وأعجب منه أن تدري حيوان الاسفنج من أغرب الحيوانات قاطبة. فهو الحيوان الوحيد الاكثر استسلاماً لأنه يتخلى عن الماء تحت اقل ضغط. وما نشاهده من نشاط محموم للحركة وجيشها وقادتها داخل السودان وخارجه ليس له غير تفسير واحد: هو إحداث ضغط مستمر على الحكومة لكي «يتسفنج» موقفها حتى تخرج الحركة منها بأكبر قدر من «ماء التنازلات» أو حتى تطلع «زيتها» في مجال الحريات الأربع والنفط والتخلي عن المناطق التي تزعم الحركة أنها تقع تحت دائرة اختصاصاتها. اذن فالمشهد السياسي معد وجاهز لإثارة اكثر من بؤرة حرب أهلية... والتكتيك الذي يهدف إلى نقل الحرب من الاطراف الى المدن في الشمال كما بشر بذلك مالك عقار قد يكون الخطوة التالية. إن الأمر الذي يشجع الحركة وحلفاءها الصهاينة لسفنجة الموقف السوداني هو ما أنسوه من تشققات زلزالية في الجسد الحزبي السوداني، حكومة ومعارضة. الحكومة تعبر بأكثر من صوت وأكثر من موقف والمعارضة التي ترى في مواقف الحركة ما يحرج الحكومة وربما يؤدي إلى إسقاطها متناسية أن الطوفان سيعصف بالجميع ولا عاصم لأحد وإن تسلق جبل البركل في حالة حدوثه لأن أهداف الحركة اجتثاثية لا هوادة فيها. تحركها ضغائن وأحقاد تاريخية عميقة الأغوار. لقد تضرر الإجماع الوطني كثيراً من تلك التشرذمات وقد انقسم كل حزب خارج الحكومة إلى اصل وفصل أحياناً يصالح الأصل ويدخل الحكومة بينما يبقى الفصل خارجها ليناور ويكايد وأحياناً يدخل الفصل في الحكومة كما هو الحال في حزب الأمة بينما يبقى الأصل ليناور ويكايد وينظر. بينما بعض أئمة المساجد يفنون أنفسهم في زحزحة الفنان فرفور من الصف الأول أم لا. لا شيء أضر بنا مثل هذه الخلافات التي تنشب وتتشعب وتتمدد على صفحات الصحف لأتفه الأسباب. وقديماً قيل من يهن يسهل الهوان عليه. والهوان يغري مجموعة الضباع لتمزيق الأسد الهصور. ألم يقل شاعرنا عليه رحمة الله: مرفعينين ضبلان وهازل شقوا بطن الأسد المنازل. والضبلان وهازل ذات يوم كانا «يعوصان» ولمّا يدخلا جوبا... والآن يعوصان في ديارنا ونحن منشغلون بحياكة المكائد وحفر الحفر التي لن ينجو منها أحد يوم كريهة أو محاصة. ومهما كانت خلافات الحزبين الأمريكيين «الديموقراطيون والجمهوريون» فإنهم لن يخذلوا جيشهم حتى ولو كان غازياً متسلطاً. واذا كانت هناك جهات خارجية تعمل لإثارة حرب أهلية في السودان فليس ذلك مستغرباً فقد قرأت مقالاً في «مجلة الوسط» بتاريخ 2/12/1996م بعث به مراسها راسل وران وفيه يقول إن احد ضباط الاستخبارات المركزية الامريكية (CIA) وقد عاد لتوه من زيارة لأوغندة وارتريا واثيوبيا رد على سؤال وجهته له «مجلة الوسط» قائلاً: «ونعتقد أن اندلاع حرب أهلية محدودة سيكون مفيداً لإحلال السلام في السودان» ويقول المراسل: «وعندما اشارت «الوسط» الى أن استراتيجية إسقاط الانظمة فشلت في كوبا والعراق «في ذلك الوقت» قال ضابط الاستخبارات «إنها افضل الخيارات المتاحة لنا في السودان، فعلى النقيض مما حدث في كوبا والعراق ستستخدم المعارضة السودانية السلاح والسلاح وحده هو الذي يعني شيئاً». والى قراءة ذلك المقال كنت اعتقد أن المشكلة لا زالت شأناً سودانياً وهذا في حد ذاته امر محمود ولكن تصريح ذلك الضابط الاستخباراتي ألقى بظلال بعيدة في الشأن السوداني فمضمون ما قالة يشير الى اعطاء ضوء اخضر لجهة ما لتشن تلك الحرب الاهلية المحدودة التي ستكون مفيدة «مفيدة؟؟؟» ولكنه يقول «لإحلال السلام» في السودان على حد تعبيره ومن الذي سيجعلها محدودة وماهى الكيفية التي يمكن أن تدار بها حرب أهلية محدودة؟ وهل هناك مواصفات لحرب أهلية محدودة؟ لقد تدخلت الولاياتالمتحدة من قبل في لبنان وفي الصومال ولكنها لم تستطع أن تفرض حرباً اهلية محدودة ولو كان بالامكان فرض مثل تلك الحرب لكانت الصومال أولى الدول بها. ولكن هل ينطلق ذلك المسؤول الاستخباراتي الذي صرح بالخطوط التحتية للسياسة الامريكية تجاه المشكلة السودانية؟ هل ينطلق من فراغ ؟ الا يعلم هو من تجاربة السابقة صعوبة ان لم نقل استحالة ادارة حرب أهلية محدودة؟ إن رجلاً في مثل مسؤولية ذلك الاستخباراتي ومكانته لا بد أن يكون مدركاً لما يقوله. ولكن ومع استحالة ادارة تلك الحرب الاهلية في قطر كالسودان بجنوبه وشماله وهو بحجم قارة وبمشكلات قارة فإما أن يكون هناك مخطط لحصر مناطق الحرب في الحدود بين الشمال والجنوب بوصفها حرب استنزاف تدعمها الحركة وستؤدي في النهاية كما يرسمون - الى انهيار الوضع الحاكم في السودان أو تأجيج مناطق أخرى مثل دارفور لتظل مشتعلة وتحسب أيضاً حرب استنزاف. فلنجهز أنفسنا لصيف حار واللامبالاة لن تجر خلفها إلا الوهن الذي يغري عدوك بالتمادي في عدوانه واستنزافك لمن يكمل زيتك. آخر الكلام: دل على وعيك البيئي.. لا تقطع شجرة ولا تقبل ولا تشتر ولا تهد هدية مصنوعة من جلد النمر أو التمساح أو الورل أو الأصلة أو سن الفيل وليكن شعارك الحياة لنا ولسوانا. ولكي تحافظ على تلك الحياة الغالية لا تتكلم في الموبايل وأنت تقود السيارة أوتعبر الشارع. وأغلقه أو اجعله صامتاً وأنت في المسجد.