مليشيا التمرد تواجه نقصاً حاداً في الوقود في مواقعها حول مدينة الفاشر    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحو دستور للوحدة القومية
نشر في حريات يوم 15 - 10 - 2011

فيما يلي الفصل التاسع من كتابنا اتفاقية السلام الشامل وخلفية الصراع الفكري الصادر في عام 2007 الذي يتناول بعض الاقتراحات لما ينبغي ان يكون عليه دستور السودان بعد نهاية الفترة الانتقالية التي انتهت بمأساة انفصال الجنوب وتمزيق وحدة البلاد.
“تناط السلطة العليا أو حق إصدار القوانين وتنفيذها في كل الحكومات الاستبدادية في شخص واحد أو مجموعة من الناس، ولن تكون هناك حرية عامة متى ما تمّ الاتحاد بين هاتين السلطتين”
“Blackstone, Commentaries on the Laws of England (London, 1765)"
“لا داعي لأن يكون هناك خلاف حاد حول دستور الشمال إذ ان الاختلاف حول الإسلام والعلمانية لن يرد إلا من جهة الإسلام المنكفيء والعلمانية المنكفئة حيث تذوب الاختلافات بين الإسلام المستنير والعلمانية المستنيرة لأن الفهم الصحيح للإسلام لا يتناقض مع استصحاب قيّم الأديان والمعتقدات الأخرى والأعراف”
(السيِّد الصادق المهدي، البيان، 22/7/2002م)
كان إعداد الدستور الانتقالي وصياغته ذاك الذي ستحكم بموجبه البلاد في أثناء الفترة الانتقالية من أولويات أعمال الحكومة بعد التوقيع على اتفاقية السلام النهائية في يناير 2005م. وأجاز المجلس الوطني ومجلس الحركة الشعبية الدستور الانتقالي فى 6 يوليو 2005م وصادق عليه السيد رئيس الجمهورية في 9 يوليو 2005م. واستند الدستور الانتقالي على اتفاقية السلام الشامل ودستور السودان لعام 1998م, وتمّ تضمين الاتفاقية في الدستور طبقاً لما نصت عليه المادة 3:2.1 من بروتوكول مشاكوس. وأكدّ البروتوكول ضرورة ارتكاز الترتيبات الدستورية للنظام السياسي في الفترة الانتقالية على أسس الدولة العلمانيّة المعتدلة التي تتمثل في عناصر المواطنة, حرية الأديان ومواءمة الدين مع شؤون الدولة.
لذلك سوف يبدأ هذا الفصل بتقديم نبذة عن تطور الدولة العلمانية المعتدلة في السودان منذ الاستقلال بنوعيها الديمقراطي والاستبدادي، ودحض التفسير الذي يرى بأنّ بروتوكول مشاكوس قد وضع الأساس لقيام دولة إسلاميّة في الشمال والتمهيد لتأسيس الدولة العلمانية في جنوب السودان.
ونناقش بعد ذلك بعض القضايا الدستورية العامة التي يجب وضعها في الاعتبار عندما تحين الفرصة لإجراء بعض الإضافات والتعديلات على الدستور الانتقالي في السنوات القادمة بهدف تجويده وهي منع استغلال الدين لأغراض سياسية النظام الرئاسي، الفدرالية والمفوضيات المستقلة وضرورة تحديد مواد في الدستور خاصة بها.
بعد أن تمت إجازة دستور السودان المؤقت في البرلمان في عشية الاستقلال أصبحت الدولة العلمانية المعتدلة بنوعيها الديمقراطي والاستبدادي النمط الذي اكتسبته الدولة في السودان في الفترة من عام 1956م إلى عام 1989م عندما استولى التيار الإسلاميّ المتطرف الذي تمثله الجبهة الإسلاميّة على الحكم عن طريق الانقلاب العسكري ليؤسس الدولة الدينية لأول مرة منذ الاستقلال. وكان اهتمام وحرص رواد الحركة الوطنية على صيانة الوحدة الوطنية في قطر يتميز بالتعدد الديني والإثني والثقافي من أهمّ الأسباب التي دفعتهم لتبني الدستور المدني أو العلماني المؤقت الذي جعل هوية البلاد الإنتماء للأمة السودانية لكي يتم ضمان مبدأ المواطنة الذي يكفل مساواة جميع الموطنين أمام القانون وفي الحقوق والواجبات. وقاوموا لنفس السبب في عام 1957م ضغوط الحركة الإسلامية السلفية لإجبارهم على تبني الدستور الإسلامي الذي يقود إلى تأسيس الدولة الدينية ويجعل الإنتماء للإسلام دين الأغلبية المعيار لهوية السودان. ولم تتخذ النخبة الحاكمة في الفترة الأولى للحكم الديمقراطي (1956-1958م) لسوء الحظ الخطوة الهامة التالية لتمتين وحدة البلاد وهي الاستجابة لطلب سكان الإقليم الجنوبي بمنحهم الحكم الفيدرالي فى إطار السودان الموحد. ولجأ قادة الانقلاب العسكري الذين استولوا على الحكم في 17 نوفمبر 1958م إلى سياسة العنف لمواجهة مطالب سكان الجنوب بالحكم الفدرالي مما أدى إلى اندلاع الحرب الأهلية في جنوب السودان والتي كان لها أكبر الأثر في إضعاف النظام العسكري وسقوطه بعد ثورة أكتوبر 1964م واستعادة الحكم الديمقراطي.
تعرضت الدولة العلمانيّة المعتدلة في الفترة الثانية للحكم الديمقراطي (1964-1969م) لعدة أزمات كان من أبرزها ضغوط التيار الإسلاميّ المتطرف على الأحزاب الرئيسية لصياغة دستور إسلاميّ يمهد لتأسيس الدولة الدينية، وتوسع نطاق الحرب الأهلية في جنوب السودان بعد مطالبة قادة الأنيانيا بالانفصال. وبالرغم من إدراك القوى السياسية في العهد الديمقراطي الأول لأهمية صياغة دستور مدني أو علماني يضمن مساواة الجميع أمام القانون لكي تتم صيانة وحدة البلاد، إلا أنهم قد تخلوا عن هذا الموقف عندما بدأت الحركة الإسلاميّة السلفية التي تقودها جبهة الميثاق الإسلاميّ والمتأثرة بأفكار المودودي وسيد قطب في استغلال الدين كسلاح لتنفيذ مشروعها الآيديولوجي. فقاموا بتعبئة الجماهير عبر الندوات والصحف للمطالبة بالدستور الإسلاميّ لكي يتم تأسيس الدولة الدينية وتطبيق الشريعة.
لاقت الشعارات الجذابة للدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة الاستجابة لدى جماهير حزب الأمة وحزب الشعب الديمقراطي بسبب تدينهم العميق وبدأوا في ممارسة الضغوط على زعمائهم لتأييد الدستور الإسلاميّ في البرلمان. وشارك الحزب الوطني الاتحادي (الذي يعتمد على تأييد التجار والمثقفين) فى استغلال الدين للمزايدة السياسيّة وذلك عندما طالب زعيمه السيّد إسماعيل الأزهري “بتأسيس الدولة الإسلامية لمحاربة وهزيمة كل الأفكار الأجنبية الوافدة”(1)، وتمّ تقديم مسودة الدستور الإسلامي إلى الجمعية التأسيسيّة في أواخر عام 1967م وواجهت معارضة حادة من قبل النواب الجنوبيين في البرلمان كما أدت إلى زوال الثقة التي تولدت بين ساسة الجنوب والنخبة الحاكمة الشمالية بعد مؤتمر المائدة المستديرة الذي انعقد في مارس 1965. وأحجمت القوى السياسية عن تنفيذ توصية لجنة الاثنى عشر (التي انبثقت عن مؤتمر المائدة المستديرة) بمنح الجنوب الحكم اللامركزي بصلاحيات واسعة والاعتراف بثقافاته المحلية وتدريس لغاتهم المحلية في المدارس الأمر الذي أدى إلى تعميق الحرب الأهلية وإعلان قادة الأنيانيا لحكومة جنوب السودان المؤقتة في الأراضي التي تقع تحت سيطرتهم في أغسطس 1967(2).
كان تدهور الأوضاع في جنوب السودان أحد العوامل التي أدت إلى نهاية النظام الديمقراطي عندما استولى الجيش على السلطة بقيادة العقيد جعفر نميري في 25 مايو 1969م. وأدرك الحكام الجدد استحالة تحقيق الاستقرار في جنوب السودان وصيانة الوحدة الوطنية بدون تلبية مطالب سكانه بمنحهم الحكم اللامركزي بصلاحيات واسعة وصياغة دستور يكفل لهم حقوق المواطنة والمساواة أمام القانون. ونجحوا في تحقيق ذلك بتوقيع اتفاقية أديس بابا مع حركة الأنيانيا في مارس 1972م حيث تمّ بمقتضاها منح الإقليم الجنوبي الحكم الذاتي بصلاحيات واسعة في إطار السودان الموحد حيث يقوم مجلسه التشريعي الإقليمي بانتخاب رئيس وأعضاء المجلس التنفيذي العالي(3). وتمّ تعزيز الوحدة الوطنية بإجازة النطام العسكري للدستور الدائم في عام 1973م والذي تمّ فيه تأكيد الهوية العربية والإفريقية للسودان وضمان حقوق الموطنة ومساواة جميع المواطنين أمام القانون(4). ولم ينص دستور عام 1973م على اعتبار الإسلام الدين الرسمي للدولة بل نصت المادة (16) منه على اعتبار الإسلام والمسيحية وكريم المعتقدات الروحية التي يؤمن بها بعض الموطنين كالأديان المعترف بها في السودان بدون أي تمييز(5). وبرهن دستور عام 1973م على إمكانية مواءمة الدولة العلمانية الاستبدادية للدين (كما كان الحال في عهد الحكم الثنائي) حيث نصت المادة التاسعة منه على أن تكون الشريعة والعادات المصادر الأساسية للتشريع كما يجب أن تحكم الأحوال الشخصية لغير المسلمين بواسطة القوانين الشخصية الخاصة بهم(6). كما أثبت الاستقرار الذي تمتع به جنوب السودان لمدة 11 سنة بعد توقيع اتفاقية أديس أبابا أهمية الحكم اللامركزي والدستور المدني العلماني كضرورة لا غنى عنها لصيانة الوحدة الوطنية في قطرٍ يتميز بالتعدد الإثني والديني.
بدأ جنوب السودان يعاني من الاضطرابات والقلاقل مرة أخرى عندما خرق الرئيس الأسبق جعفر نميري اتفاقية أديس أبابا بتقسيمه للجنوب إلى ثلاثة أقاليم في عام 1983م وظهور الحركة الشعبية لتحرير السودان في نفس العام لقيادة التمرد وشنّ الحرب ضد الحكومة المركزية. وتطور التمرد إلى حرب أهلية عندما بدأ نميري في تقويض أسس الدولة العلمانية التي أرساها دستور عام 1973م وذلك بإصداره القوانين الإسلاميّة في سبتمبر 1983م “لكي تكون الشريعة القوة الوحيدة التي يستهدي بها القانون في السودان”(7). واحتج مجلس الكنائس السودانية على تطبيق القوانين الجنائية الإسلامية على غير المسلمين باعتباره نوعاً من الاضطهاد الديني الذي يجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية(8).
لم تهدأ الأوضاع في جنوب السودان بعد سقوط نظام نميري في عام 1985م وتولى المجلس العسكري الانتقالي لمقاليد الحكم. واستمرت الحرب الأهلية بعد انتخاب الحكومة الديمقراطية الثالثة في عام 1986م بسبب طرح الحركة الشعبية لمشكلة جنوب السودان من منظور قومي وإصرارها على إعادة هيكلة الدولة على أسس علمانية لضمان حقوق المواطنة وحرية الأديان كشرط لوقف القتال. وأدركت الأحزاب التقليدية أهمية قضية العلاقة بين الدين والدولة لتحقيق الاستقرار فى البلاد. فعقد الحزب الاتحادي الديمقراطي اتفاقية السلام مع الحركة الشعبية في نوفمبر 1988م حيث تمّ الاتفاق على تجميد الحدود والمواد الجنائية الإسلاميّة الأخرى في قوانين سبتمبر وانعقاد مؤتمر دستوري لمناقشة القضايا الخلافية(9). وهاجم الإخوان المسلمون (الذين اتخذوا في هذه الفترة اسم الجبهة الإسلامية القومية) عبر الندوات وتنظيم المظاهرات أي محاولة لتغيير قوانين سبتمبر الإسلاميّة وتقديم تنازلات للحركة الشعبية بحجة أن ذلك يؤدي إلى تهديد وطمس هوية السودان الإسلاميّة العربية. وقاموا في 30 يونيو 1989م بالاستيلاء على السلطة عن طريق الانقلاب العسكري لخوفهم من أنّ نتائج المؤتمر الدستوري المرتقب ستعرقل تحقيق برنامجهم الآيديولوجي لتأسيس الدولة الدينية في السودان. وتخلت الجبهة الإسلاميّة بذلك عن استراتيجيتها الداعية إلى الالتزام بممارسة النشاط السياسي في إطار النظام الديمقراطي وتربية وأسلمة المجتمع بالتدريج قبل تأسيس الدولة الإسلاميّة. وكما ذكرت د. آن ليش “نظرت الجبهة الإسلاميّة القومية إلى الديمقراطية كوسيلة لتأسيس دولة إسلامية وصياغة المجتمع السوداني حسب رؤيتها السياسية”(10).
