الصناعة.. قَدَر الخليج ومستقبله    شاهد بالفيديو.. ناشط سوداني يهاجم الفنانة عشة الجبل ويثبت غيرتها من زميلتها الفنانة مروة الدولية: (عرس الدولية حارقك وقاطع قلبك والغيرة دي ما حلوة)    قرارات جديدة ل"سلفاكير"    السودان..تحذير خطير للأمم المتحدة    شاهد بالفيديو.. ناشط سوداني يهاجم الفنانة عشة الجبل ويثبت غيرتها من زميلتها الفنانة مروة الدولية: (عرس الدولية حارقك وقاطع قلبك والغيرة دي ما حلوة)    شاهد بالفيديو.. حكم كرة قدم سعودي يدندن مع إبنته بأغنية للفنان السوداني جمال فرفور    شاهد بالصور.. رصد عربة حكومية سودانية قامت بنهبها قوات الدعم السريع معروضة للبيع في دولة النيجر والجمهور يسخر: (على الأقل كان تفكوا اللوحات)    هل فشل مشروع السوباط..!؟    بلومبيرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا    سوق العبيد الرقمية!    مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    أمس حبيت راسك!    راشد عبد الرحيم: وسقطت ورقة التوت    وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    معتصم اقرع: لو لم يوجد كيزان لاخترعوهم    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إقصاء الزعيم!    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وقائع ومشاهد يوم 6/6/2011
«الكتمة» (8)

توقفنا فى الحلقة السابقة على النتائج المترتبة على وفاة د.جون قرنق فى حادث تحطم الطائرة اليوغندية، وصعود سلفاكير لسدة الرئاسة ، وأشرنا إلى الخطوة التى أعقبت ذلك التغيير وهى فرار العديد من قادة الحركة الشعبية إلى خارج البلاد بدعوى إكمال الدراسة ، وهم عبد العزيز الحلو ، ياسر عرمان ونيال دينق، الأول والثاني غادرا إلى الولايات المتحدة الأمريكية والثالث إلى بريطانيا، فما هى الأسباب التى أدت إلى ذلك، وما أثر ذلك على مجمل الأداء فى تنفيذ الإتفاقية، والأوضاع فى جنوب كردفان ؟
صراع النشأة :
للإجابة على ذينك السؤالين ، فإن إضاءة خفيفة على أوضاع نشأة القيادة داخل الحركة الشعبية ، ستعطى خلفية مهمة تساعد على فهم ديناميات صراع القيادة بالحركة الشعبية .
فالثابت أن تمرد د.جون قرنق الذي تزامن مع أحداث بور فى 16 مايو 1983م ، سبقته نشأة مجموعة من الحركات المتمردة بجنوب السودان ، منها أنانيا 2 بقيادة فنسنت كوانج وجيمس بول كور التى تمردت فى أكوبو عام 1975م ، كانت هناك حركة تحرير جنوب السودان تحت قيادة لوكور نيانق لادو ، كانت هناك أنانيا 2 أخرى فى منطقة ولاية الوحدة تحت قيادة مجموعة قيادات أبرزهم فاولينو ماتيب ، كما كانت هناك جبهة تحرير ملوط ، كل حركات الأنانيا هذه وغيرها من حركات تمرد بحر الغزال والتى تكونت من بقايا الأنانيا الأولى لم يكن يجمع بينها رابط تنظيمي .
لقد تزامن تمرد د.جون قرنق وهروبه من خدمة القوات المسلحة إلى ناحية الحدود الأثيوبية ، تزامن تمرده مع تمرد السيدين صموئيل قاى توت ، وأكوت أتيم ، وبوصول هذه المجموعات إلى منطقة (إيتانق) الأثيوبية فى يونيو 1983م بدأت المناقشات حول كيفية تنظيم حركة تقود العمل المسلح ، وأسفرت تلك المناقشات على الإتفاق على تكوين جهاز سياسي وعسكرى حاكم لكل تلك الحركات تحت مسمى (اللجنة التنفيذية التمهيدية ) لتقود التنظيم الجديد الذي أتفق على تسميته بالحركة الشعبية لتحرير السودان ، وأتفق على أن تتولى اللجنة التنفيذية التمهيدية وضع الإستراتيجية السياسية والعسكرية لإدارة الحرب ، وبناء حركة ثورية تكون قادرة على تحريك جماهير الشعب لقيادة النضال المسلح حتى النصر كما جاء فى وصفهم .
