كان رئيس الجمهورية عمر البشير قد قال في احتفال وضعه لحجر أساس مصنع سكر النيل الأبيض قبل أكثر من عقد وكان ذلك بعد صدور قرارات الرابع من رمضان الشهيرة التي أبعد بموجبها حسن الترابي من رئاسة البرلمان «المعيّن» بعد حله إيذاناً لإطلاق عملية الانفتاح الديمقراطي كان الرئيس قد قال مخاطباً الجمهور: «انخدعنا في الترابي».. وقلنا إن عبارة الرئيس عمر تذكرنا بمقولة أمير المؤمنين «عمر» رضي الله عنه حيث قال الأخير: من خدعنا بالدين انخدعنا له».. ويبدو أن هذا الانخداع قد انطبق على الرئيس «عمر» رغم تحذير أمير المؤمنين «عمر». إن «الانخداع» جلب على السودان العقوبات الاقتصادية، وكان من الممكن تفادي هذه العقوبات التي صدرت عام 1997م مع المضي في طريق تنفيذ المشروع الحضاري. والآن هذه العقوبات الاقتصادية تقف وراء تأجيل افتتاح مصنع سكر النيل الأبيض، ويقول وزير الصناعة المستقيل والمرفوضة استقالته من قبل الرئيس يقول: «إن استقالتي جاءت لما سببته للدولة والشعب من حرج بسبب تأجيل الافتتاح لعدم توفر برنامج تشغيله بسبب المقاطعة الأمريكية».. وقال مدير المصنع حسن ساتي: «التأجيل تم لظرف فني طارئ مرتبط بطرف خارجي».. ويقصد المقاطعة الأمريكية. إذن اكتشف الرئيس انخداعه في الترابي بعد تعرض الاقتصاد السوداني لخطر العقوبات الدولية التي كانت من الثمار المرّة لارتباط الترابي بالحكم. ربما ظن الترابي بعد حركة تغيير 30 يونيو 1989 أنه الخليفة محمد الفاتح العثماني، فراح يصول ويجول ويقول دون مراعاة أو استيعاب لحساسية الظروف الدولية المحيطة بنظام حكم برنامجه الأساسي هو استئناف الحياة الإسلامية.. ولعل الساسة والمفكرين الغربيين ظنوا أن المهدية تعود في السودان بثوب جديد خاصة وأن الترابي هو صهر عائلة المهدي.. لكن لا الترابي يريد إعادة إنتاج المهدية ولا الغرب يفهم هذا ليعتبر أن السودان سيحكم بنظام قانوني مماثل للنظام القانوني في المملكة العربية السعودية. لم يُحسن الترابي التصرف السياسي ولذلك لم يستطع إرسال رسائل سياسية ذكية للمجتمع الدولي كما فعل من بعده رئيس البرلمان الحالي «المنتخب» احمد إبراهيم الطاهر.. ويبقى الآن تأجيل افتتاح مصنع سكر النيل الأبيض واستقالة وزير الصناعة المرفوضة حصاداً لاستعجال اعلان علاقة الترابي بالحكم ومن ثم توطيدها بجعله رئيس الجهاز التشريعي «المعيَّن». ومن يوم الاحتفال بوضع حجر أساس سكر النيل الأبيض وعبارة البشير :«انخدعنا في الترابي» إلى حصاد علاقة الترابي بالحكم في العشرة أعوام الأولى من عمر هذه الحكومة، والحصاد هو المقاطعة الأمريكية التي تسببت في عدم توفر برنامج تشغيل المصنع، في هذه الفترة انطلقت حزمة مبادرات لجمع صف الإسلاميين، أي أن تعود علاقة الترابي بالحكم وكأن البلاد في حاجة إلى التخبط السياسي كثمن لطموحات الترابي الشخصية. لكن كم بالمائة من قيادات وقواعد حزب الترابي عادت إلى حزب المؤتمر الوطني الحاكم؟! لماذا عادوا بدون الترابي؟ إن عودة الترابي بعد التعافي السياسي الذي شهدته البلاد يعني العودة إلى الحماقات والانفعالات السياسية التي من نتائجها عدم توفر برنامج تشغيل مصنع سكر النيل الأبيض يوم الاحتفال بافتتاحه بتشريف الرئيس. لقد وضع الرئيس حجر أساس المصنع وقال «انخدعنا في الترابي».. كان هذا قبل أكثر من عشر سنوات، أما الآن فقد تعذّر الاحتفال بافتتاحه في الموعد المضروب بسبب نتائج سياسات العقد الأول لحكومة 30يونيو 1989م.. إن النفط الذي يستخرج يحتاج إلى محطات معالجة ليصلح للتسويق، وقد كان يوم الرابع من رمضان الموافق 12/12/1999م محطة معالجة لحكومة الإنقاذ التي جاءت عام 1989م، لكنها معالجة متأخرة جداً حيث جاءت بعد عامين من فرض العقوبات التعسفية عام 1997م، اكثر من عشرة أعوام لم تتمكن الدولة من معالجة آثار علاقة الترابي بالحكم منذ عام 1989م. حتى السجن التمويهي لم تتم الاستفادة السياسية منه على النحو المفروض. استعجل الترابي الإطلالة البهية الباسمة على الشعب والعالم من موقع علاقته بالحكم لذلك استعجل المجتمع الدولي فرض العقوبات على السودان والعدوان عليه سراً بدعم التمرد وعلناً بقصف مصنع الشفاء فكانت تنازلات نيفاشا وكان تأجيل الافتتاح.