إن الأخ حيدر التوم رغم موقعه المرموق في هيئة علماء السودان إلا أنه يتحدث عن التجديد وكأنه دعوة إلى تجديد الأصل.. إن فكرة التجديد في الإسلام نجد جذورها في حديث المجدد وهو أن الله سبحانه وتعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة من يجدد لها دينها. والمقصود بالتجديد هنا هو إحياء الإيمان وإحياء الأمة لا استبدال نص بنص ولا اجتهاد باجتهاد ولا فتوى بفتوى. والفتوى لا تتجدد أصلاً والسبب في ذلك أن الفتوى تصدر لمن طلبها وتنطبق عليه وحده دون سواه.. ولا تنطبق على غيره إلا على من أشبهت حالُه حالَه وظروفُه ظروفَه والفتوى إذا اعتبرت الفرد والظرف والزمان والمكان فلا سريان لها إلا على هذه الأحوال. ويقولون الفتوى تتغير بتغيُّر الزمان والمكان.. وكان بعضُ الفقهاء إذا سُئلوا عن حادثة تساءلوا: هل وقعت فإذا قيل لهم لم تقع لم يفتوا وقالوا دعوها حتى تقع. وهؤلاء المتنطعون في الفتوى كان يقال لهم «الأرأيتيين». من قولك أرأيت لو كان كذا.. وكان كذا. فالفتوى بنت زمانها ومكانها.. فإذا تغير الزمان والمكان أصبح من الممكن وليس من الضروري أن تتغير الفتوى ولكن الكليات التي تحكم الفتوى تظل كما هي.. وعلى حسب استشهاد الأخ حيدر بقوله تعالى: «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا». فالتجديد ليس في الأصول ولكنه في الفتوى.. ولو لم يكن الأمر كذلك لكان لكل فقيه ومفتٍ دين غير دين سواه من الفقهاء والمفتين». ويتحدث الأخ حيدر التوم استجابة لتساؤلات الصحفيّة التي لا تحسن الحجاب عن التكفير والتكفيريين ويتحدث عن صعود الفكر التكفيري ويربطه بالخوارج ويسميه الفكر الخوارجي والأخ حيدر بقوله هذا لم يوعب في الأمر تفكيراً ولا تحليلاً فالخوارج كفّروا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا وحده كافٍ لاستحقاقهم اسم التكفيريين.. ويزعم الأخ حيدر أن التكفيريين يتمترسون خلف السلف والسلفية.. وحقيقة الأمر أن سلفيي هذا العصر ليسوا تكفيريين والتكفيريون شيء آخر غير السلفيين. والسلفيون وأنا منهم، منهم هيئة العلماء ومنهم الحركة الإسلامية التي تحكم السودان اليوم وأنصار السنة والرابطة الشرعية وجمعية الكتاب والسنة، والإخوان المسلمون بقيادة الصادق عبد الله عبد الماجد ومن تفرع منهم أبو نارد وصديق علي البشير، وينبغي أن يكون منهم المؤتمر الوطني والمنبر وحزب الأمة والاتحادي الديمقراطي إلا الشيوعي وصاحب الفتاوى.. وينبغي أن يكون منهم حيدر التوم خليفة بمكانته في هيئة العلماء وبغيرها.. هؤلاء جميعاً يعلمون أن الإسلام لا يبيح تكفير الأعيان. «من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما».. ولا يدخل في هذا تكفير غير أهل الملة كما يزعم بعض الكتاب من عدم كفر اليهود والنصارى.. بل لا يدخل فيه تكفير الشيوعيين والعلمانيين وكل من أنكر معلوماً من الدين بالضرورة.. ولو كان الأمر على إطلاقه لم يجز تكفير أحد لا من أهل الملة ولا من غيرها.. إن الفكر التكفيري اليوم فكر محاصَر بصحيح القرآن وصحيح السنة وبحركة الناموس التي نشاهدها.. والفكر التكفيري للأسف الشديد يتغذى من التطرف اللا ديني والتطرف العلماني ومن تطرف الصليبية والصهيونية في محاربة الحقيقة الإسلامية المشرقة ومن صمت المتنفذين من أهل السلطة في بلاد الإسلام.. إن اتهام السلفيين بأنهم تكفيريون اتهام باطل.. والتكفيريون في المقام الأول ثلة وأفراد وليسوا سلفيين أصلاً ولا علاقة لهم بالسلف الصالح الذين هم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والقرون التي ذكرها الحديث. واتهام الأخ حيدر للسلفيين بأنهم يأخذون عن الصحابة ولا يأخذون عن القرآن ولا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتهام غير صحيح وأول من ينقضه هو حيدر التوم نفسه بعبارته التي أوردها «ومن قصد البحر استقل السواقيا» فالبحر هو الكتاب وهو السنة والسواقي هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون ومن تبعهم إلى قرنين أو ثلاثة. واجتهاد الصحابة ليس اجتهاداً لنا في نوازلنا إلا بقدر المشابهة والمماثلة. فإذا كان الاجتهاد وكانت الفتوى متعلقة بالثابت فاجتهادهم لأنفسهم اجتهاد لنا لا محيص عن ذلك.. وإذا كان الأمر متعلقاً بالمتحوِّل كما يقول حيدر فالاستئناس بفتواهم مما أوجبه علينا الدين: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور» إلى آخره. ومن المحال أن يقال إن الإسلام في هذا العصر عاجز عن التعامل مع المتحوِّل لعدم وجود النصوص أو لعدم فهمها فهذا طعن في الدين وطعن في الأمة التي أثبت الله لها الخيرية فهي خير الأمم في كل زمان ومكان. والاقتصاد العالمي اليوم رغم ظاهرته الانفجارية ورغم تفوق الغرب علينا في الإنتاج والاستهلاك والترويج والقدرة الشرائية والقدرة التنافسية إلا أن فقه البيوع وفقه المعاملات الاقتصادية لا يزال ثرياً وغنياً ومؤهلاً لأن يواجه كل عواصف الغرب وكل ثرواته وترفه وشروره وآثامه ومؤامراته ودعاواه الفارغة بالاستعلاء والهيمنة والاستكبار.