لقد كان تكوين اللجنة التنفيذية التمهيدية بالإنتخاب وجاءت النتيجة على النحو التالى :
أ/ أكوت أتيم رئيساً
ب/ صموئيل قاى توت رئيساً للجنة الشئون العسكرية
ج/ جوزيف أدوهو رئيساً للجنة الشئون السياسية ولخارجية .
د/ مارتن ماجير قاى رئيساً للجنة الإدارة والقضاء
ه/ د. جون قرنق رئيساً لهيئة الأركان
لم يتصالح د. جون مع هذه النتيجة فإنقلب على رفاقه وقام بسجنهم فقتل من قتل وسجن من سجن ، وكان من أبرز القتلى صموئيل قاى توت وكان ذلك فى 30 مارس 1984م ... وأعاد قرنق تنظيم القيادة برئاسته تحت مسمى القيادة السياسية والعسكرية العليا ، وضمت إلى جانب قرنق كلاً من :
أ/ كاربينو كوانين نائباً للقائد العام .
ب/ وليم نون رئيساً لهيئة الأركان .
ج/ أروك طون أروك نائباً لرئيس الأركان للإدارة والإمداد
د/ سلفاكير ميارديت نائباً لرئيس الأركان للعمليات والأمن
وأصبحت صفة هؤلاء أنهم أعضاء دائمون بالقيادة العليا وإحتفظ لنفسه بحق تعيين أى عدد من الأعضاء المناوبين ، ولقى كاربينو وأروك نفس مصير مجموعة القيادة التمهيدية الأولى إذ انتهى بهم الأمر إلى السجن فى 14/3/1988م ... وإستمر الحال على هذا (هلامية القيادة وتمحورها حول شخصية قرنق) فحدث إنشقاق فصيل الناصر الذي قاده د. رياك مشار ود. لام أكول لأسباب تتعلق بغياب المؤسسية وعدم وضوح البرنامج ... وظلت مشكلة القيادة كامنة تظهر عند كل منعطف حاد تمر به الحركة ، فإنفجرت فى إجتماع رمبيك فى نوفمبر/ديسمبر 2004م عندما أخذت مفاوضات السلام بكينيا كامل زخمها ، فى شكل مواجهة حادة ما بين سلفا ومجموعته وقرنق ومجموعته وكانت أيضاً على خلفية غياب المؤسسية داخل الحركة ، فى مسيرة صراع القيادة هذا إستطاع قرنق عبر سلسلة من التحالفات الداخلية مع المجموعات المكونة للحركة ، وتبنيه لعدد من المثقفين ورعايته لهم بتكديرهم وتأهيلهم فى كوبا وغيرها من الدول ، وصياغة شخصياتهم على نحو يجعل منهم نجيمات صغيرة تدور فى فلكه ، فإستطاع بذلك أن يبسط سيطرته تماماً على الحركة ، فأضحى الوضع يشير إلى مجموعة من القادة العسكريين (كمندرات ) يقودون جبهات القتال ، ومجموعة من النخبة المثقفة يزين بهم وجه الحركة فى المحافل الدولية ومنابر التفاوض وهى ما عرفت بمجموعة أولاد قرنق ... علاقتهم به أشبه بعلاقة الشيخ مع حوارييه من هؤلاء كان عرمان ونيال دينق والحلو ... وبتنصيب سلفا رئيساً شعر هؤلاء وغيرهم أن فرصهم فى التأثير على مجريات الأمور تتضاءل خاصة وأن أغلبهم لم يكن على وفاق تام مع سلفا فآثروا الهروب بعيداً ... وتزامن مع ذلك صعود المجموعة المؤيدة لسلفا فى إجتماعات رمبيك السابق الإشارة إليها ، خاصة أولئك المنتمين لمنطقة بحر الغزال ، فصعد نجم أليو أيانج وتيلار دينق ، وظهر التأثير الطاغى لبونا ملوال (رغم عدم وجود علاقة تنظيمية له حينها مع الحركة الشعبية) وأضحت المؤتمرات الصحفية ينظمها الصحفى نيال بول الناشط بصحف الخرطوم ، المجموعة الجديدة التى أطلق عليها داخل أروقة الحركة (الوطنيون الجنوبيون) بسطت سيطرتها تماماً على الأوضاع فى مواجهة ما أسموه بمجموعة (أولاد قرنق ) ، وظهرت تجليات هذا الصراع واضحة