جلس العم عبد الرحيم تحت ظل شجرة وريفة ومعه عدد من أصدقاء الماضي ولم يشعروا بمضي الوقت وهو يبحرون في ذكريات الماضي والدراسة، فهو كان من الأصدقاء المقربين للحاج سعيد وكان لهما الكثير من الحظوظ وهما يرافقان بعضهما منذ المرحلة الابتدائية والمتوسطة والثانوي إلى أن تفرقت بهما السبل في مرحلة الدراسة الجامعية، ففي السابق لم تكن الجامعة متاحة للجميع ومن يجتهد بقوة فهو الذي يفوز بالبقاء في «البركس» وغيرها من مدن الطلاب الجامعية التي يتوفر فيها كل ما يحتاج إليه طلاب السودان وغيرهم من الجنسيات العربية، وهذه الجامعة الخرطومية كان يأتيها أبناء السودان من الأصقاع ولكن لا يدخلها إلا أصحاب المهارات العلمية العالية والذين يتخرجون في مدارس حكومية لها اسمها ومكانتها، مدارس يحترم فيها التلاميذ معلميهم ويوقر فيها المعلم تلاميذه، مدارس تحترم فيها الدولة المعلم وتعطيه مكانته العلمية التي جاء بها بعد مجهودات مضنية، وكل تلك الذكريات لها طعمها عند العم عبد الرحيم ورفاق الدرج السابقين خاصة وأنهم عاشوا زمنًا أصبح فيه المعلم يحتاج لإجلاس قبل تلاميذه، زمن أصبح فيه الدخول إلى الجامعة يحتاج إلى حفنة جنيهات وليس مجموع درجات علمية تأتي بعد كد وجهد كبيرين، عاش العم عبد الرحيم زمنًا أصبحت فيه المدارس الحكومية تحتاج ألى إجلاس تلاميذها في العاصمة الخرطوم وليس الأرياف، زمن فيه المعلم يحتاج إلى الكثير من أجل إعطاء المفيد لتلاميذه، وتذكر العم عبد الرحيم ابنه الذي يدرس في إحدى المدارس الخاصة جداً والتي أعطى فيها الأستاذ الدرجة الكاملة لابن العم عبد الرحيم رغم الأخطاء التي مررها المعلم دون أن يغمض له جفن، فكان الابن سعيدًا بالدرجة الكاملة ولكن والده كان الأكثر حزناً للمستوى المتدني للتلاميذ ومعلميهم في هذا الجيل، وتذكر العم سعيد ابن صديقه الذي يحضر رسالة الدكتوراه ولكنه لا يفرق بين «التاءين» و... و... وكثيرة هي الذكريات التي أوجعت أعمامنا في هذا الزمان وهم الذين عاشوا أجمل الأيام في سنوات سابقة، وظلوا يحلمون بعودة تلك الأيام لأبنائهم، عودة الاهتمام بالمدارس الحكومية وتوفير الكوادر المؤهلة لها، عودة القوة للشهادة السودانية في مرحلتي الثانوي والأساس اللتيت فُرضتا قسراً على السلم التعليمي، عودة البحث عن العلم في المدارس وليس كيفية إجلاس التلاميذ ومعلميهم. فهل يتحقق ذلك؟ نرجو ذلك.