لم تكن القاعة الكبرى بالمؤتمر الوطني مساء أمس هي تلك القاعه التي وجّه حسن الترابي في وقت سابق بتشييدها .. وليس المكان هو ذات المكان.. ولكن لم يكن الزمان هو ذات الزمان.. عاد عبق الأيام الخوالي التي لم تكن تحلم فيها «الحشرة الشعبية لتدمير السودان»، على قول رئيس المؤتمر الوطني المشير البشير أمس وهو وسط شباب حزبه المجاهد، لم تكن تحلم بالاقتراب من جوبا التي ظلت عصية عليها حتى مكنتها منها اتفاقية نيفاشا ودارت الأيام حتى تجرأت مؤخرًا باحتلال هجليج، ولذلك كان لقاء النفرة والمناصرة من أمانة الشباب الاتحادية بالمؤتمر الوطني. هجليج لنا لا للظلمة كان الحشد الشبابي يفوق حد الوصف هزم نظرية اندثار عهد الاستنفار والجهاد والرمي لي قدام.. كان كل شيء له معانٍ ويدعو للتدبر والتأمل بدءًا من الشيخ الذي تلا آي من الذكر الحكيم وهو يقرأ قوله تعالى: «الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ» والتي تناولت جمع الأعداء للجيوش للقتال ولكن يكفينا الله ما أرادونا به من الأذى نوكل أمورنا لله ونفوضها إليه. قال شباب الوطني الذي تدثروا بالكاكي وربطوا رؤوسهم بعصابات بلون الدم «هجليج لنا لا للظلمة» وعلا الهتاف المكان وارتجت جنبات القاعة التي كان للأمين العام للشعبي حسن الترابي فضل في تشييدها، ولعل ذلك الفضل قد انتقص الآن إلا أن يدينوا ما حدث في هجليج كما ذكر مساعد رئيس الجمهورية د. نافع علي نافع أمس الأول لدى اجتماع حزبه بمنزل نائب الرئيس د. الحاج آدم بأحزاب حكومة الوحدة الوطنية والذي فرضته ظروف الراهن السياسي باحتلال دولة الجنوب لهجليج، وأذكر أن الحاج آدم في ذلك اللقاء قال: « رب ضارة نافعة» وبالقطع تلك المقولة جرت على لسان الرئيس البشير منذ لحظة دخولة القاعة أمس وشباب حزبه على أهبة الاستعداد للذود عن حياض الوطن واستعادة هجليج. كان التفاف شباب الوطني حول البشير لا مثيل بل فاق حتى لحظات مناصرتهم له إبان الانتخابات والأمر جد مختلف والزمان كذلك بعد أن تطاولت الحركة الشعبية على جزء عزيز من السودان ولذلك كان الهتاف الداوي: في هجليج الحد الفاصل بين الحق والباطل جوبا جوة كانت الهتافات تنطلق عفوية وكل منها يحمل دلالات وكل منها له ما بعده على شاكلة « جوبا جوة.. جوبا جوة» و«نحن شهيدنا هناك في الجنة» .. واتسق الهتاف مع الحديث المعبِّر لأمين شباب الوطني المجاهد عبد المنعم السني الذي أرسل رسالة صريحة للطغمة الحاكمة في جوبا وقال يبدو أنهم نسوا أننا اخوان الشهيد علي عبد الفتاح.. وزاد:«لا تفاوض ولا حوار وسنحارب من أجل عزة السودان». وبعدها رفع السني التمام إلى رئيس الجمهورية والذي حيّا شباب السودان الذين قدموا دروساً للوطنية. ولعل أقوى الدروس والمليئة بالعبر كانت ملحمة الميل أربعين والدبابون بقيادة الشهيد الأمة علي عبد الفتاح يشنون هجوماً مضاداً على أرتال دبابات القوات اليوغندية التي ساندت الجيش الشعبي ويفجرونها، وكان السني محقاً وهو يذكر دولة الجنوب بعلي عبد الفتاح وإخوانه.. الكل علي عبد الفتاح أمس كان الجميع علي عبد الفتاح وكان البشير مزهوا بشباب حزبه وشباب السودان الذين شهدوا لقاء النصرة من كل الأحزاب السياسية المستظلة بالحكومة العريضة وكان الاطمئنان بادياً عليه، فخرجت الكلمات كالرصاص بدءًا بوصفه للحركة ب «الحشرة الشعبية لتدمير السودان» والتي تلتها هتافات قوية هزّت المكان مفادها: « يا بشير شعبية تطير» وواضح أنها ستطير والبشير يمضي لأبعد من ذلك بإشارته إلى القول«العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم» ويؤكد تحريرهم للمواطن الجنوبي من الحركة الشعبية بالقول « هذه مهمتنا» وأشار إلى أن الغدر والخيانة ظلتا صفتين ملازمتين للحركة الشعبية ومضى إلى القول «ولذلك إما نحن ننتهي في جوبا وإما هم ينتهوا في الخرطوم»، و«الأمر سجال بيننا» كانت كلمات البشير كالرصاص وكان الهتاف كالحمم البركانية ودبّ النشاط في الجميع وكأنما هجليج عادت وهو شعور قوي ينتاب كل من شهد التفاف شباب الوطني حول رئيس حزبهم ورئيس السودان الذي أطلق البشريات بإعلانه سماعهم نبأ سار قريبا جدا وسبق أن ساق البشير تلك الكلمات بشأن الكرمك وصدق وعده، وذهب إلى أن السودان بوضعه القديم لا يسعهم والحركة الشعبية.