فى مسار إنفاذ الإتفاقية بإنكفاء الحركة جنوباً مركزة على هدف الحركة الرئيس وهو إنفصال الجنوب دون أدنى إهتمام بحلفائها سواء كانوا رفاق جبال النوبة أو النيل الأزرق أو الرفاق الجدد بدارفور ... غير أن تأثير ذلك على جنوب كردفان كان كبيراً ... ففى ظل رهان الحركة الشعبية بالجبال على نيل تقرير المصير وهو ما فشل قرنق فى تحقيقه لهم عبر التفاوض لقد جاء فى شهادة هيلدا جونسون فى مؤلفها (إندلاع السلام ) "الناشر دار مدارك" فى الصفحة رقم (290) ما يلي :
(طلب منى د.جون ، خلال زيارتى لنيفاشا ، أن أتحدث بشكل فردى إلى عبد العزيز الحلو ومالك عقار حول إستحالة ممارسة جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق لحق تقرير المصير من خلال إستفتاء على غرار الجنوب ... جلست مع كل واحد منهما على حده ، وقدمت لهم قراءتى للمفاوضات ، وأوضحت لهم مخاوف الخرطوم من (البلقنة) من هذا المنظور يمكن للمشورة الشعبية ألا تتضمن إجراء إستفتاء ، لكنها ، مع ذلك ... ستوفر الفرصة للمواطنين لإبداء آرائهم حول الحل الذي تضمنه اتفاق السلام الشامل من خلال المجلس التشريعي المنتخب ... انتهى القادة الإثنان بالموافقة على النص المقترح الذي كنا قد أعددناه ، وكان دكتور جون سعيداً للغاية ، وكان ذلك النص الذي تمت موافقتهم عليه قد شكل لاحقاً الأساس الذي قامت عليه البروتوكولات المتعلقة بالمنطقتين).
هنا تتمظهر بجلاء تأثيرات غياب الرؤية الكلية والبرنامج التنفيذي المحقق لها (غياب كراسة الإجابة النموذجية) ، علاوة على خطورة الرهان على (كرت واحد) وهو تقرير المصير للمنطقتين ، دون إستبصار لجدوى ذلك المطلب ومدى قدرته على تلبية وحل مشكلات المنطقة فى إطاره ، فى تقديري أن ذلك المطلب لم يكن يعبر سوى عن حالة عاطفية جياشة مردها رفقة الغابة ولكنه حتماً لا يمثل البلسم الشافى لمشكلات المنطقتين ، وقد تعرضنا لذلك أكثر من مرة فى الحلقات السابقة .
عوداً على بدء فإن غياب قرنق بالموت ، والحلو بالهروب إلى أمريكا ، وفى ظل غياب أى تنوير من الحركة الشعبية لمنسوبيها حول ما تحقق فى المفاوضات ، ألقى بظلاله على مجمل المشهد العام للأوضاع بالولاية ، فقد عانت الحركة الشعبية بالولاية من مشكلة قيادة حقيقية ، فالناظر للفريق القيادي للجبال وقتئذٍ يستطيع أن يلحظ غياب القيادات ذات الخبرة السياسية والإدارية ، فكل الموجود أولئك الشباب الذين تم تجنيدهم وترفيعهم كضباط بالميدان دون أن تتاح لهم فرصة التأهيل ، سواء فى المجال العسكرى أو السياسي أو الإدارى ، وهو ما شكا منه (محمد هارون كافى) فى السابق حيث أشار كما أوردنا فى الحلقات السابقة إلى عدم إتاحة الفرص لهم من قيادة الحركة الشعبية لأى نوع من التدريب لكادرهم ، حيث قال : (أستبعدنا من كل البعثات إلى كوبا وزمبابوى ، حتى من بعثات التدريب الداخلى ، ذلك فى الوقت الذي نقاتل نحن فيه بإسم الحركة فى جبالنا ونقاتل مع قرنق فى الجنوب ونشترك مع أبناء منطقة الأنقسنا ، لكنا مهمشون داخل الحركة) ، أنظر ص (288) من مؤلف د. سراج الدين عبد الغفار "الصراع فى جبال النوبة " الناشر مركز البحوث والدراسات الأردنية 1996م .