بدأت الجبهة الإسلامية بعد توليها مقاليد الحكم في القضاء على أسس الدولة العلمانية التي سادت البلاد منذ الاستقلال مثل مبدأ مساواة جميع المواطنين أمام القانون ومبدأ حرية الأديان والتمهيد بذلك لتأسيس الدولة الدينية. فتمّ إصدار الميثاق القومي للعمل السياسي في مايو 1991م الذي أكدّ على الهوية الإسلامية للسودان وأن التمسك بالإسلام “هو الضمان الوحيد لتحقيق المجتمع الصالح وأن الجهاد ضد التهديدات الداخلية والخارجية فريضة دينية”(11). وصرح زعيم الجبهة الإسلامية د. حسن الترابي أثناء زيارته لإيران فى عام 1993م بأن السودان جمهورية إسلامية تنفذ فيه الأحكام الإسلامية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية(12). وتعرضت الطرق الصوفية للاضطهاد الديني فتمت مصادرة ممتلكات الأنصار والختمية والاعتداء على مسجد في ضواحي الخرطوم في شهر رمضان واعتقال الإمام والواعظ الصوفي الشيخ محمد الجميعابي(13). وأكدّت النزعة الاقصائية والاستبدادية لحكم التيار الإسلاميّ المتشدد صدق تشخيص السيّد ناتالي ألواك لطبيعة الدولة الدينية في المذكرة التي قدمها إلى لجنة وضع الدستور الدائم في عام 1967م عندما قال: “إنّ تأسيس نظام الدولة والحكومة والقانون على أيدلوجية دينية معينة يعارض من أول وهلة مساواة كل المواطنين أمام القانون ويفرض بالضرورة على المواطنين الذين لا يشاركون فى الدين أو العقيدة الرسمية ولا ينتمون إليها قيوداً قانونية وسياسة مبنية على العقيدة الدينية … إن ذلك النوع من الحكم يولد تفرق ليس ضد الأقليات غير المسلمة فحسب، بل ضد الجماعات الإسلامية”(14).
أعادت الأحزاب السياسية تنظيم نشاطها تحت مظلة التجمع الوطنى ولجأت إلى الكفاح المسلح بالتنسيق مع الحركة الشعبية لإنهاء الحرب الأهلية واستعادة الديمقراطية. وأدركت حكومة الجبهة الإسلامية بعد امتداد الحرب الأهلية إلى الأقاليم الشمالية ومطالبة الحركة الشعبية بحق تقرير المصير ومعاناة المواطنين نتيجة لتدهور الأحوال الاقتصادية الصعوبات العملية التي تواجه تأسيس الدولة الدينية في السودان. واقتنع زعمائها بضرورة تطبيق منهج التعددية الإثنية لإعادة الاستقرار وتحقيق الوحدة الوطنية. وعرفت د. آن ليش منهج التعددية الإثنية بقولها: “يسعى هذا المنهج للتخلي عن تعريفات الأغلبية والأقلية ولخلق هوية جامعة تتيح لكل المواطنين الحقوق المتساوية. ويجب ألا يتم تعريف وضع المواطنين بالدين واللغة أو الثقافة وإنما بميلادهم وإقامتهم في الأراضي الإقليمية للسودان”(15).
انعكس هذا التوجه الجديد في تفكير الحركة الإسلامية الحاكمة في تبنيها لمبدأ المواطنة في ميثاق السلام الذي عقدته مع الفصائل المنشقة عن الحركة الشعبية بقيادة مشار وكاربينو في 10 أبريل 1996م. ونصّ البند (5) من الميثاق على أن: “المواطنة هي منشأ الحقوق والواجبات في البلاد في سبيل سيادة العدالة والمساواة والحرية وحقوق الإنسان”(16). وتمّ تأكيد ذلك في الدستور الذي أصدرته الحكومة في عام 1998م والذي تضمن أهمّ مباديء الدولة العلمانية مثل مبدأ المواطنة كأساس للحقوق والمساواة ومبدأ حرية الأديان والضمير. فنصت المادة (21) من الدستور “جميع الناس متساوون أمام القضاء، والسودانيون متساوون في الحقوق والواجبات في وظائف الحياة العامة ولا يجوز التمييز بسبب العنصر أو الجنس أو الملة الدينية، وهم متساوون في الأهلية للوظيفة العامة ولا يتمايزون بالمال”(17). ونصت المادة (24) على ضمان حرية الأديان والضمير(18). واستهدى دستور عام 1998م بدستور السودان المؤقت لعام 1956م والدستور الدائم لعام 1973م بعدم النص على دين رسمي للدولة، واكتفت المادة الأولى بالنص على “دولة السودان وطن جامع تأتلف فيه الأعراق والثقافات وتتسامح الديانات، والإسلام دين غالب السكان، وللمسيحية والمعتقدات العرفية أتباع معتبرون”(19).
كان قبول الجبهة الإسلامية لمباديء المواطنة وحرية الأديان وتخلي الحركة الشعبية عن العلمانية المتشددة التي تدعو إلى فصل الدين عن الدولة وعدم اعتبار الدين مصدر من مصادر التشريع من أهمّ عوامل نجاح المفاوضات التي عقدت في كينيا في يوليو 2002م والتي توجت بتوقيع أطراف النزاع لبروتوكول مشاكوس. فتمّ الاتفاق على صيغة الدولة العلمانية المعتدلة لنظام الحكم في الفترة الإنتقالية والتي تواءم بين الدين والدولة وتضمن حقوق المواطنة وحرية الأديان وذلك كما كان الحال في دستور السودان المؤقت لعام 1956م. ويتضح ذلك في المادة السادسة من البروتوكول التي نصت على أنّ الدين مصدر إلهام خلقي للشعب السوداني وعلى حرية الدين والعبادة والضمير وعدم التمييز ضد أي مواطن على تلك الأسس، وأن تكون المواطنة، وليس الدين معيار الأهلية لتقلد الوظائف العامة بما فيها رئاسة الجمهورية والتمتع بالحقوق والواجبات والخدمات العامة(20). وأكدت الفقرة (4) من نفس المادة تنظيم الأحوال الشخصية لكل ملة من زواج وطلاق وميراث بواسطة قوانينهم الدينية أو تقاليدهم(21). ونصت الفقرة (5) على تأمين الحقوق الدينية الأساسيّة من تبشير ودعوة وتدريب والعلاقات الداخلية والخارجية للمؤسسات الدينية(22).
ونصت المادة الثالثة من بروتوكول مشاكوس على أن تكون الشريعة والاجماع الشعبى من مصادر التشريع للقوانين التي يصدرها البرلمان الاتحادي للأقاليم الشمالية على أن يكون الإجماع الشعبي والقيّم الروحية وأعراف سكان جنوب السودان مصادر التشريع للقوانين التي يتم إصدارها للولايات الجنوبية(23). ويبدو أن اعتبار الدين كمصدر من مصادر التشريع هو السبب الذي دفع بعض الكتاب إلى التفسير الخاطيء بأن بروتوكول مشاكوس قد أدى إلى تقسيم البلاد إلى دولة دينية في الشمال ودولة علمانية في الجنوب. فذكر الصحفي محمد الحسن أحمد في معرض تقويمه لاتفاقية مشاكوس “سيكون هناك كيانان أحدهما في الجنوب ويحكم في الفترة الانتقالية بدستور علماني، وآخر في الشمال ويحكم بدستور تكون الشريعة الإسلاميّة أحد مصادر تشريعه، ويكون هناك دستور ثالث يحكم العاصمة الفدرالية لا ينتسب لأي دين”(24). ومما ذكره أيضاً “الدستور الذي سيحكم كيان الجنوب سيكون علمانياً والدستور القومي للسودان لا تستمد قوانينه من الشريعة وهناك دستور ثالث ينص على أن التشريعات التي تسن على المستوى الوطني يكون مصدرها الشريعة والإجماع … فالكيان الشمالي فرض عليه خيار الحكم الديني فالانفصال حتمي …” (25). ووصف الأستاذ فاروق أبو عيسى بروتوكول مشاكوس بأنه “يجزيء الوطن جزئين وفي سياق متصل فإنه يمنح الجزء الجنوبى حق دولة علمانية فى حين يفرض دولة ثيوقراطية على أهل الشمال”(26). وذكر البيان الذي أصدره المؤتمر الشعبي حول بروتوكول مشاكوس أن الاتفاق قد “أقام دستوراً علمانيًا للجنوب مراعاة للأغلبية المسيحية الوثنية في وقت جعل فيه الشريعة لدستور وكيان الشمال أحد المصادر وليس المصدر الرئيسي للتشريع”(27).
وأدرك المفكر الإسلامي السيّد الصادق المهدي التفسير الحقيقي لاتفاقية مشاكوس حول قضية العلاقة بين الدين والدولة حيث أشار ضمنياً إلى أنه لن يؤدي إلى قيام دولة دينية في الشمال وذلك بقوله: “إن الاختلاف حول الإسلام والعلمانية لن يرد إلا من جهة الإسلام المنكفيء والعلمانية المنكفئة حيث تذوب الاختلافات بين الإسلام المستنير والعلمانية المستنيرة لأن الفهم الصحيح للإسلام لا يتناقض مع استصحاب قيّم الأديان والمعتقدات الأخرى والأعراف”(28).
يعزى التفسير الخاطيء بأن اتفاقية مشاكوس قد قسمت السودان إلى دولة دينية في الشمال ودولة علمانيّة في الجنوب إلى عدم تمييز أصحاب هذا الرأي بين العلمانية المتشددة التي تقصي الدين عن الحياة العامة وتنادي بفصله عن الدولة والعلمانية المعتدلة التي تواءم بين الدين والدولة وتجعل من الدين أحد مصادر التشريع. إذ يمكن اعتبار الدين أحد مصادر التشريع في الدولة العلمانية المعتدلة وذلك كما تمّ في دستور عام 1973م الذي أرسى دعائم الدولة العلمانية الاستبدادية في فترة الحكم العسكري الثانية حيث نصت المادة التاسعة منه على اعتبار الشريعة والعادات من المصادر الأساسية للتشريع(29). ولم تذكر مصادر التشريع في دستور السودان المؤقت لعام 1956م، الذي وضع أسس الدولة العلمانية المعتدلة والديمقراطية لفترة الحكم الوطني، لأنه قد تمّ تحديدها في مادة العدالة والإنصاف والوجدان السليم في قانون العدالة المدنية لعام 1900م والتي تشمل القوانين الإسلامية والقانون العام الإنجليزي والعادات وقوانين الأمم الأخرى التي لا تتعارض مع مفهوم العدالة(30). كما كان يتم تطبيق القوانين الإسلامية في مجالات الزواج والطلاق والميراث والأوقاف في المحاكم الشرعية التي تمّ تأسيسها لهذا الغرض في عام 1902م.
ومن أسباب شيوع التفسير الذي يرى بان بروتوكول مشاكوس سيقود إلى قيام دولة دينية تقوم بتطبيق الشريعة في شمال السودان ودولة علمانية في الجنوب (كأن العلمانية هي المقابل للشريعة) عدم الوضوح الذي يحيط بمفهوم تطبيق الشريعة واعتقاد البعض بأنه يعني في نفس الوقت تطبيق القوانين الإسلامية التي تقع في دائرة اختصاص علم الفقه الإسلاميّ(31). ويعزى هذا الالتباس في الفهم إلى الظن الخاطيء بتطابق الشريعة والفقه الإسلاميّ وعدم التمييز بينهما. فالشريعة هي تقليد حي يسري في الحياة اليومية للمسلم ومعاملاته الاجتماعية. ووصفها ابن تيمية بأنها مفهوم شامل يتضمن حقيقة الصوفيين والحقيقة العقلية لعلماء الكلام وقوانين الفقه الإسلامي(32). وذكر د. ستيفن همفري “عادة ما تتم ترجمة كلمة الشريعة لتعني القوانين الإسلامية والقوانين المقدسة. الأمر الذي يؤدي إلى الغموض وعدم الوضوح … والشريعة في واقع الأمر هي مجموع الواجبات المفروضة على كل مسلم … ولم يتم في الماضي تقنين الشريعة وتجسيدها في شكل قوانين ثابتة”(33). ويتفق معه في هذا الرأي د. فضل الرحمن الذي قال: “ليست الشريعة قانوناً رسمياً لتشريعات خاصة ومحددة وإنما مفهوم عام له حدود مشتركة مع الخير الأخلاقي”(34).
أما القوانين الإسلاميّة فهي الفقه الإسلامي في المعاملات، وعرف الجرجاني الفقه الإسلاميّ بأنه “علم مستنبط بالرأي والاجتهاد ويحتاج إلى النظر والتأويل”(35). وتمكن الفقهاء عن طريق الاجتهاد واستصحاب الحجج العقلية الدنيوية مع الحجج الدينية من إغناء القوانين الإسلامية باستنباط الأحكام للوقائع المستجدة ومستهدين في ذلك بمباديء القياس والإستحسان والمصلحة العامة(36). ويمكن أن نستنتج من ذلك وجود أرضية مشتركة بين قوانين الفقه الإسلامي والقوانين الوضعية وهي استنادهما على المنهج العقلاني للوصول إلى الأحكام التي تتوخى العدالة والإنصاف. وتفسر هذه الحقيقة إمكانية التعايش بين القوانين ذات المصدر الديني والقوانين الوضعية في القوانين العامة لبعض الدول ذات التوجه العلماني المعتدل. ومثال ذلك ما جرى في مصر عندما قررت الحكومة المصرية إصدار نسخة جديدة من القوانين المدنية المصرية التي صدرت في الأعوام 1875م، 1883م، والمستمدة من القوانين الأوروبية وخاصة قوانين نابليون، لكي تتوافق مع مباديء وقوانين الفقه الإسلامي ولتمثل القانون المدني المصري الجديد. فتمّ سن هذا القانون المدني في عام 1948م لكي يصبح نافذ المفعول بعد إلغاء المحاكم المختلطة في عام 1949م(37). وكانت معظم أجزاء القانون المدني المصري (ثلاثة أرباعه أو خمسة أسداسه) مشتقة مباشرة من القوانين المدنية الصادرة في الأعوام 1873م، 1883م، ونصت المادة الأولى منه على ضرورة استرشاد المحاكم بالقانون التقليدي ومباديء القانون الإسلامي أو مباديء العدالة الطبيعية لمعالجة الحالات التي لم ترد مادة بشأنها في القانون المدني(38). واعترف القاضي عبد الرازق السنهوري الذي قام بإعداد القانون المدني المصري وصياغته بقلة المواد الجديدة فيه وأضاف “أؤكد لكم بأنه لم نترك أي مادة في الشريعة يمكن ضمها إلى هذا التشريع من دون أن نقوم بذلك. واقتبسنا من الشريعة كلما أمكن ذلك وبقدر المستطاع مع وضع مباديء التشريع المعاصر في الاعتبار، كما لم يكن هنالك أي تقصير من جانبنا في هذا المقام”(39).
