عندما يترافق الجهل بالتاريخ، مع ضعف الإحساس بحقائق الإيمان، مع التوتر الحزبي الطائفي العميم، ينجم الخطر العظيم. وبهذا انزلق القيادي بحزب المؤتمر الشعبي المارق، الدكتور بشير آدم رحمة، في منزلَق خطر بسبّه لصحابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ووصف أحد أجلائهم بداء الدكتاتورية. وقال ردًا عن سؤال وجهه إليه الصحفي الأستاذ الصادق المهدي الشريف: «لو جاء صحابي للحكم في جو شمولي سوف يصبح دكتاتوراً.. ولديك مثال في معاوية بن أبي سفيان». فتالله إنك لا تحمل، ولا يحمل شيخُك وزعيم حزبك، عُشر معشار أفضال سيدنا معاوية بن أبي سفيان، صاحب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأمين الوحي الشريف. وإنك، وإنه، ومعكما مع عضوية حزبكم كلها مجتمعة، لا تدركون مُدَّ سيدنا معاوية بن أبي سفيان ولا نَصيفه. قلة احترام الرموز الدينية هذا ولم تدهشنا قِحة هذا المتحدث من قبل حزب المؤتمر الشعبي المارق، وجرأته في سب إمام الخلفاء بعد الراشدين، والتعدي على حرمته. فقلة احترام الرموز الدينية بعض أقل ما يمكن أن يرثه من يكثر من مخالطة حسن الترابي ومن يتشبع بأهوائه ويتردى في ميوله الوخيمة. وقد تجاهل هؤلاء نهي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن التعرض لأصحابه بأقل سوء. وقد روي عنه، صلى الله عليه وسلم، أنه نهى سيدنا خالد بن الوليد، وهو من هو في الفضل، عن التعرض لسيدنا عبد الرحمن بن عوف، لأنه سبقه في درب الإيمان. فكيف ساغ لمن تأخر جدًا في سلك الزمان، ودرب الإيمان، من أهل السودان، أن يفتري الكذب والبهتان، على سيدنا معاوية بن أبي سفيان، الذي أسلم باكرًا وهو ابن عشرة وثمان، وعده الإمام عبد الله بن عباس من الفقهاء الأعيان؟! لا شك أن حسن الترابي هو من علّم بشير آدم رحمة ذلك وأورده إلى مراتع الغي الوخيم. ولا شك أنه هو من جرّأه على التطاول على عظماء الإسلام وكبار أهل الإيمان. فقد أكثر حسن الترابي في كتاباته ومحاضراته في معارضة معنى الحديث النبوي الصحيح الشريف الذي رواه مسلم :«خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ». زاعمًا أن مدلوله ليس ضروريًا في كل الأحوال! وذلك رغم أن معناه متساوق مع ما جاء في القرآن الشريف عن الموضوع نفسه، وهو قول الله تعالى: «لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً». الحديد: 10.. ومتساوق مع قول الله تعالى: «وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ». التوبة: 100 فهذا مما يفيد أن الله تعالى قد تاب عن الصحابة، ورضي عنهم، ومن ثم ما جاز لنا أن نتعرض لهم أو أن ننتقدهم بسوء. فحسناتهم تغمر سيئاتهم ولهم بفضل سابقتهم حسن المآل بإذن الله. وقد أحسن إمام السنة المفكر المنصف تقي الدين في قوله المبين: إن كثيرًا مما يُروى في حق الصحابة كذب مختلق، وبعضه له أصل لكن زيد فيه ونقص... وإن الذنوب المحققة التي تصدر عن الصحابة، قد يغفر لهم منها ما لا يغفر لغيرهم. فإذا كان الإنسان من سائر المسلمين يُغفر له بالتوبة، ويُغفر له بشفاعة النبي، صلى الله عليه وسلم، ويُغفر له بالحسنات، فالصحابة أولى بذلك لجهادهم مع النبي، صلى الله عليه وسلم، ولسابقتهم في الإسلام. أفهذا الكلام السديد أهدى أم ما سمعتموه أيها الشعبيون الشعوبيون من شيخكم الدكتور الترابي في حديثه التعريضي بهذا الشأن؟! لم يكن الجو شموليًا وهل صحيح أن معاوية، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، جاء ليحكم في ظل جو شمولي، كما زعم بشير آدم رحمة؟! لم يكن الجو شموليًا آحاديًا، وإنما كان جو حريات، وكان وضعًا سياسيًا به سيولة شديدة، وتعددت وتعارضت فيه الآراء والسلطات. وكان معاوية، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، حينها واليًا على الشام، وذلك منذ أن ولاه إياها عمر بن الخطاب، ثم ولاه من بعده عثمان بن عفان، عليهم جميعًا شآبيب الرضوان. وقد تولى معاوية الحكم وانفتح على جميع الأقطاب والأحزاب إلا من أبى. وقد رُوي في شمائله، رضي الله تعالى عنه، أنه لما تولى أمر الناس كانت نفوسهم لا تزال مشتعلة عليه، فقالوا كيف يتولى معاوية وفي الناس من هو خير مثل الحسن والحسين؟ قال عمير وهو أحد الصحابة: لا تذكروه إلا بخير فإني سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: اللهم اجعله هاديًا مهديًا واهد به. رواه الإمام أحمد والإمام الترمذي وصحّحه الإمام الألباني. وقد تمكن معاوية، رضي الله تعالى عنه، من بسط الاستقرار السياسي، وأقبل على نشر الإسلام في أرجاء الأرض، ومهد السبيل لازدهار دولة الإسلام وحضارته. وقد رأى النبي، صلى الله عليه وسلم، في إحدى مناماته، من مآثر معاوية، رضي الله تعالى عنه، ما تبسم له عجبًا ورضا! عن أنس بن مالك عن خالته أم حرام بنت ملحان قالت: نام النبي صلى، الله عليه وسلم، يوماً قريباً مني، ثم استيقظ يبتسم، فقلت: ما أضحكك؟ قال: أناس من أمتي عرضوا عليَّ يركبون هذا البحر الأخضر كالملوك على الأسرَّة. قالت: فادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها، ثم نام الثانية، ففعل مثلها، فقالت قولها، فأجابها مثلها، فقالت: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال:أنت من الأولين. فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازيًا أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية، فلما انصرفوا من غزوتهم قافلين، فنزلوا الشام، فَقُرِّبت إليها دابة لتركبها، فصرعتها فماتت. رواه البخاري. فضائل معاوية التي يجهلها البيطار ولسيدنا معاوية، رضي الله تعالى عنه، فضائل ومناقب شتى سجلها له السلف الشريف، يجهلها هذا البيطار الجهول المدعو بشير آدم رحمة. فقد روى الإمام الطبري في تاريخه أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، خرج إلى الشام، فرأى معاوية في موكب يتلقاه، فقال له عمر: يا معاوية، تروح في موكب وتغدو في مثله، وبلغني أنك تصبح في منزلك وذوو الحاجات ببابك. قال: يا أمير المؤمنين، إن العدو بها قريب منا، ولهم عيون وجواسيس، فأردت يا أمير المؤمنين أن يروا للإسلام عزًا. فقال له عمر: إن هذا لكيد رجل لبيب، أو خدعة رجل أريب، فقال معاوية: يا أمير المؤمنين، مرني بما شئت أصر إليه. قال: ويحك! ما ناظرتك في أمر أعيب عليك فيه إلا تركتني ما أدري آمرك أم أنهاك. وروى الإمام ابن كثير في تاريخه عن علي رضي الله عنه أنه قال بعد رجوعه من صفين: أيها الناس لا تكرهوا إمارة معاوية، فإنكم لو فقدتموها، رأيتم الرؤوس تندر عن كواهلها كأنها الحنظل. وروى الإمام الذهبي في سير أعلام نبلائه أن ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: ما رأيت بعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم أسود، أي أشد سيادة، من معاوية. فقيل: ولا أبوك؟ قال: أبي عمر، رحمه الله، خير من معاوية، وكان معاوية أسود منه. وروى ابن عبد الرزاق في مصنفه عن ابن عباس رضي الله عنهما: ما رأيت رجلاً كان أخلق للملك من معاوية، كان الناس يردون منه على أرجاء وادٍ رحب. أي أنه كان انفتاحيًا، ولم يكن شموليًا بلغة العرب الهجين، المترجمة عن لغات الأعجمين. وهي اللغة التي يلهج بها البيطار، بشير آدم رحمة، ويتهم سيدنا معاوية، رضي الله عنه، ببعض مفاهيمها ومصطلحاتها، التي لا يدرك هذا البيطار إلا أقل القليل من مدلولاتها الباطلة. ولهي أشد المفاهيم والمصطلحات انزلاقًا وانطباقًا على حزب المؤتمر الشعبي المشؤوم. حزب الرجل الواحد الذي إذا ما ذوى ذبل حزبه من بعده واندثر وذاب وغاب!