فكانت القيادة الجديدة للحركة الشعبية بالجبال فى بداية فترة تطبيق الإتفاقية بقيادة إسماعيل خميس جلاب ، وهو ضابط تخرج فى الكلية الحربية السودانية ضمن الدفعة (32) وأتهم بالإشتراك فى محاولة إنقلابية منتصف الثمانينيات وهرب من بعد ذلك وهو فى رتبة الملازم تحت الإختبار وترقى فى الغابة إلى رتبة اللواء دون أن تتاح له فرص أى تأهيل عسكرى أو سياسي أو حتى العمل خارج المنطقة سوى لفترة زمنية محدودة عملها بالجنوب .. لقد كان مطلوباً منه قيادة الحركة الشعبية بالمنطقة كقائد مسئول عن عملية غاية فى التعقيد وهى الإنتقال بالحركة الشعبية من تنظيم عسكرى إلى تنظيم سياسي ، وفى نفس الوقت كان مطلوباً منه قيادة الولاية تنفيذياً كوالى بموجب الإتفاقية ، يحيط به مجموعة من (الكمندرات) حظهم فى التعليم والخبرة السياسية غاية فى التواضع ، جميعهم إلتحقوا بالحركة الشعبية فى سن تقريباً واحدة وبمستوى تعليمي متقارب (إبتدائى ووسطى وقليل منهم أكمل المرحلة الثانوية) ، أما حظهم فى العلم العسكري فيقتصر على ما نالوه فى مدرسة تدريب الحركة الشعبية بمعسكر بونقا وأتيانق ، وتم تعميدهم كضباط ومن بعد ذلك مضت الحركة فى تدريجهم فى سلك الضباط دون أدنى تأهيل إلا ما يكتسبه الفرد بمهاراته الخاصة ، ينظرون لبعضهم البعض والحال كذلك (كدفعة) ، لا يأبهون كثيراً لما يميز بينهم فى الرتب ، لأنهم يدركون فى غرارة أنفسهم بل والطريف يصرحون بذلك بأنها رتب غابة ... والحال هذا ينطبق عليهم المثل السوداني القائل (عندما تتلاحق الكتوف يقل المعروف) فقد تلاحقت كتوفهم بعوامل السن والتجربة المشتركة ، وعدم الإكتراث أو اليقين بأن ما يحملون من رتب هى معيار تمييز حقيقي بينهم ... مع شعور جارف بالإحباط بأن ما قاتلوا بشأنه لم يتحقق لهم (تمت برمجتهم على مفردة تقرير المصير) ، وما زاد الطين بله أن الوالى إسماعيل خميس جلاب لم يجد بداً حين عهد إليه بتشكيل حكومته إلا أن يختار من القادمين الجدد للحركة (أسماهم مواطني الولاية ) (جماعة تاكل بارد ) ... عليه فإن من قاتلوا تقاصرت مؤهلاتهم عن أن توكل إليهم أية مهمة ، ومن إلتحقوا بالحركة حديثاً تقسموا مقاعدها الوزارية وتمددوا فى هياكلها السياسية ، فعمد (الكمندرات) إلى قفل المناطق التى كانوا يسيطرون عليها قبل توقيع إتفاقية السلام الشامل ، أو تلك التى تمددوا فيها بعد السلام ، وأسموها (المناطق المحررة) ، فعمدوا إلى تغيير مهمة بعض جنودهم وعينوهم كأفراد شرطة ، وأصبحت كل منطقة من ذلك النوع حاكورة ، يتولى (الكمندر) إدارة شئونها بأقبح صور الإدارة التى ليس لها واجب سوى تحصيل الرسوم والجبايات لمصالحهم الشخصية من المارة والعائدين من المواطنين إلى المنطقة بعد أن سمعوا بحلول السلام، لقد أعاق ذلك التجديد الجديد لقانون المناطق المقفولة الذى طبقته الإدارة الإنجليزية ببعض مناطق الولاية ، أعاق ذلك الأمر قدرة الحكومة الولائية عن تقديم أية خدمات لهذه المناطق ، بل أفرز ذلك الوضع إزدواجية غاية فى السوء فى الأوضاع بالولاية ، فالواقع يشير إلى وجود إدارتين بالولاية ، إدارة تمثلها حكومة تستمد شرعيتها من اتفاقية السلام وتمثل فيها الحركة الشعبية بالوالى و عدد (5) وزراء ، وإدارة اخرى هى إدارة (كمندرات) الحركة الشعبية فيما يسمى بالمناطق المحررة ، ولقد تماهى الوالى إسماعيل خميس جلاب فى سبيله لإسترضاء الكمندرات للتصالح مع ذلك الوضع ، بل وتمادى أكثر بدعمه بإنشاء إدارات أهلية موازية لتلك القائمة حتى قبل الحرب ، فنشأ تبعاً لذلك قضاء أهلى موازٍ ، مع إستمرار لما عرف بمدارس الغابة (PUSHES SCHOOLS) بالمنهج اليوغندى والكيني ، ولعل من أكبر المفارقات فى ذلك الوضع ما حدث بين اللواء إسماعيل خميس ونائبه د.