افسح المجال اليوم للشيخ عمر حسن حسين خطيب مسجد عوض هجو أمبدة الحارة التاسعة فإلى مقاله: الكاتب علي يس يصر على أن يحرج نفسه بالكتابة في المواضيع الدينية، وأجدني مضطرًا لإيضاح إحدى الواضحات وهي أن الناس بالنسبة إلى علمهم بالشرع قسمان علماء وهم أهل الذكر، وغير علماء وهم أهل السؤال، قال الله تعالى: «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون»، فواجب العامة السؤال والتعلم، وواجب العلماء التعليم والإفتاء وهو واجب قصر عليهم لا مدخل لغيرهم فيه بوجه وذلك بمقتضى الشرع قال الله تعالى: «ولا تقف ما ليس لك به علم» وبمقتضى طبيعة التعاطي مع العلوم وضرورة احترام التخصص، وواضحة أخرى وهي أن الكاتب علي يس ليس من علماء الشرع من قريب ولا بعيد ولا ينتطح فيه عنزان، لأن العالم يعرف بشهادة سابقيه من العلماء الذين عاصرهم، قال مالك: «ما أفتيت حتى شهد لي سبعون من أهل العلم أني أهل لذلك» وعلي يس حسب علمي لم يشهد له أحد بالعلم، بل العكس صحيح فالورطات التي يتورط فيها بين الفينة والأخرى تنم بجهله المطبق بالشرع وهذا ليس تعييرًا بقدر ما هو تعريف له وللناس بحقيقة قدره، والنتيجة الضرورية أنه لا ينبغي لعلي يس أن يتطفل على منازل العلماء بل يقال لأمثاله «ليس ذا بعشك فادرجي». وقد أفزتني مقالته الأخيرة التي سماها «الدين الرخيص» لأن فيها أمورًا تهدم أصل الدين فلزم كشفها: قال علي يس مزريًا على بعض الناس وصفهم بأنهم «النموذج الذي يتعامل مع النصوص الدينية باعتبارها منظومة قيم متحوصلة ومحددة وحاسمة ومنافسة لمنظومة القيم الإنسانية» بينما يعجب علي بالنموذج «الذي يعلم أن قسمًا كبيرًا من قيم الدين هي قيم إنسانية فطرية بالأساس، وأن ثمة أساس «كذا» قيمي إنساني مشترك بين جميع البشر أيًا كانت أديانهم» وهو على عادة أمثاله يعمد إلى معان مشوهة يعميها بألفاظ مموهة، فالنصوص الدينية هي في الحقيقة القرآن والسنة النبوية، أما ما وسمها ب «منظومة القيم الإنسانية» فهي عبارة فضفاضة صالحة للمراوغة والمناورة لكنها لا تنفق في سوق العلم، وأيًا كان مراده بها فأنت تراه يسوؤه أن يكون القرآن وسنة النبي صلى الله عليه وسلم منافسًا لتلك المنظومة المزعومة، بل عند علي يس ينبغي أن يفسح كلام الله وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم المجال لمنظومة علي يس لتكون في المقام الأول ثم يأتي تاليًا كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ومع أن هذا الكلام الكفري لا يمكن أن يصدر من مسلم يؤمن بالله ورسوله ويقرأ قول الله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله»، فإن علي يس قاله بعبارة لا يمكن أن تعني غيره كما تراها، فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة.. وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم. وليس ذا عجب من علي يس فما هي قيمة القرآن عنده وما هي قيمة السنة؟ أما القرآن فعنده أنه وإن كان لا يحتمل النقاش في صحته فإنه «يحتمل النقاش في تاويله حسب ضوابط اللغة» وهنا مكمن الداء الذي أودى بعلي يس، إذ لا مشاحة في النقاش حول تأويل القرآن إذا وجد مقتضى ذلك، وإنما المشاحة في مرجعية هذا النقاش، فالحق أن الصحابة رضي الله عنهم كما رووا عن النبي صلى الله عليه وسلم نص القرآن فقد رووا عنه تأويله كما قال جابر في بعض حديث الحج»... ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله وما عمل به من شيء عملنا به» رواه مسلم، ولما خرجت الخوارج على علي بن أبي طالب رضي الله عنه واستبدوا بآرائهم في تأويل القرآن ناظرهم ابن عباس رضي الله عنه أعلم الأمة بالتأويل بلا مدافع، واعلمهم ضرورة بمرجعية التأويل فكان مما قاله لهم: «ماذا تنقمون على ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني عليًا ... ومعه من أصحاب رسول الله من ليس معكم وليس معكم منهم أحد وعليهم أنزل القرآن وهم أعلم بتأويله» ثم روى التابعون عن الصحابة التنزيل والتأويل معًا، قال