أيام عصية تلك التي تمر بها البلاد وهي تمتحن في بعض أطرافها بمنطقة هجليج على يد قوات الجيش الشعبي وفلول العمالة والارتزاق التي تساكنه في جوبا، وبعض دول الاستكبار التي تضمر لبلادنا كل حنق وسوء طال أمننا واستقرارنا وسيادتنا الوطنية!. سهرت الدولة والشعب على السلام واتفاقياته مع الجنوب سعياً وراء معانٍ كبيرة رمناها في سلام مستدام وجوار آمن وتعاون يستدعي ويستبقي معاني الإخاء الذي جمعنا لعقود، لكن عقلية أرباب الحركة الشعبية ودعاة «السودان الجديد» أرادوا أن يرسلوا لنا رسائل عدة ومعان جديدة في الإحسان ورد الجميل وحفظ العهود والمواثيق!. كتب من قبل مولانا أبيل ألير كتاباً عقب اتفاقية أديس أبابا 1972 يحمل عنوان: «السودان و نقض المواثيق» يستدرك فيه على أهل الشمال مواقفهم إزاء هذه الاتفاقية، لا شك أنه كان يرى بمنظار تلك الأيام وما خلفه الاتفاق من ظلامات وضغائن والبيئة التي تهيأت له والظروف التي لازمته، لكنه ترى ماذا يقول اليوم وهو يرى ما فعلته حكومة الجنوب بكتاب السلام الشامل وتنكبها للطريق وهي تواجه الدولة الأم التي مكنتها من الانفصال وتحقيق حلم الجنوبيين في إقامة دولتهم، وشخصه شاهد على عصره ويرى ما توافر للجنوب وحجم التنازلات والقرابين والتضحيات التي قدمها الشمال، عندها لا شك أنه بحاجة لأن يكتب عن جنوب السودان ونقض العهود!. ليس هذا فحسب بل لابد له من أن يتناول حالة المكر السياسي وتلوين الحقائق والخداع والابتزاز الذي تمارسه عصابة باقان وأبناء الهالك قرنق باحتلالهم لهجليج، لابد لشخصية بحجم أبيل وخلفيتها القانونية والقضائية ورمزيته السياسية وإسهاماته على مستوى الحكم أن يدرك ما تنطوي عليه فعلة انتهاك القانون الدولي وغزو بلد واحتلال أرضها على نحو ما ظلت تقوم به الحركة الشعبية في أكثر من موقع سوداني على امتداد حدودنا معهم، متجاوزة النقاط الحدودية الخلافية إلى ما هو سوداني شمالي بالقانون والخرط، لأول مرة تستثير حماقة الحركة الشعبية ورعونتها حفيظة أصدقائها وحلفائها وهم يتهامسون في إطلاق الإدانات والتنديد باجتياحها لهجليج، على نحو ما كان في بيان مجلس الأمن على لسان «رايس» ومهاتفة الأمين العام للأمم المتحدة لسلفا كير، وبيان الاتحاد الإفريقي، فضلاً عن تصريحات الدول منفردة واستهجانها لهكذا مسلك!. لم يكن السودان في تاريخه الحديث ومنذ مجيء الإنقاذ أن وجد هذا التعاطف والمناصرة ولو ظاهرياً في أي من قضاياه ومواقفه بمثل ما وجده اليوم رغم التخليط والمداهنة ومحاولة مساواة الجاني بالضحية في بعض المواقف، مهما يكن من أمر فإننا بحاجة لأن نعد ونحصي انتهاكات الحركة الشعبية ونزنها بقدرها، وقد أصبحت تدير دولة تجاورنا وقدرنا أن نتعايش معها ونتكيف مع مواقفها بواقعية بعيدًا عن التقديرات الساذجة والعواطف والأمزجة والصداقات والشلليات التي أضاعت البلاد ولم تبقِ لنا السلام ولا الأرض. مفهوم السودان الجديد قائم وتياراته فاعلة ونشطة في استعادة زمام المبادرة عقب استغفالهم لنا في المفاوضات والمحاولة الفاشلة لاستدراج البشير لجوبا، وما يزال هناك من يرى به ويسعى لتحقيقه من هؤلاء الذين يقومون على أمر الجنوب من أمثال «باقان ألور» بذات العقلية والمفاهيم التي تساندها هذه الدول الماكرة والتي عجز مفاوضونا عن تقديم أي شرح أو تبرير لما أقدمت وتقدم عليه الحركة الشعبية هذه الأيام، وهي تفاوض وتحتل ولا خلوص إلى نهايات في أي من الجولات التي تمت إلا بقدر ما يمكنها من الدفع بأجندتها ومصالحها وتمديد أرجلها وكسب الوقت للانقضاض على منطقة أخرى وقد شهدنا الحروب تشتعل في جنوب كردفان والنيل الأزرق، وبحيرة الأبيض وكاودا تسقطان وها هي هجليج وغدًا يريدون أبيي ولكن طموحنا يقف عند استرداد هجليج، علينا أن ندير المعركة بنَفَس طويل طالما أننا لم نبدأ بالحرب ولم نوقد شرارتها فعملياتنا ينبغي أن تطول العمق الجنوبي بضربات موجعة وتخريب متعمد يستهدف مناطقه الحيوية وكل آبار البترول ومنشآته التي أوجدناها في ظروف حرجة وبالغة التعقيد، يلزمنا أن نطوقهم باحتلال مشروع لمواقعهم طالما اعترفوا