عيسى بشرى ، فقد دعا الوالى نائبه لقضاء العيد معه بمسقط رأسه بمنطقة تيما ، عند تحرك نائب الوالى لتلبية الدعوة إعترضته قوة حراسة المنطقة ومنعته من دخول المنطقة بحجة أن الوالى لم يستشيرهم فى هذه الزيارة وأنه ليست لديهم تعليمات بالسماح له بدخول المنطقة ، وهو موقف تعامل معه نائب الوالى بصبر وحكمة شديدتين فغفل عائداً فى طريقه ، لمَ أقل أن تنفيذ الإتفاقية كان إمتحاناً مستمراً للصبر والحكمة ؟، لم يقتصر الأمر على ذلك فقد تباينت المعرفة ولا أقول التفسيرات بشأن الإتفاقية ، وعندما أقول تباينت المعرفة وليس التفسيرات لأن قيادات الحركة الجديدة عمدوا إلى (نجر) اتفاقية أخرى فى أذهانهم خلاف تلك الموقع عليها ، ببساطة لم يتجشموا حتى عناء الإطلاع على الإتفاقية الموقع عليها ، فقد تقمصتهم مرة أخرى حالة من التوهان فذهبت بعقولهم ومردها خيالات وتوهمات بشأن الإتفاقية فسطروا فى أذهانهم ما لم يكتب فى الإتفاقية ، والأسوأ أنهم صدقوا ما توهموهوا ، آخذين فى الإعتبار حالة غياب الوعى المستمر لدى معظمهم بسبب إنكبابهم على (ملذاتهم) تحت رايات الحرية ، أو بسبب الإحباط .
إزاء هذا الوضع لم يكن هناك بد من تشكيل أغرب لجنة فى تاريخ حكومة السودان ، لاحظ وجه غرابتها من اسمها (لجنة إزالة جميع العقبات التى تحد من بسط حكومتى ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق لسلطاتهما على سائر أنحاء الولايتين) والتى شُكلت بموجب القرار الجمهورى رقم (343) لسنة 2007م بعد تشاور وتداول فى رئاسة الجمهورية ، وبناءاً على توصية اللجنة المشتركة للمؤتمر الوطني والحركة الشعبية ،التى شُكلت لمراجعة أوضاع تنفيذ إتفاقية السلام عقب الإضراب الشهير لوزراء الحركة الشعبية بالحكومة الإتحادية بدعوى أن سير تنفيذ الإتفاقية لم يكن على الوجه المطلوب (وبذلك تسجل الحركة الشعبية أول وآخر سابقة على المستوى الوطني والدولى بأن يضرب الوزراء عن العمل)، لقد جاءت توصيات اللجنة المشتركة والتى سميت (بالمصفوفة) حاملة لتوصيات هى فى الأساس إلتزامات كان يتعين على الحركة الشعبية أن تفى بها ، ولكن عقلية (عجوز الدينكا) السابق الإشارة إليها فى الحلقات السابقة ، ويبدو أن هذه العقلية لم تقتصر على ذهنية من هم فى جوبا فقط ولكن وسمت أداء الحركة الشعبية فى كل المواقع ومستويات الحكم .
إن من أهم مشتملات بروتوكول الترتيبات الأمنية هو إشتماله على مطلوبات وقف إطلاق النار الدائم ، التى تتضمن وتكفل حرية الحركة للمواطنين والبضائع والسلع ، والحال هذه فإن (الحواكير) الجديدة تقع بالمخالفة تماماً لذلك البروتوكول ، كما أن من مشتملاته هو إعادة إنتشار الجيش الشعبي بالمنطقة جنوب خط 1/1/1956م ، فيما عدا أولئك الذين تم إختيارهم للمشاركة فى الوحدات المشتركة المدمجة وعددهم ثلاثة ألف ، ليس هذا فحسب بل ووقف التجنيد أيضا، ولكن لم يعاد نشر أى فرد جنوباً ، كما بدأت عمليات تجنيد محمومة وأوسع عملية لمنح الرتب فنشطت وإزدهرت صناعة (حياكة العلامات العسكرية) وإستخراج بطاقات الضباط والأفراد ...
هذا يقودنا إلى ضرورة تسليط الضوء على المبررات التى ساقت تكوين (لجنة إزالة العقبات) ، فما هى تلك العقبات التى شكلت اللجنة لإزالتها ؟، كيف مضى مسار إنفاذ الإتفاقية بالمنطقة بالنظر إلى ما ورد ببروتوكول حل النزاع بالمنطقتين ؟، هذه مقدمات ضرورية تضئ الطريق لتتبع (حالة السلام) بالمنطقة وما أدت إليه ، فتابعوا معنا فى الحلقة القادمة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.