وتجدر الإشارة إلى أنّ العديد من مواد قانون المعاملات المدنية الذي أصدره الرئيس الأسبق جعفر نميري في عام 1984م قد اقتبست من القوانين المدنية لمصر والعراق والأردن(40). وكان قانون الإجراءات الجنائية الذي صدر ضمن قوانين سبتمبر 1983م “مجرد إعادة صياغة قانونية لكل قانون الإجراءات الجنائية الوضعي السابق”(41).
لذلك، فإنه ليس صحيحاً أنّ تضمين بعض المواد التي يعود مصدرها إلى القوانين الإسلاميّة كجزء من التراث الضخم للقانون العام السوداني المتراكم منذ بداية القرن العشرين يقود ضرورة إلى أن تكون الدولة في الفترة الانتقالية دولة دينية خاصة بعد أن تمّ الإتفاق في بروتوكول مشاكوس على أنّ ترتكز الدولة في هذه الفترة على أسس الدولة العلمانية المعتدلة التي تتمثل في تمتع جميع المواطنين بحقوق المواطنة بدون تمييز وحرية الأديان. ولا يعني ذلك أيضاً تطبيق القوانين الإسلامية على غير المسلمين والتمييز الديني ضدهم. ويتضح ذلك عندما بدأ أطراف النزاع في التفاوض حول مسألة تطبيق القوانين الإسلاميّة على غير المسلمين ومطالبة الحركة الشعبية بإعفاء غير المسلمين من القوانين الجنائية الإسلاميّة لكيلا يعانوا من التمييز الديني وانتهاك حرياتهم الدينية. فتمّ الاتفاق حول هذه القضية في بروتوكول اقتسام السلطة حيث نصت المادة 5.4..4 : 2 “الاجتهاد القضائي في المحاكم لفرض عقوبات على غير المسلمين سوف يراعي مباديء الشريعة القائلة أن غير المسلمين ليسوا معرضين للعقوبات التي تسري على المسلمين وعلى ذلك فإن عقوبات مخففة سوف تطبق”(42). ونصت المادة 2..5 . 2:4. “السلوك المبني على ممارسات وعادات ثقافية الذي لا يسبب ازعاجاً للنظام العام أو لا يزدري عادات أخرى أو يتجاهل القانون سوف يعتبره القانون ممارسة شخصية”(43). وتستدعي حقيقة استقرار العديد من مواطني الإقليم الجنوبي غير المسلمين في جميع أرجاء السودان تعميم النص الذي لا يفرض عليهم العقوبات الإسلامية في العاصمة إلى كل ولايات السودان لكي يتمتعوا بحرية الأديان التي كفلتها بروتوكولات السلام لكل المواطنين بدون تمييز(44).
وتجدر الإشارة إلى أنّ مبدأ استثناء الاقليات الدينية من قوانين عامة تسري على جميع المواطنين لأسباب دينية قد بدأ تطبيقه في الولايات المتحدة الأمريكية منذ أواخر القرن الثامن عشر وذلك عندما تمّ إعفاء الكويكرز من أداء اليمين في المحاكم والخدمة في الجيش حسبما يقتضيه مذهبهم الديني وإعفاء المعمدانيين والكويكرز وغيرهم من الطوائف المنشقة من دفع الضرائب إلى الكنائس الرسمية (التي كانت موجودة في بعض الولايات) لدعم القساوسة وإعاشتهم (45). وقررت المحكمة العليا الأمريكية في عام 1972م في قضية ولاية ويسكونسين ضد يودر استثناء طائفة الأيمش الدينية Amish من القانون الذي يلزم كل الأطفال بالانتظام في المدارس حتى سن السادسة عشر بعد اعتراض أعضاء هذه الطائفة بأنهم يحتاجون إلى مكث أبنائهم في سن الرابعة عشر والخامسة عشر في المنزل والعمل في المزرعة لكب تتم حماية ثقافتهم الدينية التقليدية(46). ودرج الاستعمار الإنجليزي على تطبيق قانون العقوبات الإسلاميّ على المسلمين في شمال نيجيريا بينما يتم في نفس الوقت تطبيق القانون الجنائي الوضعي على غير المسلمين الذين يقطنون في نفس الإقليم(47).
حسم بروتوكول مشاكوس المباديء التي يجب أن تحكم الترتيبات الدستورية للفترة الانتقالية وأكدّ ضرورة ارتكازها على أسس الدولة العلمانية المعتدلة التي تتجسد في عناصر المواطنة، حرية الأديان ومواءمة الدين مع شؤون الدولة. وحدد بروتوكول اقتسام السلطة المؤسسات التي يجب أن يقوم عليها نظام الحكم الديمقراطي في الفترة الانتقالية مثل الانتخابات الحرة وحرية التعبير وإشراف الأجهزة التشريعية على أداء الحكومة ووجود الأحزاب المستقلة وحقوق المواطنة(48). كما حددت اتفاقيات السلام المعالم العامة لدستور الفترة الانتقالية مثل تكوين الجهاز التشريعي من مجلسين أحدهما مجلس قومي للنواب والآخر مجلس للولايات، ومادة دستورية لضمان حقوق الإنسان والحريات الأساسية Bill of Rights ومحكمة دستورية لتحديد توافق القوانين مع الدستور وتكوين مؤسسات قومية مستقلة مثل مفوضية لحقوق الإنسان ومفوضية الخدمة المدنية(49).
وسنناقش فيما يلي بعض القضايا الدستورية التي نرى أهمية إدراجها في دستور الفترة الانتقالية لدورها المحوري في تحقيق الاستقرار للتجربة الديمقراطية المرتقبة وتأمين قيّم المواطنة المستوعبة Inclusive citizenship وحرية الأديان وسيادة حكم القانون ولكي يتم تقليص العوامل التي تساهم في إضعاف الديمقراطية إلى أدنى حد ممكن(50).
منع استغلال الدين لأغراض سياسية
تعتبر مسألة استغلال الدين لأغراض سياسية ضيقة وإقحامه في النشاط السياسي لإثارة الفتنة والكراهية من المشاكل الرئيسة التي تواجهها الدولة العلمانية المعتدلة الديمقراطية. فكما هو معروف فإن الدولة العلمانية الديمقراطية تسمح للأحزاب التي لها توجه ديني بالمشاركة السياسية واستخدام الخطاب الديني بحكم الحريات الأساسية التي يكفلها نظام الحكم الديمقراطي. ويتضح ذلك في الحملة الانتخابية للقسيس جيسي جاكسون عندما ترشح لانتخابات الرئاسة الأمريكية في عامي 1984 و1988م والقسيس بات روبرتسون الذي رشحته منظمات الكنيسة الإيفنجلية للانتخابات الرئاسية في عام 1988م. وتعتبر السياسة مجالاً مستقلاً بذاتها، ولها قواعد وأحكام لتنظيم المنافسة بين الأحزاب في سعيها للوصول إلى الحكم. وكما قال ويليام زارتمان “يشير منطق التعايش بين المجالين بإمكانية قبول الدين في إطار المجال السياسي إذا لم يتم فرضه جماعياً على الآخرين وذلك بنفس الطريقة التي يتم بها قبول السياسة في المجال الديني إذا ما وفرت النظام لحماية الحقوق الفردية ولم تفرض معتقدات جماعية في مسألة العلاقة بين الرب ومخلوقاته”(51).
ويمكن توظيف الدين بطريقة إيجابية وبناءة في النشاط السياسي بمثلما يمكن استغلاله لأهداف أنانيّة لتحقيق منفعة سياسية عاجلة قد تؤدي إلى إثارة الفتن وتهديد وجود النظام الديمقراطي. وتميّزت معظم الخطب السياسية للرئيس الأمريكي الأسبق إبراهام لنكولن في فترة الحرب الأهلية بالإيحاءات والتعابير الدينية وتحدث عن نظام العبودية الذي تسبب في الحرب الأهلية كمعصية قومية وطالب المواطنين بإقامة يوم للصيام والتواضع يعترفون فيه بذنوبهم وجرائمهم(52). ومن الأمثلة المعاصرة للتوظيف الإيجابي للدين في النشاط السياسي قيادة القسيس مارتن لوثر كينج لحركة الحقوق المدنية في ستينيات القرن العشرين من أجل القضاء على الظلم والتمييز العنصري الذي كان يعاني منه الأفارقة الأمريكان في ذلك الوقت. فحثّ قومه في الخطبة التي ألقاها في مدينة مونتجمري المعروفة بمسيرة الرب God is Marching “بالزحف إلى صناديق الاقتراع حتى نرسل رجالنا الذين لا يخشون إقامة العدل ويحبون الرحمة ويسيرون بتواضع مع ربهم لتمثيلنا في مجالس المدن والمجالس التشريعية الولائية والكونغرس الأمريكي”(53). ووصف بروفسور ستيفن كارتر خطبة مارتن لوثر الشهيرة “لدي حلم” التي ألقاها أمام نصب لنكولن التذكاري في عام 1963م بقوله: “كانت أعظم خطبة سياسية في عصرنا في واقع الأمر موعظة دينية مليئة بالإشارات إلى أبناء الله. وكان من الممكن القاؤها في منبر الكنيسة بدون تغيير … فكما قال كنج بنفسه إنه قد اقتبس السطر الذي اختتم به الخطبة” الحرية أخيراً، الحرية أخيراً فشكراً لله سبحانه وتعالى أننا أحرار في آخر الأمر” من الترانيم الدينية القديمة للزنوج” (54).
ولا يؤدي التوظيف الايجابي للدين في النشاط السياسي في المجتمعات الغربية إلى الفتن والاضطرابات بسبب لجوء الأحزاب ذات التوجه الديني إلى الطرق الدستورية لتحقيق برامجهم والتزامهم بقواعد وأحكام النظام الديمقراطي. فكما قال بروفسور زارتمان “من المهم الإشارة إلى أنّ الديمقراطية تفسح المجال للأحزاب العقائدية التي تعتمد على العقيدة الجامدة dogma لدخول معترك السياسة ومحاولة الحصول على التأييد لبرامجها وسياساتها شريطة أن تترك طبيعتها الدوغمائية dogmatic عند الباب وتهييء نفسها للمحاسبة والمحاولات المتكررة لإثبات صحة مشروعها”(55).
وتقدم الهند العديد من الأمثلة للتوظيف السلبي للدين الذي يؤدي إلى الفتن والاضطرابات وتهديد مكتسبات حقوق المواطنة والمساواة وحرية الأديان التي كفلتها الدولة لجميع المواطنين بدون تمييز. فاعتمد حزب جاناتا الهندي BTP على استغلال العاطفة الدينية لدى الهندوس لكسب المزيد من أصوات الناخبين وذلك بمطالبته بوضع مميز للديانة الهندوسية على باقي الأديان وجعلها هوية للبلاد بدلاً من المواطنة. ونجح هذا الحزب الأصولي الديني في زيادة عدد مقاعده البرلمانية من اثنين في عام 1984م إلى 88 مقعد في الانتخابات القومية لعام 1989م، وتحالف مع حزب الجبهة القومية الذي يعتمد على ولاء الطبقة الدنيا من الهندوس لتشكيل الحكومة القومية بعد فشل حزب المؤتمر من نيل أغلبية المقاعد البرلمانية(56). وعندما لم يتمكن حزب المؤتمر من تشكيل الحكومة الاتحادية بعد فوزه في الانتخابات القومية التي عقدت في يونيو 1991م، حاول حزب جاناتا استعادة ثقة الناخبين باستغلال الدين وتحريض زعمائه للهندوس في خطبهم السياسية في مختلف الولايات للمشاركة في تهديم مسجد بابري في ولاية أوتار براديش التي كان يحكمها حزبهم. ودفعت هذه الحملة التحريضية جماهيراً غفيرة من الهندوس المتزمتين للهجوم على مسجد بابري بمدينة أيوديا في 6 ديسمبر 1992م وتهديمه في ساعات قليلة مما أدى إلى نشوب حوادث العنف الطائفية بين الهندوس والمسلمين في معظم ولايات الهند والتي كان نتيجتها وفاة 2000 مواطن من الهندوس والمسلمين(57).
ولم يتورع حزب المؤتمر من استغلال الدين لأغراض سياسية عندما طالب حزب أكالي دال السيخي بمنح الحكم الذاتي لإقليم البنجاب في ثمانينيات القرن الماضي. فحاولت رئيسة الوزراء أنديرا غاندي إضعاف شعبية حزب أكالي دال في الإقليم بتشجيع المنافس الرئيس له وسط السيخ وهو الواعظ الأصولي السيخي سنج بندرانوال. وسرعان ما انفلت بندرانوال من سيطرة أنديرا غاندي عندما بدأ أنصاره في شن هجمات إرهابية ضد الهندوس في البنجاب حسب توجيهاته من المعبد الذهبي في امريستار. واضطر الجيش الهندي إلى اقتحام المعبد الذهبي في 5 يونيو 1984م وتمّ قتل ألف شخص من السيخ من ضمنهم زعيمهم بندرانوال. وكانت إحدى نتائج هذه الأحداث اغتيال رئيسة الوزراء أنديرا غاندي فى 31 أكتوبر 1984م بواسطة أحد أفراد حرسها الخاص الذي ينتمي إلى طائفة السيخ(58).
أما في السودان، ففد أدرك أعضاء لجنة وضع مسودة دستور الحكم الذاتي خطورة استغلال الدين لأغراض سياسية وتهديده لاستقرار نظام الحكم الديمقراطي، فاقترحوا في المادة (1) فقرة (2) من مسودة الدستور “يمنع استغلال الدين لأي أغراض سياسية وأي عمل يقصد به أو يحتمل أن يقصد به إنماء الكراهية أو الخلاف بين الجاليات والطوائف العنصرية أو الدينية أو يتناقض مع هذا الدستور يجوز أن يقع تحت طائلة عقاب القانون”(59). ولم تضمن هذه الفقرة في الدستور الذي أجازته الجمعية التشريعية في عام 1952م. وأثبتت الأحداث حكمة الأعضاء وبعد نظرهم الذين تقدموا باقتراح تضمين المادة في الدستور وذلك بعد أن أصبح التوظيف السلبي للدين في النشاط السياسي من أهمّ التحديات لمباديء المواطنة وحرية الأديان التي كفلها دستور السودان المؤقت لعام 1956م.