مجاهد بن جبر المكي: «قرأت القرآن على ابن عباس ثلاث مرات أوقفه عند كل آية» وقال الإمام أحمد: «إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به» ولهذا المعنى الذي بسطناه كان حظ المرء من علم التأويل بحسب حظه من علم السنة ونقول السلف، قال عمر رضي الله عنه: «إذا جادلكم أهل الأهواء بالقرآن فجادلوهم بالسنة، فإن أصحاب السنن هم أعلم بالقرآن» ولو كان الأمر كما يظن علي يس أن يستبد في تأويل القرآن بقواعد اللغة فإن كفته لن تزال شائلة لأن الصحابة هم الذين نزل القرآن بلغتهم لا بلغة الصحافة المعاصرة، وهذا على سبيل التنزل وإلا فإن المعتبر في تفسير كلام أي متكلم هو ما أراده هذا المتكلم بكلامه لا كل ما احتملته اللغة لكلامه من معنى ولو على وجه، ومن تنكب هذه الجادة ظلم الناس في تفسير أكثر كلامهم. ذلك وخبر علي يس مع السنة فاقرة من الفواقر، لأن السنة عنده تدخل في كلية عامة، عبر عن هذه الكلية بأنها «نص نسبي» هذا النص النسبي هو «كل ما نسب إلى البشر بمن فيهم النبي نفسه صلى الله عليه وسلم وهذا لا بد من إعمال العقل فيه وفحصه ليس مرة واحدة وفي عصر واحد... ولكن في كل زمان وكلما قامت الحاجة أو جدّ شأن يستوجب إعادة الفحص» وهذا كلام لو تكلم به من يعلم معناه ولوازمه حق العلم كفر رأسًا بلا مثنوية، لأنه جعل كلام النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو وحي يوحى في منزلة كلام آحاد الناس من حيث احتمال الخطأ والصواب أو الصلاح للناس وعدمه بحسب اختلاف المكلفين واختلاف ظروفهم وهذه ردة مستقلة، وأتمنى صادقًا أن يكون أخطأ التعبير فإني جهدت جهدي في إجالة عبارته على معنى أفضل فما صح لي ذلك، هذا فضلاً عن أن عبارة « ... بمن فيهم النبي نفسه» لهي مما لا تسيغه أفئدة المؤمنين الذين يقرأون قول الله تعالى» لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضًا». والحق أن كل ما صحت نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم من السنن فهو حق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وإني أذكرك يا علي قول النبي صلى الله عليه وسلم: «يوشك رجل شبعان متكئ على أريكته يأتيه الأمر من أمري فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، ما وجدنا فيه من حلال أحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله، ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه» هذا ويعيب علي يس على ذلك «النموذج» أن السلف عنده كائنات مقدسة وليسوا بشرًا وفهمهم للنصوص هو الحجة ... إلخ» وفي كلامه بهتان وغلط، أما البهتان فإن القول بوجوب الاقتداء بالسلف في فهم النصوص ليس قولاً بعصمة آحادهم من الخطأ كما يحاول أن يوهم الناس وهذا أسلوب رخيص، وإنما الاقتداء بهم لاقتضاء المعنى الذي بسطناه لأولويتهم بمعرفة التأويل من غيرهم. أما الغلط فإن علي يريد أن يقول: ما دام السلف بشرًا يصيبون ويخطئون فنحن أيضًا بشر، ونحن رجال وهم رجال فليسوا بأولى منا بالاستقلال بمعرفة التأويل، وهذا تلبيس وتدليس معًا، لأننا لم ننازع في بشريتهم وقابليتهم للخطأ، لكننا نقول بحق إن صوابهم أكثر من صواب غيرهم بكثير وخطأهم أقل بكثير من خطأ غيرهم ولا مقارنة وهذا هو المعنى الذي يرجع بسببه الناس إلى أهل الاختصاص في كل فنون المعرفة الإنسانية. والعجيب أنه في إزرائه على المقتدين بالسلف الصالح يستعير ذات الألفاظ النبوية التي حث بها النبي صلى الله عليه وسلم على الاقتداء بهم! فاسمع قوله وهو ينسب للقرآن «تسفيهه المتواصل للتدين ... الذي لا يبذل فيه المتدين ما هو أبعد من الاطلاع على أقوال السلف ثم الاعتصام بها والعض عليها بالنواجذ ..!!» وقارن بقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث العرباض بن سارية المشهور» ... عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ» يظهر لك بعض ما طوى عليه جناحه، ويوم القيامة تبلى السرائر، ونواصل إن شاء الله. عمر حسن حسين خطيب مسجد عوض هجو أمبدة ح/9