الولايات المتحدة لا تتوقف عن محاولة حصار الدول العربية على امتداد القارتين الآسيوية والإفريقية التي تضم الدول العربية وهذه الحقيقة كانت واضحة منذ الخمسينيات وتنفيذ الرئيس الأميركي (أيزنهاور) نظرية ملء الفراغ الذي ستخلفه بريطانيا وفرنسا في المستعمرات التي تتطلع واشنطن إلى ضمها لنفوذها. ففي عام (1953) أعدت واشنطن انقلاباً على النظام الديمقراطي الإيراني وأطاحت برئيسه مصدق ووضعت دكتاتورية شاه إيران مكانه لمحاصرة العراق.وجعلت واشنطن من تركيا دولة تحاصر وتهدد سورية منذ الاستقلال عام 1946. وفي القارة الإفريقية أعدت دولاً تحيط بالسودان وليبيا والجزائر على شكل احتياط. لمعاداة دول شمال إفريقيا العربية... وقبل اصطناع التمرد في اقليم دارفور ، كانت (تشاد) تشكل دولة تشتبك مع ليبيا في الثمانينات وكانت دولة مالي الفقيرة الصحراوية الإسلامية تعيش على مساعدات مالية من معمر القذافي ثم أصبحت فجأة ذات قيمة إستراتيجية للولايات المتحدة وإسرائيل منذ أكثر من خمسة أعوام.فدولة مالي لها حدود مع الجزائر وموريتانيا والكل يعرف أن الجزائر ستتعرض لحملة لتغيير النظام بعد ليبيا وهي المجاورة لليبيا وتونس والمغرب أي إنها خارج دائرة السيطرة الأميركية بشكل من الأشكال والدعوة إلى تقسيمها لا تزال على جدول الأعمال الأميركي بمساعدة حلفاء أميركا العرب والأفارقة على غرار السودان.ولذلك بدأت معالم جديدة بالنسبة للبعض تظهر لتشير إلى الدور الأميركي في تغيير النظام في دولة (مالي) بهدف إحكام الحصار على كامل منطقة جنوب الدول العربية الإفريقية في شمال القارة وخصوصاً لمصلحة استهداف النظام الجزائري. فقد كشف (جاكوب هورنبيرغر) في نشرة (عومينتريز) الأميركية أن المخابرات الأميركية هي التي أعدت الانقلاب العسكري في دولة (مالي) وأن الكابتن (أمادو هايا سانوغو) زعيم الانقلاب كان قد حصل على تدريبات خاصة في الولاياتالمتحدة ضمن اتفاقية (مكافحة إرهاب) الموقعة مع حكومة مالي منذ عام (2004). وحصل على تدريب عسكري وتعليم للغة الإنكليزية في قاعدة جوية في (لاكلاند) تكساس خلال عامي 2004- 2005 ثم استدعته وزارة الدفاع الأميركية لتدريبات أخرى في عام 2008 في أريزونا وذكرت مجلة (تايمز) أنه حصل على دورة قادة مشاة خلال شهر آب 2010 في جورجيا وكشفت صحيفة نيويورك تايمز أن سانوغو حصل على كل هذه التدريبات لإعداده لقيادة البلاد في الوقت الذي تتيحه الظروف.وإذا كان من الطبيعي أن يتحول كل نظام يتحالف مع الولاياتالمتحدة حليفاً أو صديقاً في أقل الاحتمالات لإسرائيل فإن تل أبيب تشعر أن هذا الإنجاز الأميركي في محاصرة الجزائر وموريتانيا سيشكل امتداداً لخطتها التي تعدها من دولة جنوب السودان باتجاه محاصرة أي عربي معادٍ لها في شمال إفريقيا العربية. سانوغو..مكاسب للطوارق ومصالح للغرب! انقلاب عسكري مباغت أقدم عليه ضباط صغار في مالي على رئيس البلاد ليثير مخاوف عدة تتعلق في الأساس بالوضع الأمني للدولة الواقعة في غرب إفريقيا وما حولها فضلا عن استغلال الغرب وعلى رأسها فرنساوالولاياتالمتحدة الأمر للتدخل العسكري والاستخباراتي وسط توقعات بتحقيق الطوارق لمكاسب على الأرض خاصة في شمال مالي والتي طالما رغبوا في إقامة وطن لهم فيها. فقبل 5 أسابيع من الجولة الأولى من انتخابات رئاسة كانت مقررة في 29 إبريل المقبل، أطاح ضباط متمردون من ذوي الرتب