وحاول الإخوان المسلمون عبر تنظيم الجبهة الإسلامية للدستور الضغط على اللجنة القومية لوضع الدستور الدائم لتبني الدستور الإسلامي وتأسيس الدولة الدينية التي تعتبر الإسلام الهوية الرسمية للبلاد بدلاً عن المواطنة. واضطر عضو اللجنة القومية للدستور الأستاذ عبد الوهاب محمد إلى القول في إحدى جلسات اللجنة القومية للدستور “إنّ بعض الصحف تكتب مقالات مليئة بالتهم والسباب واتهمت أعضاء اللجنة بالخروج عن الدين، وقال إننا كلما اجتمعنا لنضع أو نقرر شيئًا نهدد بالاتجاهات الشعبية، وطالب بعدم الخضوع للتهديد”(60).
وتمّ استغلال الدين لأغراض سياسية من أجل إقصاء الخصوم السياسيين في العهد الديمقراطي الثاني (1965 – 1969م) . فعندما أساء طالب شيوعي إلى الإسلام في ندوة عقدت بمعهد المعلمين العالي في نوفمبر 1965م، نظمت جبهة الميثاق الإسلامي عدة مظاهرات في العاصمة تطالب بحل الحزب الشيوعي. واستجابت الحكومة بإجازة قانون في الجمعية التأسيسية بنص على حظر نشاط الحزب الشيوعي وطرد النواب الذين ينتمون إليه من البرلمان(61). وأدى تجاهل الحكومة لحكم المحكمة العليا القاضي ببطلان قرار حل الحزب الشيوعي وعدم دستوريته إلى يأس الأخير من الديمقراطية ومشاركته في تدبير الانقلاب العسكري الذي أطاح بنظام الحكم الديمقراطي في 25 مايو 1969م. وكما قال د. منصور خالد “لا يستطيع أحد أن ينكر، مثلاً، أن هناك علاقة سببية بين حل الحزب الشيوعي ومعاضدة ذلك الحزب لانقلاب مايو، ولا يستطيع أحد أن ينكر أن هناك صلة مباشرة بين استقالة رئيس القضاء بابكر عوض الله احتجاجاً على موقف الحكومة (حكومة المحجوب) ومجلس السيادة من الهيئة القضائية عقب الحكم الذي أصدرته المحكمة العليا تدين فيه قانونياً طرد النواب الشيوعيين وبين قبول ذلك الرجل … أن يصبح نائباً للرئيس في حكم انقلابي”(62). وأصدر اتحاد طلاب جامعة الخرطوم بيانًا عن حل الحزب الشيوعي جاء فيه “لقد استطاعت بعض العناصر التي تقف ضد التطور الديمقراطي لبلادنا أن تتسلل خلف شعار الدفاع عن الدين وتستغل هذا الحادث الفردي لا لشيء إلا لضرب الديمقراطية وتصفيتها. إننا نؤمن إيماناً جازماً بأن الزج باسم الدين هو إساءة لمعتقداتنا لأنها تجعل من الدين مطية للأهواء والمطامع السياسية المنحرفة”(63).
واتسم معظم نشاط الجبهة الإسلامية القومية في الفترة الثالثة للحكم الديمقراطي باستغلال العاطفة الدينية للمواطنين وتحريضهم لمعارضة أي توجه للتفاوض مع الحركة الشعبية بدعوى أن السلام سيؤدي إلى إلغاء الشريعة وطمس الهوية الإسلامية العربية للسودان. ودفعها التوظيف السلبي للدين الذي أدى إلى غياب الاستقرار السياسي، إلى التفكير جدياً في خرق قواعد اللعبة الديمقراطية لكي تصل إلى الحكم وتقوم بتنفيذ مشروعها السياسي. وتمّ ذلك بالفعل عندما استولت على السلطة بالقوة عن طريق الانقلاب العسكري الذي أطاح بالنظام الديمقراطي في 30 يونيو 1989م. ومن المتوقع أن تقوم الحركات الإسلامية المتطرفة التي تناهض مباديء حقوق المواطنة والتسامح الديني باستغلال الدين لعرقلة تنفيذ إتفاقية السلام وإجهاض التجربة الديمقراطية فى الفترة الإنتقالية. ومما يشير إلى احتمال حدوث هذا التوقع البيان الذي أصدره مجلس الشورى للإخوان المسلمين مؤخراً الذي يعتقد “بأن اتفاق نيفاشا الذي تمّ برعاية أمريكا وأوروبا الصليبية هي بمثابة تسليم مفاتيح القلعة للمتمردين … وأن على أهل السودان أن يهيئوا أنفسهم ليحكمهم زنجي مسيحي”(64). لذلك نرى ضرورة تضمين مادة في دستور الفترة الانتقالية تنص على منع الاستغلال السياسي للأديان بغرض إثارة الكراهية والفتن وذلك حتى تتجنب البلاد حوادث العنف الديني مثلما حدث في الهند وفي نيجيريا في عهد الرئيس الأسبق الحاج شيهو شاقاري في ثمانينيات القرن الماضي(65).
تبني النظام الرئاسي وفصل السلطات
كان عجز الأحزاب الرئيسية في الحصول على أغلبية المقاعد البرلمانية في الانتخابات التي عقدت بموجب دستور السودان المؤقت لعام 1956م في مارس 1958م ويونيو 1965م وأبريل 1968م واضطرار الحزب الذي نال أغلبية المقاعد للدخول في ائتلافات مهزوزة مع باقي الأحزاب لتشكيل الحكومة، أحد الأسباب الرئيسية التي أضعفت نظم الحكم الديمقراطية وساهمت في القضاء عليها في الأعوام 1958م، 1969م، 1989م. وكانت انتخابات نوفمبر 1953م التي عقدت بمقتضى اتفاقية ودستور الحكم الذاتي هي الوحيدة التي فاز فيها أحد الأحزاب بالأغلبية البرلمانية وذلك عندما نال الحزب الوطني الاتحادي أغلبية المقاعد البرلمانية (53 مقعد من مجموع المقاعد البالغ عددها 98 مقعد). وتعكس حقيقة عدم استطاعة الأحزاب نيل الأغلبية البرلمانية، ودور ذلك في التغيير السريع للحكومات الذي نجم عنه عدم الاستقرار السياسي، عدم ملاءمة النظام البرلماني لظروف السودان في هذا الشأن الأمر الذي يقتضي البحث عن صيغة دستورية بديلة تضمن استقرار النظام الديمقراطي في الفترة القادمة.
قال رئيس الوزراء الأسبق محمد أحمد محجوب في وصيته السياسية إنّ أفضل نظام سياسي للسودان هو ذلك الذي يجمع بين النظام الرئاسي والنظام البرلماني حيث يتم انتخاب الرئيس في جلسة مشتركة بين المجالس الإقليمية والبرلمان المركزي ليحكم فترة خمس سنوات قابلة للتجديد لفترة واحدة فقط(66). ويشبه هذا الاقتراح نظام الحكم في دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة الذي يمزج بين النظامين الرئاسي والبرلماني ويمنح رئيس الجمهورية سلطات واسعة مثل حل البرلمان وعقد استفتاء وتعيين رئيس الوزراء من بين أعضاء الحزب الذي نال أغلبية مقاعد البرلمان. ويلزم الدستور الوزراء بالاستقالة من عضويتهم البرلمانية بمجرد قبولهم المناصب الوزارية. وأشار د. فيكتور ليفين إلى أن النفوذ الطاغي للرئيس في النموذج الفرنسي قد ساهم في بروز نزعة الزعامة المركزية القوية لدى القادة الأفارقة وأدى “إلى تأسيس شكل من الرئاسة أكثر سلطانًا ونفوذاً من النموذج الديجولي. وتمّ بحلول عام 1963م تأسيس تسعة نظم رئاسية ذات نفوذ قوي من بين الدول الفرانكفونية البالغ عددها عشرة.” (67).
وسيؤدي تبني النموذج الفرنسي كنظام للحكم في السودان إلى عدم الاستقرار السياسي في حالة عدم حصول الحزب الذي ينتمي له رئيس الجمهورية على أغلبية المقاعد البرلمانية. وسيضطر رئيس الجمهورية في هذه الحالة إلى تعيين رئيس الوزراء من بين أعضاء الحزب الذي نال أغلبية المقاعد البرلمانية ويعارض البرنامج السياسي لرئيس الجمهورية وحزبه مما قد يؤدي إلى بروز العديد من الأزمات السياسية التي تقود إلى عدم الاستقرار. وقد حدث ذلك بالفعل في الانتخابات التي تمت في فرنسا في عام 1986م عندما فاز تحالف أحزاب المحافظين UDF & RPR بالأغلبية البرلمانية واضطر رئيس الجمهورية ميتران زعيم الحزب الاشتراكي إلى تعيين زعم المحافظين جاك شيراك كرئيس للوزراء(68). كما يمكن ظهور الأزمات وعدم الاستقرار السياسي إذا ما تمّ تطبيق النموذج الفرنسي في السودان حتى ولو تمّ تعيين رئيس وأعضاء مجلس الوزراء من بين الشخصيات القومية والمستقلة وذلك بسبب عدم تمتعهم بثقة حزب الأغلبية البرلمانية ومواجهتهم الصعوبات في تنفيذ البرامج والمشاريع التي يرغبون في تنفيذها.
ونقترح تبني النظام الرئاسي الأمريكي في دستور السودان القادم لاحتوائه على بعض المزايا والخصائص الهامة التي يفتقرها النظام البرلماني الذي اعتمدت عليه التجارب الديمقراطية السابقة. ومن أبرز هذه المزايا القيود الإجرائية التي يفرضها الدستور الرئاسي على الحكومة عن طريق الفصل الوظيفي بين السلطات بين أجهزة الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية والتقسيم المكاني أو الإقليمي للسلطات الذي يتجسد في نظام الحكم الفدرالي. وقد كان من عيوب النظام البرلماني السابق في السودان الاندماج بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وذلك بسبب تشكيل الحزب الذي يفوز بأغلبية مقاعد البرلمان للحكومة التي تعتبر السلطة التنفيذية للدولة بينما يحتفظ رئيس الوزراء والوزراء بمقاعدهم في البرلمان وأداء مهام التشريع الأمر الذي ينجم عنه زوال الفواصل بين السلطات. وأشار بروفسور كارل فردريك أن الظروف الخاصة بالمجتمع البريطاني والنمو البطيء للحزبين الرئيسيين منذ الثورة المجيدة وتداولهما المنتظم للحكم وأداء السلطات التنفيذية والتشريعية الواسعة قد خلق نوعاً من التقاليد الارستقراطية التي ساهمت في نجاح هذه التجربة(69). وعزا فشل النظم الأوروبية التي حاولت تقليد النموذج البريطاني إلى “غياب الأساس الارستقراطي التقليدي للنظام البرلماني الإنجليزي”(70).
وأدى غياب مبدأ الفصل بين السلطات في الفترة الثانية للحكم الديمقراطي إلى تجاهل الحكومة للنهج الديمقراطي وذلك باستغلال سلطة التشريع بإجازة قانون لحظر نشاط الحزب الشيوعي في نوفمبر 1965م وتنفيذه بطرد أعضائه من البرلمان وعدم الالتزام بالحكم الذي أصدرته المحكمة العليا القاضي بعدم دستورية القانون. وتعتبر فكرة الفصل بين السلطات “أهمّ مساهمة أمريكية لفن الحكم”(71). وتبني الآباء المؤسسون مبدأ الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية لاعتقادهم بأن تركيز السلطات في جهاز حكومي واحد “ومنح الأشخاص الذين يقومون بإدارة كل جهاز الوسائل الدستورية الضرورية والدوافع الشخصية لمقاومة تغول الآخرين .. إذ يجب مواجهة الطموح بطموح مضاد له”(72).
ويترتب عن مبدأ الفصل الدستوري بين السلطات وجود مبدأ الكبح والتوازن Check and balance الذي يتمثل في سماح الدستور لأحد السلطات بالمشاركة أو التدخل في مهام وصلاحيات سلطة أخرى وذلك لمنع استبداد تلك السلطة بالوظيفة المخصصة لها. لذلك نجد أن الدستور الأمريكي يسمح للرئيس بالتدخل في العملية التشريعية وذلك بمنحه حق الفيتو أو النقض لأي قانون يصدره الكونغرس والذي لن يصبح قانونًا نافذ المفعول إلا بعد إجازته بأغلبية الثلثين في مجلسي النواب والشيوخ(73). ويتيح الدستور الأمريكي للرئيس حق التوصية بتشريعات يقدمها إلى الكونغرس والمشاركة بذلك في إصدار القوانين(74). ويحق للكونغرس التدخل في الشؤون الخارجية وعقد المعاهدات الدولية التي تعتبر من صلاحيات الرئيس أو السلطة التنفيذية. ومن أمثلة ذلك رفض الكونغرس لاتفاقية فرسايل ومعاهدة عصبة الأمم التي عقدها الرئيس الأمريكي الأسبق ويلسون مع الدول الأوروبية في ديسمبر 1919م(75). ويساهم مبدأ الكبح والتوازن في لجوء الأشخاص الذين يديرون أجهزة الحكم إلى سياسة التراضي وتقديم التنازلات المشتركة الأمر الذي يساعد في تسهيل عملية سير الأداء الحكومي وضمان الاستقرار السياسي.
وينبغي بعد تأكيد مبدأ فصل السلطات أن يحدد الدستور وظائف وصلاحيات الأجهزة التنفيذية والتشريعية والقضائية والجوانب التي يحق فيها لسلطة من سلطات الدولة التدخل أو المشاركة في وظائف السلطة الأخرى من أجل تحقيق مبدأ الكبح والتوازن كما هو موجود في الدستور الأمريكي. فيتم مثلاً تحديد المواضيع التي يمكن للمجلس التشريعي الفدرالي إصدار قوانين بشأنها وذلك حتى يمكن للمجالس التشريعية للولايات حق إصدار القوانين في المواضيع التي لم يحددها الدستور لمجلس النواب الاتحادي. وسيترتب على تطبيق الفدرالية، التي تعتبر جزءاً مكملاً للنظام الرئاسي الذي يفصل بين السلطات، ضرورة منح السلطة القضائية صلاحية الفصل في النزاعات التي قد تظهر بين السلطة التنفيذية أو المجالس التشريعية للولايات حول القوانين التي يصدرها مجلس النواب الاتحادي وتحديد ما إذا كانت تتوافق مع الدستور. وتجدر الإشارة إلى أن القوانين التي يصدرها الجهاز التشريعي في نظام وستمينستر البرلماني لا تقبل المراجعة أو المساءلة من أي جهة عملاً بمبدأ السلطة العليا للبرلمان Supremacy of the parliament التي يعود أصلها إلى نظرية فرانسيز بيكون القائلة بأن “القانون الإنجليزي ضارب الجذور في القانون الطبيعي”(76).
