نحمد الله كثيراً أن عودة الوعي نتج عنها مكاسب كبيرة وكثيرة أهمها أن يصنِّف برلمان السودان دولة الجنوب بأنها دولة معادية.. وعي جديد قلب موقف البرلمان من «فقه» أولاد نيفاشا «الانبطاحي» الذي عبَّر عنه كبيرُهم أمام ذات البرلمان قبل أقل من ثلاثة أسابيع بعبارة تفقع المرارة وتقطع نياط القلب وتفْري الكبد.. عبارة تقول: نقاتل بيد ونفاوض بالأخرى.. إلى فقه جديد اعتبر الحركة الشعبية عدواً إستراتيجياً للسودان بكل ما يعنيه ذلك من تدابير جديدة تقضي باقتلاع الحركة من حكم جنوب السودان أو ما عبَّر عنه الحاج آدم نائب الرئيس: «سقفنا إزالة الحركة الشعبية من الوجود». وكانت الأحداث التي أعادت الوعي للغافلين تترى ابتداء بهجليج ومروراً بالفرح الغامر الذي أنسى طلاب الجنوب الدارسين بكلية علوم الشرطة والقانون أنهم في الخرطوم حين احتفلوا باحتلال جيشهم الشعبي منطقة هجليج السودانية... كانت هذه الواقعة تحديداً درساً بليغاً للغافلين ممّن منحوا أبناء الجنوب الحريات الأربع ليقيموا في أرض السودان بل إن سيد الخطيب وإدريس أجازا ألّا يُحرم من يتمتع بأيٍّ من تلك الحريات منها حتى إذا أُلغيت الاتفاقية.. فبالله عليكم هل من غفلة في التاريخ مثل هذه وهل هؤلاء جديرون بأن يُفوَّضوا للتفاوض حول «زريبة أغنام» ناهيك عن وطن حدّادي مدّادي.. وطن أنجب عظماء دوّخوا بريطانيا عندما كانت إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس؟! باقان كان يخطِّط لزرع عشرات وربما مئات الألوف من أمثال هؤلاء الطلاب الموالين للجنوب في قلب الخرطوم لاستخدامهم خلايا نائمة وقنابل موقوتة تُستخدم لتنفيذ أجندة ومهام محدَّدة هذا بالإضافة إلى ما يقرب من المليون جنوبي موجودين أصلاً في الخرطوم وفي غيرها كانوا ينتظرون توفيق أوضاعهم بموجب اتفاقية الحريات الأربع!! قبل أربعة أيام وتحديداً يوم الجمعة الماضي حدثت اشتباكات عنيفة في الكلاكلة القبة بين مجموعات جنوبية بالسلاح الناري أثارت الهلع بين السكان وقبل ذلك بنحو شهرين انفجرت اشتباكات بين مجموعات جنوبية استُخدم فيها الكلاشنكوف في منطقة الجريف غرب وأمس الأول قُبض على أسلحة كثيرة في منزل نائب رئيس حكومة الجنوب رياك مشار في منطقة الرياض وبالرغم من ذلك تطمئننا الشرطة صباح مساء بأن الأمن مستتب وأن الخرطوم خالية من السلاح بالرغم من علم راعي الضأن في بادية البطانة أن الخرطوم وغيرها من مدن السودان تمتلئ بالخلايا النائمة وبالسلاح الجنوبي الذي أدخلته الحركة الشعبية «لتحرير السودان» خلال الفترة الانتقالية لاستخدامه في اليوم الأسود وليس يوم الإثنين الأسود الذي لا تزال ذاكرة الخرطوم تستدعيه كلما تذكّرت الجنوب ومسيرة الدماء والدموع التي غرق فيها السودان طوال مسيرته السياسية منذ ما قبل الاستقلال. لقد سعدتُ وسعد غالب شعب السودان وهم يستمعون إلى الرئيس البشير عبر وسائط الإعلام وهو يوجِّه خطابه إلى كبير المفاوضين إدريس عبد القادر «تاني مافي حريات أربع يا إدريس».. كانت تلك هي الضربة القاضية التي أعقبها القرار التاريخي للبرلمان حول علاقة السودان بحكومة الحركة الشعبية في دولة جنوب السودان.. وأرجو ألا ينسى المنبطحون أن الحريات الأربع انتهت إلى الأبد وأن يُسجَّل ذلك كقرار ويُحاط به ثامبو أمبيكي الذي أرجو أن يغادرنا ولا نراه بعد اليوم. عودة الوعي التي شهدناها هذه الأيام تجعلني أقولها بملء فيَّ إن احتلال هجليج كان موجعاً لكن فوائده كانت كبيرة بحق فقد أوقف الحريات الأربع وعطّل اعتقال أو قتل رئيس الجمهورية عند زيارته المقررة لجوبا بكل ما يمكن أن يُحدثه من اضطراب سياسي كما أن من فوائده الجمّة توحيد الشعب السوداني ما عدا قلة محدودة خلف القوات المسلحة السودانية واستنهاض الشعب وقواه وأحزابه السياسية وإشعال روح الوطنية بصورة مدهشة ما كان من الممكن أن تحدث بأية وسيلة أخرى. هذه القضية تحديداً تحتاج إلى استفاضة أكثر وتركيز أكبر نظراً لأهميتها فلربما كان الاعتداء على هجليج أو حدوث أية واقعة أو مشكلة أخرى أمراً مهماً من أجل إشعال جذوة الانتماء للوطن الجديد «السودان الشمالي» وبإقناع من لم يقتنع حتى الآن أن الجنوب ما عاد جزءاً من ذلك الوطن القديم إنما هو عدو لدود على الأقل الآن بحكم أنه يخوض حرباً ضد السودان. كنا نحن في منبر السلام العادل منذ أن صدعنا برأينا حول الانفصال الوحيدين الذين انحازوا إلى الشمال وحده دون الجنوب واعتبروا الجنوب وطناً وهمياً مفروضاً على الشمال ولم يختَرْ مواطنو السودان شمالاً وجنوباً السودان بشكله الحالي إنما اختاره المستعمِرون بدون أدنى حيثيات موضوعية وكان الناس في الشمال والجنوب يحسون بالانفصال «الاجتماعي» بين مواطني الشمال والجنوب لكن خداع السياسة هو الذي جعل السياسيين يجبنون عن مواجهة الحقيقة المُرة... حقيقة استحالة تزويج القط والفار والشحمة والنار!! الآن بعد الاعتداء على هجليج آن للشعب أن يدرك أن الجنوب جنوب وأن الشمال شمال وأنهما بلدان مختلفان بل إنهما الآن عدوان لدودان وآن للبكّائين ممن لا يزالون يلطمون الخدود ويشقون الجيوب أو ممن لا يزالون يقفون على الحياد... آن لهم أن يعلموا أن مجرد الحياد بين وطنهم ووطن آخر يشن الحرب عليهم، خيانة وطنية فهلاّ رفع هؤلاء الفراش، وهلاّ تفكروا في وفاء طلاب كلية الشرطة من أبناء الجنوب لوطنهم الجديد بالرغم من أنهم يتلقَّون العلم في وطن آخر يفرحون بهزيمته وباحتلال أرضه!!