومة تجاه المفاوضات مع حكومة الجنوب وهي بعد أن نالت ما نالت من مكاسب سياسية ومالية وفشلت في إدارة دولتها.. ينبغي التريث لأن عامل الزمن في غاية الأهمية في ظل إغلاق أنبوب البترول ظناً منها ومنهم بأن الشعب السوداني سوف يموت جوعاً ويخرج إلى الشارع.. وهو وهم كبير يلف عقول العلمانيين وتوابعهم من شتات الأحزاب.. لأن عامل الزمن سوف يضاعف مشكلاتهم الأمنية والغذائية والاقتصادية.. وعامل الزمن سوف يدفعهم لخرق اتفاق السلام وعندها لا ينبغي أن نشتكي لمجلس الأمن الذي يحكم بواسطة القوانين الأمريكية ولا نعتمد على أن تشهد لنا قوات الأممالمتحدة أو الاتحاد الإفريقي أو الإثيوبية.. وقتها السن بالسن والعين بالعين والبادئ أظلم والنصر من عند الله.. وأمثال هؤلاء الكفار لا يقدرون مساحات التسامح التي يتمتع بها أهل السودان ولا يحترمون العهود ويلزمون أنفسهم بها.. ويكفي مهزلة.. أن يعلن رئيس الجنوب بنفسه في عملية مفاخرة بأن قواته «الحركة الشعبية» الآن تسيطر على حقل هجليج «غير المتنازع عليه» في وقت تنشغل فيه حكومتنا بالوفد الكبير وتقيم له المآدب وحفلات الغذاء والعشاء يحتفلون معنا بالطريقة الإسرائيلية.. ويسلموننا الرسائل وبداخلها الألغام والاعتداء على حقل هجليج كان لغماً اختبارياً مع مخدر دعوة البشير للقاء سلفا بجوبا.. الآن تجري مفاوضات أمنية في أديس أبابا.. في الوقت الذي تحتضن فيه الحركة حركات دارفور المسلحة.. وتحالف القوى العلمانية والشيوعية التي تحمل السلاح ضد الدولة برغم التزام الدولة بالديمقراطية ومفردات الدستور التي تبيح لهم حرية التعبير وحرية إصدار الصحف وحرية تنظيم الندوات والاجتماعات والمعارضة للسياسات .. يحملون السلاح ويعلنون الحرب ضد الدولة.. فالتوم هجو لا يمثل نفسه ونصر الدين الهادي لا يمثل نفسه لأنه من رموز حزب يشارك في السلطة ويعارض سياسات الحكومة ويتحدث لأجهزة الإعلام ويعقد الندوات.. فكيف تتعامل دولة مع مثل هذه الأمور والمتناقضات وهل تخشى الدولة من إعمال القانون والدستور.. وهي يخشى البعض على المقاعد؟ فلتذهب المقاعد إن كانت ستبقى على حساب المبادئ.. الإخوان المسلمون في مصر ارادوا أن يفسحوا للقوى الأخرى في مقعد رئيس الجمهورية خلافاً للمبدأ ولكنهم اكتشفوا المؤامرة عليهم تحاك نهاراً جهاراً فسموا مرشحهم لرئاسة الجمهورية.. فالمبدأ يعلو على المصلحة الزائلة حتى ولو كان الثمن غالياً.