وفيما يختص بكيفية انتخاب الرئيس، تبني الدستور الانتقالي صيغة انتخابه بواسطة التصويت الشعبي المباشر واستبعد طريقة انتخابه بواسطة كلية انتخابية Electoral college تتكون من ممثلي الولايات المتحدة كما هو منصوص عليه في الدستور الأمريكي وهي الطريقة التي اقترحها رئيس الوزراء الأسبق محمد أحمد محجوب لانتخاب الرئيس كما ذكر في وصيته السياسية لمستقبل السودان السياسي(77). إذ قد يؤدي انتخاب الرئيس بواسطة الكلية الانتخابية إلى نتيجة غير ديمقراطية وذلك بأن تنتخب الكلية الانتخابية للرئاسة المرشح الذي لم ينل أغلبية أصوات الناخبين مما يعني عدم تولي المرشح الذي نال أغلبية الأصوات الشعبية لمنصب رئيس الجمهورية(78). وفي حالة عدم حصول أي من المرشحين لرئاسة الجمهورية على أكثر من 50% من التصويت الشعبي، يتم إعادة الأنتخابات بعد فترة وجيزة بين المرشحين اللذين نالا أعلى نسبة من أصوات الناخبين(79). ويستحسن تبني صيغة النظام الانتخابي لرئاسة الجمهورية في دستور نيجيريا لعام 1979م والتي تشترط حصول الرئيس المنتخب على أغلبية التصويت الشعبي بالإضافة إلى حصوله على ما لا يقل عن 25% من أصوات الناخبين في2/3 الولايات(80). وإذا لم يتم إنتخاب أي مرشح في الجولة الأولى من الإنتخابات، تحصر الجولة الثانية للانتخابات بين المرشح الذي نال الأغلبية في التصويت الشعبي والمرشح الذي تحصل على نسبة 25% من أصوات الناخبين في 2/3 الولايات(81).ومن مزايا هذه الصيغة ترسيخ الأحزاب القومية التي تشمل عضويتها كل المجموعات الإثنية في البلاد وتعزيز الوحدة الوطنية.
ونقترح تحديد فترة حكم الرئيس المنتخب لمدة أربع سنوات والسماح له بترشيح نفسه لانتخابات الرئاسة لفترة ثانية ولمدة واحدة فقط. ومن النتائج الايجابية لتبني النظام الرئاسي ومبدأ الفصل بين السلطات عدم تعرض حكومة الرئيس للسقوط بسبب طرح البرلمان لصوت عدم الثقة فيها كما هو معمول به في النظام البرلماني مما يعني استمرار حكم الرئيس المنتخب طوال الفترة المنصوص عليها في الدستور. وتتمتع حكومة الرئيس نتيجة لذلك بفترة كافية من الاستقرار السياسي حتى لو لم يفلح الحزب الذي ينتمي إليه رئيس الجمهورية من نيل أغلبية المقاعد في مجلس النواب. الأمر الذي يمكن الرئيس من إنجاز مشاريعه وبرامجه السياسية.
وأصاب الدستور الانتقالي بتبنيه الصيغة الدستورية الأمريكية لمحاسبة الرئيس والتي تمنح مجلس النواب حق اتهامه بالتقصير Impeachment إذا ما ارتكب جريمة الخيانة أو الرشوة وعزله من منصبه إذا ما تمت إدانته بعد محاكمته في مجلس الشيوخ(82). وتوجد في النظام الرئاسي إمكانيات هائلة لتعزيز التماسك القومي للسودان خاصة عندما تصير كل البلاد دائرة انتخابية واحدة لانتخاب الرئيس الأمر الذي يجعل من الرئاسة مؤسسة ذات قاعدة عريضة تتجاوز الولاءات الحزبية والطائفية، وسينظر الشعب إلى الرئيس الذي تمّ انتخابه بأغلبية أصوات الناخبين في كل أنحاء القطر كرمز لتطلعاتهم القومية ويتوقعون منه أن يتسامى فوق الخلافات الحزبية والسياسية الضيقة(83). ولا يسمح مبدأ فصل السلطات بأن يكون الوزراء الذين يمثلون السلطة التنفيذية أعضاء في مجلس النواب (السلطة التشريعية) الأمر الذي يتيح للرئيس حرية اختيار وزرائه من التكنوقراط والشخصيات القومية الذين ليس لهم انتماءات حزبية ويأتون من مختلف ولايات القطر والقوى الاجتماعية. وذكر رئيس الوزراء الأسبق محمد أحمد محجوب أنّ حكومته الائتلافية لم تعمر طويلاً “لأنّ أحزاب الحكومة الائتلافية لم يمنحوه كرئيس للوزراء الحرية الكاملة لاختيار الوزراء وإنما قدموا له قائمة من الأسماء ليختار منها وزراء حكومته”(84).
الحكم الفدرالي: يعتبر الشعور القومي الطاغي الذي يضع كل اهتمامه في حفظ وحدة وتماسك القطر أحد العوامل الأساسية التي تدفع بعض البلدان إلى تأخير أو عرقلة منح الأقاليم المكونة لها أي نوع من الحكم اللامركزي أو الفدرالي وذلك مثل بريطانيا التي لم تمنح أقاليم أسكوتلندا وويلز الحكم اللامركزي إلا في العقد الأخير من القرن العشرين(85). وكان هذا العامل أيضاً السبب في تباطؤ النخبة الحاكمة للسودان بعد الاستقلال في منح سكان الإقليم الجنوبي الحكم الفدرالي الذي كانوا يطالبون به. وبدأت أول تجربة لتطبيق الحكم اللامركزي في السودان في عهد الرئيس الأسبق جعفر نميري بعد أن تمّ منح الإقليم الجنوبي الحكم الذاتي بموجب اتفاقية أديس أبابا وتطبيق الفدرالية في إطار الحكم الشمولي على بقية الأقاليم بعد إصدار قانون الحكم الإقليمي لعام 1980م، والذي قسمت البلاد بموجبه إلى خمسة أقاليم: الشرقي والشمالي والجزيرة وكردفان ودارفور.
وقرر نظام الانقاذ العسكري التوسع في تجربة الحكم الفدرالي عندما تمّ إصدار المرسوم الدستوري رقم (10) في أول فبراير 1994م الذي تمّ بمقتضاه تقسيم الأقاليم التسعة إلى (26) ولاية، (16) منها في الشمال، و(10) ولايات في الجنوب(86). وتقوم الحكومة المركزية بتعيين حكام ووزراء الولايات، كما تقتصر عضوية المجالس التشريعية للولايات على الأشخاص الذين يؤيدون حزب الحكومة باعتباره الحزب الوحيد المسموح له بالنشاط السياسي.
أتاح بروتوكول اقتسام السلطة الفرصة لإعادة صياغة نظام الحكم الفدرالي في السودان على أسس الديمقراطية، إذ نصت مبادؤه على ضرورة الالتزام بالحكم الديمقراطي وسيادة حكم القانون وإجراء انتخابات حرة في كل مستويات الحكم تعتمد على التعددية الحزبية(87). ونصت الاتفاقية في الجداول المرفقة على سلطات وصلاحيات الحكومة الفدرالية وسلطات حكومة جنوب السودان وسلطات الولايات. فتمّ تحديد (38) سلطة للحكومة الفدرالية من بينها الدفاع القومي، الشؤون الخارجية، الجنسية، البنك المركزي، الضرائب القومية وجميع الإيرادات القومية(88). وحدد جدول D من الاتفاقية السلطات المتطابقة التي تتمتع بها مستويات الحكم المختلفة وذلك مثل التعليم الثانوي والسياسة التعليمية والصحية والتجارة والتنمية الصناعية والإعلام والاتصالات(89). ونعتقد أنه من الأفضل في هذا السياق أن ينص في المواد الخاصة بالنظام الفدرالي في الدستور القادم على سيادة وأولوية القانون الفدرالي في حالة ظهور نزاع بينه وبين ممارسة أحد مستويات الحكم لإحدى السلطات المنصوص عليها في قائمة السلطات المتطابقة. كما يجب النظر في مدى أهمية منح الحكومة الفدرالية سلطات طواريء تستخدم عند الضرورة القصوى لإصدار تشريعات في مسائل تدخل في صميم سلطات الولايات.
ونرى أهمية التفكير في تقليص العدد الحالي للولايات ليكون مجموعها (18) ولاية وذلك بتخفيض عدد ولايات الشمال إلى (12) ولاية هي البحر الأحمر، كسلا، الشمالية، نهر النيل، الخرطوم، شمال كردفان، جنوب كردفان، شمال دارفور، جنوب دارفور، الجزيرة، النيل الأزرق، النيل الأبيض وتخفيض عدد ولايات الجنوب إلى ستة ولايات هي شرق الإستوائية، غرب الإستوائية، شمال بحر الغزال، غرب بحر الغزال، أعالي النيل، بحر الجبل. ويساهم تخفيض عدد الولايات في التخفيف من حدة التوترات القبلية التي بدأت تظهر مؤخراً ويحتمل استفحالها في فترة التحول الديمقراطي المرتقب. فعادةً ما تؤدي كثرة عدد الولايات وصغر مساحتها إلى أن تكون الأغلبية العددية في الولاية الواحدة لمجموعة إثنية معينة مما قد يغريها بالهيمنة والتمييز ضد المجموعات الأخرى في الولاية، بينما ينجم عن تخفيض عدد الولايات توسيع مساحة الولاية الجديدة ونشوء توازن سكاني للمجموعات الإثنية التي تسكن فيها مما يبعد شبخ هيمنة مجموعة أو مجموعتين إثنيتين على باقي المجموعات الأخرى كما هو الأمر في الولاية الصغيرة المساحة.
وتظهر أهمية هذا العامل في مناخ الحكم الديمقراطي والتعددية الحزبية، إذ تؤدي كثرة عدد الولايات إلى ظهور العديد من الأحزاب ذات التوجه الإثني التي تستخدم الخطاب التحريضي المثير للفتن كوسيلة للسيطرة على الجهاز التنفيذي والمجلس التشريعي للولاية، وتكون نتيجة ذلك إضعاف نفوذ الأحزاب القومية الكبرى التي كلما قلّ عددها وانحصرت في ثلاثة أو أربعة أحزاب رئيسة زادت فرصة نجاح وبقاء النظام الديمقراطي وارتكازه على الأحزاب القومية التوجه. وأشار بروفسور هوروتيز إلى حدوث هذا النمط في نيجيريا بعد توسيع نظام الحكم الفدرالي وزيادة عدد الولايات في فترة الحكم العسكري الثانية (1974 – 1979م)، فكان أكبر الأحزاب في الإقليم الشمالي مثلاً هو حزب مؤتمر الشعب الشمالي (NPC) الذي تمتع في العهد الديمقراطي الأول (1960 – 1965م) بتأييد الأغلبية الساحقة لسكان الأقليم بغض النظر عن إنتماءاتهم الإثنية العديدة. وانحسر نفوذ هذا الحزب (الذي تمّ تغيير اسمه في الفترة الديمقراطية الثانية إلى حزب نيجيريا القومي National Party of Nigeria) وسط سكان الإقليم عندما تمّ تقسيمه إلى عشر ولايات والذي كانت من أبرز نتائجه ظهور الأحزاب التي تستند على الولاء الإثني وذلك مثل حزب شعب نيجيريا العظمى (GNPP) في ولاية بورنو الذي اعتمد على ولاء الكانورd الذين يمثلون أكبر مجموعة إثنية في الولاية، وحزب الشعب التجديدي Peoples' Redemption party في ولاية كانو الذي اعتمد على تأييد الهاوسا في هذه الولاية وولاية كادونا المجاورة. وتمكن حزب شعب نيجيريا العظمى بفضل اعتماده على دعم أكبر مجموعة إثنية تقطن في ولاية بورنو من الفوز في الانتخابات التي عقدت في عام 1979م بمنصب حاكم الولاية والسيطرة على مجلسها التشريعي والفوز بأربعة مقاعد من المقاعد المخصصة للولاية في مجلس الشيوخ(90). كما نجح حزب الشعب التجديدي الذي اعتمد على ولاء الهاوسا في الفوز بمنصب حاكم ولاية كانو وأغلبية مقاعد المجلس التشريعي وكل المقاعد الخمسة المخصصة للولاية في مجلس الشيوخ(91). وفاز الحزب أيضاً بمنصب حاكم ولاية كادونا المجاورة ومقعدين من مقاعد الولاية في مجلس الشيوخ وأقلية معتبرة في المجلس التشريعي للولاية(92).
ويمكن اعتبار العامل الاقتصادي أحد الأسباب التي تدعو إلى تخفيض العدد الحالي للولايات. إذ سيترتب على كثرة عدد الولايات في مرحلة الحكم الديمقراطي المرتقب أعباء مالية ضخمة تقع على عاتق الأحزاب والدولة في أثناء فترة الانتخابات الحرة للمجالس التشريعية للولايات ومنصب الحاكم ومقاعد الولايات في مجلس الولايات الاتحادي والتي ستتزامن مع انتخابات مجلس النواب الاتحادي وانتخابات الرئاسة. ويمكن تقليل هذه الأعباء المالية بتقليص عدد الولايات إلى عدد معقول والذي سيساهم بدوره في تخفيض أوجه الصرف المالي على الأجهزة التنفيذية والمؤسسات التشريعية للولايات عندما يقل عددها. ويؤدي كثرة عدد الولايات إلى التأثير السلبي على الإيرادات العامة للدولة ويدفع الحكومة الاتحادية إلى تخفيض المبالغ المرصودة للولايات الأمر الذي يقود إلى تعويق تطورها الاقتصادي وتأخيره.
