الجميع مشغول بتلودي وما حولها وانتهاكات المجموعات المتمردة واعتداءاتها على المواطنين.. والناس أيضًا مشغولة بهجليج وما تمثله من أهمية اقتصادية وإستراتيجية.. وأن الاعتداء عليها يمثل اللعب بالنار.. والجميع أيضاً بالتحولات السياسية والمشهد الراهن دولياً وإقليمياً، وسط زحام الأحداث هذه وتتابعها لا أحد يتوقع عودة كابوس الهمباتة الذين يمثلون النواة الحقيقية والقوة الضاربة للحركات المتمردة، عودة هذه المرة ليست على ذلك المنهج التقليدي لكنه بمنهج هجوم التمرد وآليات التمرد!! القادمون من ليبيا قبل سنوات عبر الصحراء كانوا أهم مغريات التمرد فقد كان الهمباتة المنظمون في شكل مجموعات يشقون الوهاد والوديان من خلال الجمال حتى قديماً كان الهمباتي يقول: من جبال حفرة إتراوح المذروب يتجفل زي ديك النعام مضطروب قبالة النجمة ديك مسكن العيشوب ليلك روح يا أبو ساقاً تقول مصبوب ذاك حالهم في السابق لكنهم اليوم غادروا وبعد تجربتهم مع التمرد الذي تفرق إلى مجموعات وكتل صغيرة مسلحة فقد أصبحوا أكبر مهدد لحركة المواطنين الباحثين عن الذهب في تلك الفيافي والصحاري، قبل شهر تقريباً وأثناء عودة مجموعة مناطق التعدين بصحراء راهب اعترضتهم قوة كانت متخفية وبكامل أسلحتها فقد أطلقوا النيران واستولوا على «12» عربة بكل ما تحمل ولم يتعقبهم شخص وقد ذهب المتضررون الى محلية المالحة وفتحوا بلاغات بلا جدوى، وبعد هذه الحادثة بأسبوعين مجموعة مسلحة أخرى اعترضت مجموعة أخرى قادمة من مناطق الذهب مكونة من خمسة أشخاص لكنهم مسلحون فدارت معركة انتصر فيها الشباب المعدنون وانهزم المجرمون بعد أن قُتلوا جميعًا فيما فر أحدهم مخلفين سياراتهم وأسلحتهم، بعد ما أشيع الخبر تشجع الأوائل من الذين نُهبت أملاكهم وسياراتهم وتسلحوا واقتفوا أثر سياراتهم وسط جبال (ميدوب)، أخشى أن تتحول نعمة الذهب إلى نقمة وفتنة ربما تهتك أو تقضي على النسيج الاجتماعي ما بين كردفان ودارفور لأن بطبيعة الحال كل المخابئ التي يتستر فيها المجرمون تقع في مناطق ينتمي سكانها إلى قبائل معروفة فهنا يقع المحظور إذا حاول المجرم الاحتماء بمجموعته السكانية فهنا لابد من إعادة دور عريش رجل الإدارة الأهلية وهو الدور الذي لا يحل مكانه دور آخر أو الاستفتاء عنها، مطلوب أن يكون لرجل وبيت النظام الأهلي دور واضح في حسم مثل هذه التفلتات.. هيبة رجل النظام الأهلي هي ليست نزوة لتلبية حاجاته ورغباته النفسية ولكن تاريخياً الإدارة الأهلية لعبت أدواراً متقدمة في المحافظة على المجتمع والأسرة والعلاقات بين المجموعات السكانية والقبائل.. نعم، إن الإدارة الأهلية مثلها ومكونات المجتمع الأخرى قد شهدت تحولات في الولاءات حسب مراحل التاريخ وما يتطلبه الوضع حينها نقول لا غنى عن دور رجل الإدارة الأهلية.. الحركات السياسية المتمردة في دارفور وشرق السودان حينما ظهرت للسطح لم تكلف نفسها أعباء التعبئة هي وجدت الهمباتي «حصانة مسرح» ووفرت له السلاح وقد استفادت المجموعات المتمردة من معرفة ودراية الهمباتة بالوديان والغابات والطرق المؤدية إلى كراكير الجبال لذلك عدد كبير من الأسماء التي كانت معروفة في دارفور وكردفان صاروا ضمن أشرس القادة الميدانيين وغابوا عن المشهد (الهمباتي) وأصبح الوضع (قلع) عينك عينك بدون هروب لأن القوة متوفرة والمعادلة والتكافؤ غائب، هاهو الكابوس قد عاد لممارسة هوايته في التخويف وقد بثوا الرعب الآن في مناطق الذهب وربما يكون أمرًا مدبرًا سياسياً لأجل تشكيل ضغوط مجتمعية على الحكومة بعد أن أصبح الذهب وسيلة للفرح هم يريدون أن يشردوا المواطنين ويعطلوا الإنتاج، ذات الأمر تكرر في جنوب كردفان منطقة تلودي ومفلوع وأم دوال، كل هذه مناطق تعدين أهلى للذهب شردوا منها المواطنين وعاثوا فيها فساداً، فاليوم أصبح البحث عن عن الذهب مخاطرة وهواجس الأمن والطمأنينة أصبحت المسيطرة على نفوس الناس. أخشى في ظل عدم وضوح الرؤية والحماية الكافية أن يخاطر المواطنين ويحاولوا حماية أنفسهم بذات الأسلوب العشوائي المستخدم في الحصول على الذهب فتقع الكوارث وتتصدع العلاقات المجتمعية ونعود إلى المربع رقم واحد، إذن لابد من إدراك خطورة تجمعات المنقبين عن الذهب ووضع تدابير أمنية وإدارية تضبط ممارسات هؤلاء وذلك من خلال اقتراب الحكومة بصورة أكبر من مناطق الذهب عبر الخدمات والتنظيم ونقاط البوليس وتوفير الخدمات الصحية.. الوضع بحاجة إلى دراسة وتحليل علمي حتى يتمكن الجميع من وضع آليات التنسيق بين الأجهزة الرسمية والشعبية في المتابعة والتنفيذ والضبط الإداري حتى لا تتكرر تجربة دارفور إلى الشريط الحدودي بين دارفور وكردفان الذي يمثل منطقة تجانس وتآلف اجتماعي وتداخل عميق بين القبائل المتعايشة في هذه المنطقة والمتصاهرة.. أخشى أن يهمل الناس عودة هذا الكابوس وهم في غمرة همومهم ومشاغلهم ويستوطن في تلك الأبطح والوديان ويصنع هجرة عكسية جديدة على حواف المدن كتلك التي صنعها الجفاف!!