الصغيرة بالرئيس أمادو توماني توري الأسبوع الماضي مبررين موقفهم بالقول إن حكومته لم تدعم بشكل كاف المعركة التي يخوضها جيش مالي ضد الطوارق العرب في الشمال الذي يعج بالأسلحة والمقاتلين خاصة بعد رحيل معمر القذافي وتدفق الاسلحة على الشمال. وقد تعهد قادة الانقلاب بإعادة السلطة إلى رئيس منتخب ديمقراطيا بمجرد إعادة توحيد البلاد، وتواردت أنباء بأن الرئيس توري لا يزال في مالي حيث يحميه الموالون له في منطقة قريبة من العاصمة باماكو، فيما قالت منظمة العفو الدولية إن قادة الانقلاب (بزعامة الكابتن أمادو سانوقو قائد لجنة اعادة الديمقراطية واستعادة الدولة) اعتقلوا عدة أعضاء من حكومة توري، وطالبت بإطلاق سراحهم. ولا يستطيع قادة الانقلاب فيما يبدو السيطرة على جنودهم مما نتج عنه قيامهم بالنهب واطلاق النار العشوائي في الشوارع على مدار الأيام الماضية الأمر الذي يثير المخاوف بالنسبة للمستقبل الأمني للبلاد، كما يتوقع مراقبون أن الانقلاب العسكري وما تبعه من تدهور أمني في هذه البلاد سيسهم بشكل كبير في زعزعة أمن المنطقة وستكون فرصة مناسبة للمسلحين لتحقيق مكاسب مهمة على أرض الواقع.وقد بدأ متمردو الطوارق في الشمال الذين تسببت هزيمتهم للجيش المالي في الانقلاب في باماكو يندفعون نحو الجنوب لتحقيق مكاسب منتهزين حالة الاضطراب، ويقول الطوارق إنهم يريدون انشاء دولة مستقلة في أنحاء المنطقة الشمالية. وتعد مالي ثالث أكبر منتج للذهب واليورانيوم في افريقيا ومنتج كبير للقطن في القارة وفي العالم على نطاق اوسع وينظر إليها على انها دولة ديمقراطية مستقرة نسبيا في منطقة مضطربة بشكل دائم تلازمها الانقلابات والعصيان المدني منذ عقود، كما أنها حليف للحكومات الاقليمية والغربية في جهودها لمنع الهجمات وعمليات الخطف التي يقوم بها مسلحون مرتبطون بالقاعدة من الانتقال جنوبا عبر الصحراء. وبحسب ما ذكرته مصادر أمنية مطلعة، فإن منطقة الساحل الإفريقي بدأت تشهد عمليات إنزال عسكري فرنسي وأمريكي كثيف بعد انقلاب مالي، حيث تتواجد قوات عسكرية فرنسية وأمريكية بشكل ملحوظ في عدة مناطق من شمال مالي، خاصة على الحدود مع الجزائر والنيجر وموريتانيا، كما تتحرك المصالح الاستخباراتية لعدد من الدول بشكل كبير في منطقة الساحل تحت غطاء منظمات المساعدات الإنسانية.وأوضح ذات المصدر أن باريس وواشنطن سارعتا إلى فتح قنوات اتصال مع قيادات الحركة الوطنية لتحرير الأزواد التي تطالب بحق تقرير المصير للطوارق والتي بدورها تقدمت إلى الانقلابيين في باماكو، بعدة اقتراحات وطلبات، وهو ما يصب بالطبع تجاه تحقيق مطلب الأزواد في الانفصال عن دولة مالي في ظل سيطرة الانقلابيين على الحكم، وقبل العودة إلى الحياة الدستورية في البلاد.وبعد سقوط نظام القذافي عاد الكثير من ابناء الشمال الذين اشتركوا في قمع الانتفاضة الليبية في صفوف قوات القذافي بالكثير من الأسلحة وانضموا للجبهة مما مكنها من السيطره على عدة مدن في الشمال مما أثار المخاوف داخل الجيش حول وحدة البلاد.ويبدو أن تصاعد هجمات الجبهة القومية للازواد على الجيش الحكومي شكل السبب الرئيسي للانقلاب، ولكن هل سيمتد هذا الانقلاب إلى خارج مالي ليصيب المنطقة بأكملها باضطرابات أمنية شديدة وهل سيقوم الطوارق بالتحالف مع أطراف أخرى خاصة من القاعدة لتوسيع نطاق سيطرتها؟ كل هذه الأمور ستضح خلال الأيام المقبلة.