وأوضح التطبيق العملي لاتفاقية أديس أبابا بجلاء خطأ جعل جنوب السودان إقليماً واحداً وذلك بعد أن هيمنت مجموعة إثنية (الدينكا) على معظم سلطات وموارد الإقليم بفضل انتشارها الواسع في كل أنحاء جنوب السودان الأمر الذي دفع زعماء المجموعات الإثنية الأخرى إلى تحريض الرئيس الأسبق جعفر نميري بتقسيم جنوب السودان إلى ثلاثة أقاليم. لذلك نأمل أن تكون دروس تجربة الحكم الذاتي السابقة قد أقنعت ساسة الإقليم الجنوبي بضرورة تعميم نظام الحكم الفدرالي في جنوب السودان والتفكير الجدي في تخفيض عدد ولاياته الحالية إلى ست ولايات وبطريقة تراعي التوازن الإثني لتوزيع السكان في الولايات الجديدة.
ونقترح تخصيص ثلاثة مقاعد لكل ولاية في مجلس الولايات الاتحادي في حالة تخفيض عدد الولايات إلى (18) ولاية وعقد الانتخابات لمنصب الرئاسة ومجلس النواب الاتحادي ومجلس الولايات والحكام والمجالس التشريعية للولايات في وقت واحد كل أربع سنوات لما في ذلك من تخفيض للأعباء المالية التي تتطلبها الحملات الانتخابية وحدوث العكس إذا ما تمّ تحديد دورة بعض المؤسسات التشريعية لمدة سنتين كما هو الأمر في الولايات المتحدة الأمريكية.
وتستلزم طبيعة النظام الفدرالي أن يكون للوحدات المكونة للاتحاد قدر ولو محدود للمشاركة في شؤون السلطة التنفيذية الفدرالية(93). ويمكن أن يتم النص في الدستور القادم على هذا الحق عن طريق مبدأ الكبح والتوازن وذلك بمنح أعضاء مجلس الولايات الاتحادي الحق لعقد جلسات استماع لمن يرشحهم رئيس الجمهورية لتولي المناصب الهامة في الدولة مثل القضاة والسفراء ورؤساء المفوضيات الدستورية وذلك قبل التصديق على تعيينهم حتى تتم مراعاة الطبيعة الفدرالية للسودان وتمثيل كل الولايات في المناصب الهامة للدولة. وينبغي التحديد في الدستور على دور الولايات في عملية تعديل الدستور وذلك بأن يشترط موافقة ثلثين أو ثلاثة أرباع الولايات على أي تعديل دستوري يجيزه مجلس النواب الاتحادي ومجلس الولايات بالنسبة التي يحددها الدستور.
ذكرنا في فصل حق تقرير المصير أن حصر القوانين الدولية لهذا الحق في نطاق الشعوب الخاضعة للسيطرة الاستعمارية بهدف الحفاظ على سيادة ووحدة أراضي الدول المستقلة قد دفع العديد من الدول الأفريقية مثل السنغال وغابون ومالي ومصر وجيبوتي إلى النص في دساتيرها على منع أي مجموعات سكانية القيام بمحاولات انفصالية تهدد وحدة أراضي البلاد(94). لذلك نرى أنه من الضروري أن يتضمن الدستور القادم أحد المواد التي تنص على منع المجموعات الإثنية التي تسكن فب مختلف ولايات السودان من المطالبة بحق تقرير المصير الانفصالي وتهديد الوحدة الوطنية خاصة بعد أن أصبح السودان مهدداً بشبح التفتيت بعد أن تمّ الإتفاق في بروتوكول مشاكوس على منح سكان جنوب السودان حق تقرير المصير الانفصالي.
المؤسسات أو اللجان المستقلة : تؤمن النظم الديمقراطية مبدأ الفصل بين السلطات بتوزيع الوظائف والصلاحيات بين أجهزة الحكم المختلفة حيث يقوم الجهاز التشريعي بسن القوانين والجهاز التنفيذي باتخاذ القرارات ورصد المبالغ المالية لكي تقوم الدواوين الإدارية بتنفيذ متطلبات القوانين، بينما يقوم الجهاز القضائي بفض النزاعات التي قد تنشأ بسبب عدم وضوح بعض فقرات القانون وتقديم التفسير القضائي السليم لحسم الخلاف(95). وأدركت بعض الدول الديمقراطية مثل السويد أهمية الفصل بين السلطة الإدارية والسلطة التنفيذية لكيلا تؤثر الأخيرة على نزاهة وحياد بعض المؤسسات الحكومية أثناء أداء وظائفها. فتمتعت مؤسسة البريد مثلاً باستقلال إداري واسع طبقاً للقانون، وتقوم مثل هذه المؤسسات في السويد “بتنفيذ مسئولياتها عن طريق مجالس قضائية للنظر في الشكاوى المقدمة ضد الأعمال الإدارية للمؤسسة وتسهيل ذلك بالسماح للجمهور بالإطلاع على كل الوثائق المتعلقة بالشكوى قيد النظر”(96).
وساهم هذا النموذج السويدي في ظهور اللجان أو الإدارات المستقلة في العديد من الدول الديمقراطية لحماية حقوق المواطنين ضد التغول الحكومي ولكي تقوم بأداء وظائفها وتوزيع العمل بين أعضائها بمنأى عن ضغوط السلطة التنفيذية. فحددت لجنة التجارة ما بين الولايات Interstate commerce commission في الولايات المتحدة مثلاً إجراءات معينة لتنظيم ممارسة مهامها التنفيذية والتشريعية والقضائية “فيقوم أحد أعضاء المفوضية أو اللجنة بإتخاذ القرارات الإدارية وثلاثة من أعضائها باتخاذ القرارات شبه القضائية كما يشارك كل أعضاء اللجنة في إصدار القرارات شبه التشريعية”(97).
تمّ الإتفاق فى بروتوكول اقتسام السلطة على إنشاء مؤسسات أو مفوضيات مستقلة وهي لجنة الانتخابات، مفوضية حقوق الإنسان, مفوضية الجهاز القضائي القومي، مفوضية الخدمة المدنية القومية، لجنة استفتاء تقرير المصير ولجنة رصد المخصصات المالية السنوية(98). وسيتم تحديد وظائف وصلاحيات هذه اللجان في الدستور القادم الذي من المتوقع أن يؤكد على استقلال هذه المؤسسات وتوفير الأرصدة المالية اللازمة لإدارتها وتأمين مناصب أعضائها لفترة زمنية محددة حتى لا يخضعون لتأثير السلطات التنفيذية والتشريعية وتتحقق بذلك نزاهة العملية الديمقراطية. فتحتاج لجنة الانتخابات مثلاً إلى منحها قدر واسع من الاستقلال الإداري وسلطات قضائية لضمان نزاهة سير الانتخابات التي تعتبر من أهمّ عناصر العملية الديمقراطية. ويمكن الاقتداء بتجربة كوستاريكا في هذا المجال حيث تعرف لجنة الانتخابات باسم المحكمة الانتخابية العليا Supreme Electoral Tribunal ويكون أعضائها من القضاة ولهم سلطة التحقيق في تهم التحيز السياسي الموجه ضد موظفي الانتخابات وتوجيه الإتهام ضد أي شخص يقوم بخرق قانون الانتخابات وصلاحية السيطرة والإشراف على الشرطة وقوات الأمن أثناء تأدية واجبهم في فترة الانتخابات(99).
ومن المؤسسات التي لم يرد لها ذكر في بروتوكول اقتسام السلطة ونرى ضرورة إدراجها في الدستور القادم هيئة المحقق في الشكاوى ضد موظفي الدولة Ombudsman التي ظهرت لأول مرة في الدول الإسكندنافية للسيطرة على دواوين الدولة البيروقراطية التي توسع نفوذها والقضاء على التسيب والإهمال الإداري لحماية المواطنين من الضرر الذي يقع عليهم نتيجة لذلك. وتأثرت بريطانيا بالتقاليد الإسكندنافية في هذا المضمار عندما أجاز البرلمان في عام 1967م قانون ينص على خلق منصب المفوض البرلماني للإدارة Parliamentary Commissioner of Administration الذي يقوم بالتحقيق في شكاوى المواطنين ضد السلطات الإدارية التي لم تنفذ القانون أو تلتزم بالإجراءات واللوائح عند النظر في قضاياهم (100). ونقترح تبني تجربة السويد عند النظر في إنشاء مؤسسة أو لجنة المحقق في شؤون الإدارة Ombudsman لأنها تمنحها وغيرها من المؤسسات المستقلة شبه سلطات قضائية واستقلال نسبي عن السلطات التنفيذية والتشريعية وذلك لتمييزها بين المهام التي تخص السلطة التنفيذية والوظائف والمهام الإدارية البحتة.
ونعتقد أيضاً ضرورة التفكير في تأسيس هيئة مستقلة للشرطة National Police Service Commission وإدراجها في الدستور القادم تكون لها صلاحية الإشراف على ضباط وجنود الشرطة لضبط أدائهم وذلك لإرتباط أعمالهم بمصالح الجمهور والتأكد من حيادهم عند قيامهم بأعمالهم أثناء فترة الانتخابات وعدم خضوعهم للضغوط الحزبية أو التمييز بين المواطنين حين أداء أعمالهم. كما نقترح إنشاء جهاز المساءلة العامة General Office of Accountability طبقاً للنموذج الأمريكي لكي تتم متابعة تنفيذ برامج الوزارات والمؤسسات الحكومية المختلفة وتحديد المسئولية في حالات التقصير أو التراخي في تحقيقها حسب الخطة المرسومة. ومن أهمّ وظائف هذه الهيئة المستقلة في نظام الحكم الأمريكي “التأكد من تحقيق سياسات وبرامج الحكومة للأهداف التي وضعت من أجلها وتلبية حاجات المجتمع … كما يلتزم جهاز المسئولية بدافع حرصه على الصدق والشفافية في أداء وعمليات الحكومة بالتأكد من عدم حدوث فشل أو تقصير في المسئولية في القطاع الحكومي كما حدث في شركة إينرون وشركة ويرلد كوم”(101).
ونصّ الدستور الانتقالي واتفاقية اقتسام السلطة على تأسيس لجنة تحديد ومراقبة المخصصات المالية والتي من المتوقع ألا تتعارض أعمالها مع الحق الدستوري للسلطة التنفيذية والسلطة التشريعية في جمع الإيرادات العامة للدولة وإعداد الميزانية وتحديد أوجه المصروفات السنوية للدولة. وتختص هذه اللجنة بتوزيع عائدات الدخل القومي وتحديد المبالغ التي سترصد للولايات من الدخل العام للدولة. ونعتقد أنه من الأفضل تحديد المباديء والمعايير التي تحكم توزيع المخصصات المالية التي تحتاجها الولايات من الميزانية العامة للدولة. ونقترح أن يتم تحديد نسبة 55% من الإيرادات السنوية العامة للدولة لاحتياجات الحكومة الفدرالية و34% للولايات و7% للحكومات المحلية و4% لصندوق احتياطي خاص. وليس هنالك ضرورة بأن تطالب الولايات بنصيبها من ثرواتها المحلية مثل القطن والصمغ العربي والثروة الحيوانية وذلك لأن عائدات تصدير النفط تشكل الجزء الأكبر من الدخل السنوي للدولة مما يعني أن المبالغ التي ستنالها كل ولاية من النسبة المخصصة للولايات من الإيرادات العامة للدولة (34%) ستكون أكثر من مايؤول إليها من العائدات المشتقة من ثرواتها المحلية الرئيسة.
يوجد هنالك احتمال قوي بأن يؤدي إدخال النظام الرئاسي الذي يرتكز على مبدأ الفصل بين السلطات في مؤسسات الحكم الديمقراطي المرتقب إلى زيادة فرص نجاح التجربة الرابعة للحكم الديمقراطي في السودان خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار رسوخ جذور تقاليد وقيّم الديمقراطية في الثقافة السياسية للسودانيين(102). ولكن يجب أن نتذكر دائماً بأن النظام الديمقراطي يتميز بسهولة تعرضه للهزات وعانى من الفشل والانهيار حتى في الدول الصناعية المتقدمة مثل فرنسا وإيطاليا وجمهورية فيمار في ألمانيا في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى. فكما قال الفيلسوف جان جاك روسو “لا توجد هناك حكومة أكثر تعرضاً للحروب الأهلية والقلاقل الداخلية مثلما هو موجود في الحكومة الديمقراطية لأنه لا توجد حكومة مثلها تتميز بنزعة قوية ومستمرة نحو التغيير إلى شكل آخر من أشكال الحكم أو تتطلب قدراً عالياً من اليقظة والشجاعة للحفاظ عليها”(103).
لذلك، يجب على الحكومة والقوى السياسية التصدي للتحديات التي تواجه الحكم الديمقراطي في فترة ما بعد السلام حتى يتم ضمان استمراره لأطول فترة ممكنة. ويعتبر التدهور الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد من أهمّ هذه التحديات، إذ أوضح تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة في عام 2003م إلى أن متوسط دخل الفرد من اجمالي الدخل القومي (GNI) في السودان هو 350 دولار أمريكي في السنة(104). وأثبت بروفسور آدم برزوسكي وبروفسور فرناردو ليمونجي في دراسة إحصائية شملت كل دول العالم في الفترة ما بين 1950 – 1990م بأن متوسط عمر النظام الديمقراطي في الأقطار التي يبلغ فيها دخل الفرد القومي السنوي أقل من 1500 دولار أمريكي هي 8 سنوات فقط، بينما يزيد متوسط عمر النظام ليصل 18 عاماً في الأقطار التي يتراوح دخل الفرد القومي السنوي فيها ما بين 1500 أو 3000 دولار أمريكي(105). ولهذا سيكون من أهمّ واجبات الحكومة في مرحلة التحول الديمقراطي التعاون مع المجتمع الدولي لإسقاط الديون الخارجية التي يفوق حجمها الناتج القومي الاجمالي للبلاد ووضع خطة استراتيجية للاقتصاد الوطني تهدف إلى تحقيق التنمية الشاملة حتى يمكن الانتقال بالسودان من قائمة الدول الأقل نمواً لكي يتم ضمان بقاء النظام الديمقراطي واستمراره.
