لم يشهد السودان تلاحماً وطنياً ووجداناً موحداً مثلما يشهد هذه الأيام التي تتجه فيها كل الجهود وترفع كل الأكف للدعاء لله برد كيد المعتدين ونصرة القوات المسلحة وقوات الشرطة والقوى الأمنية والمجاهدين والفرسان في معركتهم في هجليج ومناطق أخرى، حتى تندحر دولة الجنوب وعملاءها ومرتزقتها والجهات الدولية والإقليمية التي تقف خلفها... وواضح أن الاصطفاف الوطني هو اليوم درس بليغ يقدمه هذا الشعب العظيم، فترى الناس كلهم على قلب رجل واحد، حتى الذين وجدوا في قياداتهم السياسية خوراً وضعفاً تجاوزوها وعبّروا عن مواقفهم وإرادتهم التي تتسق مع حقيقة كونهم سودانيين يغضبون لوطنهم ويثأرون له... ولا فرق في هذه المعركة، بين أيٍّ من أبناء هذا الوطن العظيم، فكلٌّ في مكانه بجهده وبذله يدفع دَينه لوطنه ويدرأ عنه كل جائحة، وينافح بكل ما يملك وبأعز ما يستطيع في سبيله، فقد تلاشت أصوات التخذيل والجبن والعار، وصمتت ألسن المداهنة والخوف ومظاهرة الأعداء، وعلا الجميع فوق كل مرارة وإحن، فالوطن هو الذي سيكسب في النهاية. حديث سامية والشرطة... استغرب الكثيرون حديث نائب رئيس المجلس الوطني سامية أحمد محمد عن قوات الشرطة تعليقاً على بيان وزير الداخلية في البرلمان، وجاء حديث سامية متحاملاً وظالماً للشرطة، بالرغم من أن لجنة الأمن والدفاع الوطني بالمجلس الوطني قد صدرت تقريرها حول بيان الوزير بإشادة واستحسان لأداء قوات الشرطة ودورها في الحفاظ على الأمن ودورها في التصدي للتحديات الكبرى التي تواجه البلاد جنباً إلى جنب مع القوات المسلحة. ولم توفق نائبة رئيس البرلمان في تقييمها لوضع الشرطة التي تقاتل في كل الجبهات، ويشهد لها القاصي والداني بالبلاء الحسن في دارفور وجنوب كردفان ودحرها للتمرد حتى أن الناس هناك يستبشرون خيراً بقوات الاحتياطي المركزي وتتغنى الحكامات ب«أب طيرة نسور الخلاء..».. قدمت الشرطة العديد من الشهداء وليس هناك خلل في أداء الشرطة بارتفاع عدد شهدائها، بل العكس إن اتساع دورها وقتالها جنباً إلى جنب مع القوات المسلحة وتعاظم المسؤولية الوطنية وتعدد جبهات القتال ومجابهة العديد من حركات التمرد في عدد من الولايات وعصابات النهب المسلح ومكافحة التهريب والمخدرات وغيرها، جعلت من قوات الشرطة تنتشر في كل مكان وتخوض معارك طويلة وقاسية لا بد فيها من الشهداء وهم شهداء واجب لم يكونوا في نزهة صيد ولا رحلة أنس حتى يصير استشهادهم يعني خللاً في الأداء. ولم تكتف نائبة رئيس جهازنا التشريعي بالتقليل من شأن وزارة الداخلية والشرطة التي تعد واحدة من أرسخ وأهم مؤسسات الدولة التي صمدت أمام العواصف على مر أكثر من مائة عام، وهي تقفز من تطور لآخر وطالبت بتفكير جديد في إدارة الداخلية، ولا نعلم كيف تفتقت رؤية جديدة لدى البعض في استحداث منهج جديد أفضل وأنسب في إدارة العمل الاحترافي والمهني في وزارة الداخلية، وللعلم فإن وفد (FBI) الذي زار الخرطوم للوقوف والاطمئنان على مجريات التحقيق في قضية مقتل الدبلوماسي الأمريكي غرانفيل، أشاد هذا الوفد بأداء الشرطة في عمليات البحث الجنائي وكفاءتها وقدرتها في الوصول إلى المستوى الصفري في كشف الجريمة في مدى لا يتجاوز«24» ساعة وهذا ما لم تفعله ال «fBI» أو إسكتلنديارد في الولاياتالمتحدة وبريطانيا. والمعروف أن قوات الشرطة توسعت وزاد حجمها بنسبة تفوق ال«50 %» مما كانت عليه وتطورت تقنياً وفنياً ومهنياً بشكل كبير، وهل كانت الأستاذة سامية تريد قشلاقات الشرطة أن تكون على ما هي عليه من عهد المستعمر الإنجليزي أو سيارات الشرطة تظل هي الكوامر القديمة وأحصنة السواري وصفارة بوليس النجدة؟ من الطبيعي أن تتطور الشرطة لتواكب تطور الجريمة وأن تترقى الخدمات التي تقدم للشرطي في العلاج والدعم المعيشي وتعليم الأبناء ومواجهة ظروف الحياة الضاغطة، ولا يعيب الشرطة تنامي استثماراتها لكن يعيبها لو كانت هذه الاستثمارات لا يذهب عائدها وريعها في مصارف أخرى لا علاقة لها بالعمل الشرطي. حديث سامية جاء خارج السياق وليس في مكانه ولا وقته فهل هذا وقت نطعن فيه شرطتنا ووزارة الداخلية في ظهرها؟؟