بغزونا وتنادوا للتمسك بمواقفهم، فالجنوب لم يهزمنا في معركة واحدة في تاريخه ولم يخرجنا من موقع واحد لأكثر من ثلاثة عقود «إلا بالسلام » رغم فوارق العدة والعتاد وما يجده من دعم وسند مالي ولوجستي من الخارج!. فكيف به الآن وهو ما يزال غضاً ولا يقف على أرجل ولا يمتلك من المصانع والأسلحة والذخائر والمقومات والإمكانات التي يمتلكها السودان الدولة التي تعبر الآن إلى عقدها السادس بجيش نظامي ومؤسسات شرطية وأمنية مقتدرة وواجهات غير نظامية مساندة، نريد لمن تبقى من رموز السودان الجديد أن يقطعوا العشم في إمكانية إنزال الهزائم بمؤسساتنا أو إعاقة بلادنا أو إلحاق الضرر بها أو إقعادها عن مسيرتها مهما تكاثر صفهم وانتظم دعمهم الأجنبي وتجمعت حولهم حركات التمرد الدارفورية التي هجرت ديارها وميادين معركتها الأصل بعد الهزائم المريرة ومقتل خليل وتشريد حركته وفناء القذافي ونظامه، نريد لقواتنا المسلحة أن تستهدف معسكرات هذه الحركات المسلحة وقادتها داخل الأراضي الجنوبية وتفكيكها وشل حركتها طالما بات الجنوب مسرحاً للعمليات باتجاهنا والغزو والاحتلال الجهري لأراضينا عنوة دون أن يرمش له جفن، لا تنفعنا الإدانات ولا تشفع لنا التبريرات التي تعرض فيما نشاهده من تراجع ميداني. هذاالتوجه الجديد القديم لقادة السودان الجديد في التعدي الوقح على حرماتنا وأرضنا وجعل ضرب أمن واستقرار السودان وتفخيخه أحد أهدافهم الرئيسة، لابد له أن يقابل بحملة شاملة عسكرية تستفيد من جذوة النفرة الكبرى التي تنتظم الوطن، والتي بلا شك سترد العافية إلى جسد السودان وهو ينعتق من خبال الجنوب وتركته المثقلة، ويتحرر باتجاه الجمهورية الثانية، يلزمه أن ينهض بتحرير وتطهير كامل أراضيه مهما كلفنا ذلك من تضحيات ودماء وشهداء، فالوطن وبقاؤه هو الهم الأكبر وما دونه فداء لعزته وكرامته التي أرادت أن تدوسها هذه المجموعة النشاذ!. اليوم على قادة البلاد أن يدركوا أن الحركة الشعبية لم تكن تطمح في تحقيق الانفصال للجنوب فحسب، ولكن المجاميع التي تحتشد بجوبا ومن يقف وراءها خارجياً ومن يساندها بالداخل هي مكنون السودان الجديد ونسخته الأصلية خرجت للعلن من واقع حربهم المفتوحة وخطابهم المعلن!. فإما أن تقضي على بلادنا وتفنيها أبدًا كما هو الحال الآن في الصومال ومناطق أخرى من حولنا، أو أن ننقضّ عليهم وقد وجدنا السند والمشروعية والحجة والبراءة من عند الله تعالى «أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير» صدق الله العظيم. هذه المعركة الفاصلة التي قادتنا إليها الحركة الشعبية والمجموعة التي تسيطر على مفاصل حكم الجنوب عبرها وتدفعه نحو الهاوية، لابد من أن تواجه بحصار عسكري اقتصادي اجتماعي وثقافي يمنع كل أوجه التواصل معهم حتى تستبين الأمور ويعي شعب الجنوب مغبة ما وضعته فيه قيادتهم التي انتخبوها بنحو 98% وما أوردتهم من مهالك، بات لزاماً على قيادتنا أن توصل من الرسائل القوية عبر مدافعتنا عن حقنا وعزتنا ما يجعل الأطراف الإقليمية والخارجية التي تشاطر هؤلاء الأفكار وتقاسمهم الهم في إضعاف السودان، من أن يروا أسنان ومخالب السودان المؤذية لمن أراد مجرد التحرش به لا غزوه واستقطاع أطرافه، نقول بذلك وندرك أن لعبة الحرب التي نواجهها ستعمل على تشتيت الجهود وصرف الأنظار بمعارك جانبية وبعض المحاولات الانصرافية، علينا أن نستصحب الهم الأكبر في العمل على إزاحة هؤلاء من سُدة حكم الجنوب كهدف إستراتيجي نضعه نصب أعيننا، لقد بات جلياً أن هذه الطغمة الحاكمة لا يمكنها أن تقود إلى وفاق أو سلام مستدام مع الجنوب، أي تفكير في المهادنة والعدول بالجلوس إلى هؤلاء مرة أخرى في طاولة مفاوضات مهما تعاظمت الضغوط، يعتبر جريمة بحق الوطن وقد استبان شعبنا أن حقيقة هؤلاء أنهم يسعون ليل نهار للانقضاض علينا وتدمير إمكاناتنا ومواردنا بعدما أعادونا إلى مربع الحرب مرة أخرى لأكثر من عقدين من الزمان على ما أوجدنا من اتفاق سلام!!! أراد أصحاب السودان الجديد أن يستقبلوا السيناريو الأسوأ فيه بأن يتحقق لهم الانفصال وتستدام الحرب باتجاهنا.