وينبغي على الأحزاب السياسية إعادة هيكلة أطرها التنظيمية والإجرائية على النهج الديمقراطي والتخلي عن الخصومات العنيفة داخل الأحزاب أو بين الأحزاب المختلفة أو بين الأحزاب المؤتلفة في الحكم من أجل المصالح الضيقة والتي تؤدي إلى خلق الأزمات المستمرة وتهيئة المناخ للمعارضة التي تتظاهر بالالتزام المبدئي بالديمقراطية لاختراق القوات المسلحة والإطاحة بالديمقراطية لكي تستولى على الحكم بالقوة. كما يجب على الأحزاب الاهتمام ببناء الثقة والتسامح في التعامل فيما بينها وقبول الهزيمة بصدر رحب، إذ إنّ إحدى الخصائص الفريدة التي تتسم بها الديمقراطية في أداء أعمالها كما قال الفيلسوف الأمريكي شارلز فرانكل “أن يتوقع من الذين يتولون مقاليد الحكم حماية حقوق الذين يرغبون في انتزاع الحكم منهم، كما يتوقع من الذين يرغبون في طرد الأوغاد من الحكم، احترام وقبول سلطة هؤلاء الأوغاد حتى يتمكنوا من إزاحتهم عنها (بالوسائل الديمقراطية)” (106).
تميزت عهود النظم العسكرية التي تعاقبت على حكم السودان بممارسة البطش وانتهاكات حقوق الإنسان وسلب الحريات مما أدى إلى قناعة الشعب السوداني بقيمة الديمقراطية كأفضل النظم السياسية لحل مشكلة الوصول إلى السلطة بدون اللجوء إلى العنف. وليس هناك أدنى شك في أنّ تصميم وعزيمة الشعب السوداني لحماية حقوقه الأساسية ستزداد قوة في الحقبة الرابعة للحكم الديمقراطي وأنهم سيضعون في أذهانهم على الدوام ما قاله والت ويتمان للشعب الأمريكي: “لا يمر أسبوع أو يوم أو ساعة بدون أن يهدد فيه الطغيان بالدخول إلى هذا الوطن وسينجح في تحقيق هدفه إذا ما فقد الشعب ثقته العليا في أنفسهم وضاعت منهم روح التحدي والخشونة، إذ لا توجد تعويذة سحرية أو حاجز يحول دون دخوله، فالحاجز الوحيد ضد الطغيان هو عدد هائل من الرجال الأشداء”(107).
الهوامش
(1) Emerging Nation Peter K. Bechtod, Politics in Sudan: Parliamentary and Military Rule in an (New York, 1976) P. 81.
(2) Ann Lesch, The Sudan: Contested National Identities (Indiana University Press, 1998) P. 43.
(3) Ibid. P. 46.
(4) دستور السودان الدائم لعام 1973م.
(5) تقرأ المادة 16 من دستور عام 1973م كما يلى:
(1) في جمهورية السودان الديمقراطية الدين الإسلام ويهتدي المجتمع بهدي الإسلام دين الغالبية وتسعى الدولة للتعبير عن قيمه.
(ب) والدين المسيحية في جمهورية السودان الديمقراطية لعدد من المواطنين ويهتدون بهديها وتسعى الدولة للتعبير عن قيمها.
(ج) الأديان السماوية وكريم المعتقدات الروحية للمواطنين لا يجوز الإساءة إليها أو تحقيرها.
(دستور السودان الدائم لعام 1973م).
(6) نفس المصدر.
(7) A. Lesch, op. cit. P. 55.
(8) Ibid.
(9) Ibid. P. 105.
(10) Ibid. P. 65
(11) Ibid. P. 129
(12) Ibid. P. 130
(13) Ibid. P. 141
(14) ناتالي ألواك، مذكرة اللجنة الفنية للدراسات الدستورية عام 1967م، مشار إليها في د. عبد اللطيف البوني, دستور السودان علماني أم إسلامي (دمشق 1998) الملحق الثاني صفحة 93.
(15( 23 A. Lesch, op. cit. P
(16) جريدة الخرطوم، 11/4/1996م.
(17) دستور جمهورية السودان سنة 1998م. www. sudan.net.
(18( نصت المادة (24) على “لكل إنسان الحق في حرية الوجدان والعقيدة الدينية، وله حق إظهار دينه أو معتقده ونشره عن طريق التعبد أو التعليم أو الممارسة، أو أداء الشعائر أو الطقوس ولا يكره أحد على عقيدة لا يؤمن بها أو شعائر أو عبادات لا يرضاها طوعاً وذلك من دون أضرار بحرية الاختيار للدين أو إيذاء لمشاعر الآخرين أو النظام العام وذلك كما يفصله القانون”.
(19( نفس المصدر.
(20( The protocol of Machakos: 6/1.2.3. www sudan. net/news/pr
(21) Ibid. 6/4.
(22) Ibid. 6/5.
(23( Ibid. 3/2.3.
(24( الشرق الأوسط، 23/7/2002م.
(25( الشرق الأوسط، 30/7/2002م.
(26( البيان، 26/7/2002م.
(27( الشرق الأوسط، 24/7/2002م.
(28( البيان، 22/7/2002م.
(29( دستور السودان الدائم لعام 1973م.
(30( Vid. Supra.
(31( هناك العديد من الكتاب الذين أيدوا التفسير القائل بأن بروتوكول مشاكوس قد قسم السودان إلى دولة دينية في الشمال ودولة علمانية في الجنوب وذلك مثل الأستاذ ناصف الأمين الذي ذكر بأن “الاتفاق النهائي يفصل قضايا الجنوب عن تلك التي تخص الشمال وقضية الوضع القانوني للعاصمة عن الوضع العام في السودان وبالتالي وضع ثنائيات دستورية تتمثل في نظام علماني في الجنوب ودولة دينية مفروضة في الشمال”.
www. Sudanil. Com. 24/4/2004.
كما ذكر الأستاذ علي حسنين “من أكبر أخطاء الحوار الذى يجرى فى كينيا أنه قسم السودان على أساس دينى شريعة فى الشمال وديانات أفريقية في الجنوب وتقسيم السودان على أساس ديني والجنوب لا يمكن أن يكون جزءاً من شمال يحكم بالشريعة الإسلامية”.
www. Sudanile. Com 1/9/2003
“جاء فى مشاكوس تقسيم السودان إلى دولتين شمالية تحكم بمرجعية تختلف عن الجنوبية، فهذا يمثل أساساً وتمهيداً لعدم التقاء هاتين الدولتين أكثر من التقائهما”. د. مريم الصادق المهدي، الأزمنة 29/2/2003م.
“بالوصول لاتفاق السلام، أعطى الاتفاق حق تقرير المصير للجنوب ونظاماً علمانياً وحلاً جزئياً وليس كاملاً لعلاقة الدين بالدولة .. جاء نتيجة لإصرار الحركة الإسلاميّة على أن أهل الشمال … خيارهم هو برنامج ونظام حكم يقوم على قيّم الدين الإسلامي والشريعة تحديداً. وإذا كان هذا خيارهم – قيام دولة دينية – فيه يأتي الانفصال، لأن وجود أرضية مشتركة بين الشمال والجنوب ستنتفي، أو ربما يختار الشعب السوداني تعايشاً نسبيًا”. باقان أموم، جريدة البيان 17/8/2004م.
(32( Cited in Fazlur Rahman, Islam (University of Chicago Press 1991) P. 76.
وقال ابن تيمية عن الشريعة في معرض ملاحظاته عن آراء الصوفية في قتل الحلاج ” ومنهم من يعادي جنس الفقهاء وأهل العلم ويقولون : هم قتلوا الحلاج، وهؤلاء من جنس الذين يقولون : لنا شريعة ولنا حقيقة تخالف الشريعة، والذين يتكلمون بهذا الكلام لا يميزون ما المراد بلفظ الشريعة في كلام الله ورسوله وكلام سائر الناس, ولا المراد بلفظ الحقيقة أو الحق أو الذوق …. بل فيهم من يظن الشرع عبارة عما يحكم به القاضي ومن هؤلاء من لا يميز بين القاضي العالم العادل والقاضي الجاهل الظالم بل ما حكم به حاكم اسماه شريعة, ولا ريب أنه قد تكون الحقيقة فى نفس الأمر… خلاف ما حكم به الحاكم… والشريعة هو الأمر الباطن وما قضى به القاضي ينفذ ظاهراً… ” ابن تيمية, رسالة الاحتجاج بالقدر في مجموعة الرسائل الكبرى, الجزء الثاني (القاهرة، 1966م) صفحة 108.
(33( R. Stephen Humphrey, Between Memory and Desire: The Middle East in a Troubled Age (University of California Press, 1999) P. 250.
(34) F. Rahman, op. cit. P. 115.
(35) عبد القاهر الجرجاني، التعريفات.
(36) قال د. محمد عمارة في شرح الفرق بين مفهومي الشريعة والقوانين الإسلامية “الشريعة الإسلامية شيء والقوانين الإسلامية شيء آخر وأنهما أمران متميزان في الطبيعة والمصدر والمجال: فالإسلام عقيدة وشريعة والشريعة هي الطريق والنهج الإسلامي الذي حدده الله لنصل إلى الاعتقاد بأصول الإسلام: الألوهية، اليوم الآخر، العمل الصالح .. ولكن من الخطأ أن نعنى بالقوانين الإسلامية الشريعة، فالقوانين تراث أبدعته مذاهب أمة الإسلام وصاغه فقهاؤها في أمور الحياة الدنيا ومعاملات الناس .. فالفقه الإسلامي في المعاملات هو ما نعنيه حينما نتحدث عن القوانين الإسلاميّة”. محمد عمارة، الدولة الإسلامية بين العلمانيّة والسلطة الدينية (القاهرة 1984م) صفحة 190.
(37) J.N.Anderson, Islamic Law and Modern World (London, 1959) P. 31.
(38) Ibid. P. 32.
(39) لمزيد من التفاصيل انظر J.Anderson, “The Sharia and Civil Law: the debt owed by the new civil codes of Egypt and Syria to the Sharia". Islamic Quarterly, I (1954) 29-46.
ووصف المستشار سعيد العشماوd قلة الآيات المتعلقة بالقوانين الإسلامية في القرآن الكريم بقوله: “إنّ القرآن الكريم ستة آلاف آية، ما يتضمن منها أحكاماً للشريعة أو تشريعات في العبادات أو في المعاملات لا يصل إلى سبعمائة آية منها حوالي مائتي آية فقط هي التي تقرر أحكاماً للأحوال الشخصية والمواريث أو التعامل المدني أو الجزاء الجنائي”. سعيد العشماوي الإسلام السياسي (القاهرة 1990م) صفحة 35.
)40) Carey N. Gordon, “The Islamic Legal Revolution", 19 International Lawyer, 3 (1985) P. 807.
(41)Abdullah An – Naim, Toward an Islamic Reformation (Syracuse University Press, 1990) P. 127.
(42) بروتوكول اقتسام السلطة. الرأي العام 29/5/2004م.
)43) Ibid.
)44) تتضمن مشروع الوفاق الوطني الذي ناقشه حزب المؤتمر الشعبي في 27/7/2004م الصيغة التالية في المادة 9-3 من المشروع حول موضوع إعفاء غير المسلمين من القوانين الإسلامية “للمسلمين حيثما كانوا في الوطن حق الاحتكام لقوانين تعبر عن دينهم ولغير المسلمين كذلك الاحتكام إلى قوانين تمثل دينهم ولا تفرض بالغلبة على قلة من دين غير دينهم”. آخر لحظة 28/2/2004م.
)45) Michael McConnell, The origin and Historical Understanding of Free Exercise of Religion, 103 Harvard Law Review (May 1990) pp. 1466 – 1470.
)46) Wisconsin V. Yoder. 406 U.S. 205 (1972).
)47) J.N. Anderson, Islamic Law in Africa (London, 1954) pp. 171 – 224.
)48) اعتبر بروفسور روبرت دال أن نظام الحكم الديمقراطي يستلزم وجود المؤسسات التالية: 1- انتخاب مسئولين ليمثلوا الشعب في الأجهزة التشريعية للسيطرة والإشراف على أداء الحكومة. 2- انتخابات حرة دورية. 3- حرية التعبير لكل المواطنين. 4- حق المواطنين للبحث عن مصادر أخرى من المعلومات من الخبراء والصحف والمجلات ووسائل الاتصالات والكتب. 5- وجود الأحزاب المستقلة ومؤسسات ومنظمات المجتمع المدني المستقلة. 6- المواطنة الشاملة التي تضمن لكل المواطنين حرية المشاركة في المؤسسات المذكورة.
Robert Dahl, On Democracy (Yale University Press,2000 ) pp. 85 – 86.
)49) بروتوكول اقتسام السلطة. 10:2 ؛ 11:2 . 3 ؛ 2:2 ؛ 6:1.
)50) المواطنة المستوعبة حسب تعريف روبرت دال هي عدم حرمان أي شخص بالغ مستقر في القطر ويخضع لقوانينه من الحقوق التي يتمتع بها الآخرون والضرورية للمؤسسات السياسية للنظام الديمقراطي، وتتضمن هذه الحقوق حق التصويت لانتخاب المسئولين في انتخابات حرة وعادلة، حق الترشيح لمنصب منتخب، حرية التعبير، حق تأسيس والمشاركة في منظمات سياسية مستقلة وحق الإطلاع على مصادر مستقلة للمعلومات والتمتع بالحقوق لحريات وفرص أخرى تعتبر ضرورية لتسيير المؤسسات السياسية للديمقراطية في قطر شاسع. Robert Dahl, op. cit. p. 86..
)51) I. William Zartman, “Islam, State and Democracy" in ed. C Butterworth and I.W.Zartman, Between the State and Islam (Washington, D.C. 2001) pp. 231 – 320.
)52) Gary Wills, Under God: Religion and American Politics (New York, 1990) p. 217.
ومما قاله في إحدى خطبه: “للرب حكمته وأهدافه فويل للعالم من المعاصي إذا لابد أن المعاصي آتية ولكن ويل للإنسان الذي تأتي منه المعصية (إنجيل متى 78:18) فإذا ما افترضنا أن مؤسسة الرق الأمريكية واحدة من المعاصي التي لابد أن تأتي ولكن شاء الرب أن يزيلها الآن وابتلى سكان الجنوب والشمال هذه الحرب الرهيبة كعقاب لإتيانهم بهذه المعصية، فهل نلاحظ هنا أي مفارقة من هذه الصفات الإلهية التي ينسبها المؤمنون للرب وحده؟ فنحن نأمل ونصلي لكي تنتهي هذه الحرب في أسرع وقت ممكن. ولكن إذا شاء الرب أن تستمر حتى يتم إغراق كل الثروة التي جمعت من جهود العمل المضني الذي بذله العبيد خلال 350 سنة الماضية وحتى يتم دفع كل قطرة دم أريقت بالسوط بدم آخر يراق بالسيف كما قيل قبل ثلاثة آلاف عام, كذلك مازال في الإمكان القول: “أحكام الرب هي صادقة وصحيحة بالإجمال” (الترانيم 6:16). Ibid. p. 218..
)53) Martin L. King, “Our God is Marching On" in ed. J.Washington, A. Testament of Hope: The Essential Writing of Martin Luther King Jr. (San Francisco, 1986) pp. 227 – 290.
)54) Stephen Carter, The Culture of Disbelief (New York, 1993) p. 228.
)55) I. William Zartman, op. cit. p. 236.
)56) Sumit Ganguly, “The Crisis of Indian Secularism" 14 Journal of Democracy, no. 4(October 2003) p.19.
)57) Ibid. p. 20
)58) Ibid. pp. 16,17. – واستخدم أعضاء حزب المؤتمر في حكومة ولاية أوتار براديش الدين لأغراض سياسية في عام 1955م عندما أجازوا في المجلس التشريعي للولاية قانوناً يمنع ذبح الأبقار في الولاية بحجة أنها حيوانات مقدسة على الرغم من إباحة الإسلام والمسيحية والسيخ لأكل لحم البقر. وذكر غاندي في أربعينيات القرن الماضي بأنه يبجل البقرة ويحترمها بقدر ما يبجل والدته إلا أنه يحترم حرية المسلمين في ذبح الأبقار، ويعتبر أن الاعتراف بهذا الحق لا غنى عنه لحفظ الوئام الطائفي. D. Smith, India as a Secular State (Princeton. University Press, 1967) pp. 484 – 487.
)59) د. عبد اللطيف البوني، دستور السودان علماني أم إسلامي. (دمشق 1998م) صفحة 12.
)60) اللجنة القومية للدستور، 1957م، الجلسة رقم 15 في 22 فبراير 1957م صفحة 25. نقلاً عن د. عبد اللطيف البوني، المصدر السابق في صفحة 27.
)61) P.M.Holt The History of Sudan (Colorado, 1979) p. 189.
)62) الرأي العام، 4 أغسطس 2004م.
)63) اشير لهذا البيان في مقال هاني أبو القاسم “مصرع القداسة على أعتاب السياسة”.
www. Sudanile. Com. 17/9/2004.
)64) نقلاً عن صديق الناير، “تحليل سياسي واستراتيجي لمهددات السلام في السودان”.
www. Sudanile. Com, 22/8/2004.
)65) انطلقت حوادث العنف الديني في نيجيريا في مدينة كانو في عام 1980م وانتشرت في العديد من المدن بعد أن قاد الواعظ محمد مروه حركةً إسلاميةً متطرفةً تدعو إلى تخريب رموز التكنولوجيا والمادية الغربية. كما قامت عناصر إسلامية متطرفة بحرق ثمان كنائس في مدينة كانو في أكتوبر 1982م.
Toyin Falola, History of Nigeria (Westport, Connecticut, 1999) p. 188-89.
)66) Mohammed A. Mahgoub, Democracy on Trial (London, 1974) p. 302.
)67) Victor Levin, “The Fall and Rise of Constitutionalism in west Africa", 35 Journal of Modern African Studies (1997) pp. 184,187.
)68) Roger Price, A Concise History of France (Cambridge University Press 1997) p. 395.
)69) Carl Freidrich, Constitutional Government and Democracy (Massachusetts, 1968) p. 178.
)70) Ibid.
)71) Arthur Schlesinger, The Imperial Presidency (Boston, 1973) p. vii.
)72) The Federalists, No. 51. (1961) pp. 320 – 330.
)73) U.S. Constitution. Article 1 : 7.
)74) U.S. Constitution. Article 2:3 استخدم الرئيس الأمريكي الأسبق ليندون جونسون هذا الحق لإصدار العديد من القوانين في فترة رئاسته كان من أهمها قانون الحقوق المدنية وقانون المساعدة الطبية للمواطنين Medicare في عام 1965م. لمزيد من التفاصيل انظر Lyndon Johnson, The Vantage Point (New York, 1971)..
)75) Samuel Morrison, The Oxford History of The American People.
(New York, 1972) p. 215
)76) Carl Freidrich, op. cit. p. 251.
)77) Vid. Supra, note66.
)78) فاز مرشح الحزب الجمهوري صمويل تيلدين في انتخابات الرئاسة لعام 1876م بنسبة 51% من التصويت الشعبي ولم يصبح الرئيس لفشله في الحصول على أغلبية أصوات أعضاء الكلية الانتخابية حيث كانت النتيجة 185 صوت لمنافسه الجمهوري رذرفورد هيز (الذي أصبح رئيساً للجمهورية) بينما نال تيلدين 184 صوت. كما فاز مرشح الحزب الديمقراطي آل غور في الانتخابات الرئاسية لعام 2000م بأغلبية الأصوات الشعبية ولم يتحصل على أغلبية أصوات اللجنة الانتخابية مما أدى إلى فوز منافسه الجمهوري جورج بوش برئاسة الجمهورية.
Robert Dahl, How Democratic Is the American Constitution (Yale University Press, 2001) pp. 77 – 78.
)79) يمكن تجنب إعادة الانتخابات في حالة تساوي أصوات المرشحين للرئاسة بواسطة النظام الانتخابي الذي يسمى بالتصويت البديل Alternative Vote أو التصويت التفضيلي Preferential Vote وذلك بأن يقوم الناخبون أثناء التصويت بوضع أسماء المرشحين بالترتيب حسب أولوية اختيارهم فيكتبون الرقم (1) بجانب اسم مرشحهم المفضل والرقم (2) بجانب الذي يليه حسب تفضيلهم والرقم (3) بجانب الذي يليه وهكذا. وإذا لم يتحصل أي من المرشحين على الأغلبية المطلقة، يتم إبعاد المرشح الذي نال أقل نسبة من الأصوات التفضيلية ويتم بعدها إحصاء الأصوات التي حصل عليها من تمّ ترشيحهم كأفضلية ثانية, وتستمر هذه العملية حتى يفوز أحد المرشحين بالأغلبية المطلقة (50%) ويتم إعلانه كالمرشح المنتخب.
Robert Dahl, On Democracy (Yale University Press, 2000) p. 189.
)80) The Constitution of the Federal Republic of Nigeria 1979, Sections 125 and 126.
)81) تحصل مرشح حزب نيجيريا القومي NPN الحاج شيهو شاقاري في الانتخابات الرئاسية لعام 1979م على أغلبية الأصوات الشعبية وثار الخلاف والجدل حول إذا ما كان قد فاز بنسبة 25% من أصوات الناخبين في 2/3 الولايات بعد أن فاز في 12 ولاية من ولايات نيجيريا البالغ عددها 19 ولاية. وحسمت الهيئة القضائية الجدل في آخر لحظة بتقديمها تفسيراً وحكماً قضائياً ينص على أن النسبة الحقيقية التي تمثل 2/3 الولايات من التسعة عشر ولاية هي 12.7 بدلاً عن 13 أو 12. وتمّ بذلك إعلان فوز الحاج شقاري بانتخابات الرئاسة وتجنب إعادة الانتخابات الرئاسية مرة ثانية.
Toyin Falola, op. cit. p. 167. Anthony A. akinola, “Nigeria, the Quest for a Stable Polity: Another Comment". 87 African Affairs (July 1988) p. 443. Note 12.
)82) “يجب عزل الرئيس، نائب الرئيس والموظفين المدنيين للولايات المتحدة من مناصبهم إذا ما اتهموا بالتقصير Impeachment وتمت إدانتهم بجرائم الخيانة، الرشوة أو جرائم أخرى وسوء السلوك”. U.S.Constitution Article 2. Section 4..نصت المادة 60:2,3 من الدستور الانتقالي على منح المجلس التشريعي القومي صلاحية اتهام رئيس الجمهورية بالتقصير إذا ما ارتكب جريمة الخيانة العظمى وانتهاك الدستور وعزله من منصبه اذا ما تمت ادانته في المجلس التشريعي باغلبية ثلاثة أرباع أصوات كل الأعضاء.
)83) حاول كل من الحزبين الديمقراطي والجمهوري قبل انتخابات عام 1952م إقناع الجنرال إيزنهاور ليكون مرشح حزبهم للرئاسة. وكانت حجة جيمي كارتر كمرشح للانتخابات الرئاسية لعام 1976م بأنه لا ينتمي إلى أي من التيارات السياسية وليؤكد دوره كوافد جديد كرر في أكثر من مرة بأنه لم يقابل أي رئيس ديمقراطي سابق.
D. Border, Changing of the Guard (New York, 1981) pp. 15-16.
وذكر الرئيس الأمريكي الأسبق كالفين كوليدج بأن “الرئيس قد أصبح يمثل حقوق كل القطر لأن الكونغرس في ساعة ضعفه قد رضخ لضغوط الأقليات المنظمة”.
Calvin Coolidge “The President Lives Under a Multitude of Eyes" American Magazine, August, 1929.
)84) Mohammed A. Mahgoub, op. cit. pp. 298 – 99.
)85) Bill Jones and D. Kavanagh, British Politics Today (Washington, D.C., 1998) p. 59.
)86) ولايات الشمال هي البحر الأحمر، الجزيرة، جنوب دارفور، جنوب كردفان، الخرطوم، سنار، شمال دارفور، شمال كردفان، الشمالية، غرب دارفور، غرب كردفان، القضارف، كسلا، نهر النيل، النيل الأبيض النيل الأزرق. أما ولايات الجنوب العشر فهي أعالي النيل، بحر الجبل، البحيرات، جونقلي، شرق الإستوائية غرب الإستوائية، غرب بحر الغزال وشمال بحر الغزال، واراب، الوحدة. A. Lesch, op. cit. p. 127..
)87) بروتوكول اقتسام السلطة 4:1 ، الرأي العام 29/5/2004.
)88) بروتوكول اقتسام السلطة ، الجدول A . الرأي العام 2/6/2004.
)89) بروتوكول اقتسام السلطة، الجدول D . نفس المصدر السابق.
)90) Donald Horowitz, Ethinic Groups in Conflict (University of California Press, 2000) p. 607.
)91) Ibid. p. 608.
)92) Ibid.
)93) يمنح الدستور الأمريكي الولايات حق انتخاب رئيس الجمهورية عن طريق الكلية الانتخابية، ويتم في سويسرا انتخاب أعضاء المجلس التنفيذي بواسطة المجالس التشريعية للاتحاد السويسري.
)94) Vid. Supra.
)95) مثال ذلك قرار المحكمة العليا الأمريكية في قضية Youngstown sheet & Tube Co. V. Sawyer فى عام 1952م والقاضي بعدم دستورية قرار الرئيس ترومان بالاستيلاء على ممتلكات مصنع يونجزتاون لصفائح الحديد والأنابيب بعد أن هدد عمال المصنع بالإضراب وذلك لضمان تدفق إنتاج المعدات العسكرية فى أثناء الحرب الكورية. ودعمت المحكمة حكمها بعدة حجج كان من ضمنها حجة أن القانون الذي أصدره الكونغرس في هذا الخصوص قد حدد وسائل لمعالجة قضايا الاضرابات التي تهدد الأمن القومي مما يعني أنّ القانون قد حظر ضمنياً مصادرة الدولة لمصانع الحديد.
David Currie, The constitution of the United States: A primer for the people (University of Chicago Press, 2000) pp. 36 – 37.
)96) Carl Fredrich, op. cit. p. 182.
)97) Ibid. p. 184.
(98) بروتوكول اقتسام السلطة 2:10.1 الى 2:10.1.7
)99) Larry Diamond, “Issues in the Constitutional Design of a Third Nigerian Republic" 86 African Affairs (April, 1987) p. 217.
(100) Bill Jones and D. Kavanagh, op. cit. p. 152.
)101) David Walker, “GAO Answers the Questions: What's in a Name?" www. gao. Gov.
)102) ذكر بروفسور بيتر بيتشولد أن فترة ثلاثين عاماً قضاها في الدراسة والبحث في الشؤون السودانية وزياراته لعشرين دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لإجراء بحوث ميدانية قد قادته إلى نتيجة مفادها “أن السودان يحتل مكان الصدارة بين الدول الأفريقية والعربية في مجال الثقافة السياسية الديمقراطية .. وتميزت الانتخابات التي عقدت في فترات الحكم الديمقراطي بأنها أكثر انفتاحاً ونزاهة إذا ما قورنت بالانتخابات في الدول الأفريقية والعربية”. Peter Betchold,More turbulence in sudan.. in ed. J.Voll: Sudan: state and society in crisis(Indiana University Press, 1991) P.6,7. .
)103) Jean J. Rousseau, The social contract (New York, 1934) p. 54.
)104) World Bank and United Nation Development Programme, Human Development Report 2003 (New York, UNDPP 2003).
)105) Adam Prezwrski and Fernardo Limongi, “Modernization: Theories and Facts" 49 World Politics, no. 2 (January 1997).
)106) Charles Frankel, The Democratic Prospect (New York, 1962) p. 10.
)107) “There is no week no day nor hour when tyranny may not enter upon this country, if the people lose their supreme confidence in them selves ... and lose their roughness and spirit of defiance tyranny may always enter ... there is no charm, nor ban against it ... the only ban against it is a large resolute breed of men". Walt Whitman, p. 10 & “Notes for Lectures on Democracy and Adhesiveness" in C. Furness, Walt Whitman's Workshop, (Cambridge, 1928) p. 58.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.