تعتبر الغيرة شعوراً إنسانياً طبيعياً، يدفع الفرد إلى مقارنة نفسه مع الآخرين، فالقليل منها يفيد الإنسان ويشكل له دافعية نحو العمل والإنجاز الأفضل إلا أن كثيرها يفسد الحياة، ويؤدي إلى أضرار بالغة كالعدوان والمكيدة والرغبة في إفشال جهود الآخرين، والغيرة هي انفعال مركب، يجمع بين حب التملك والشعور بالغضب نحو الآخرين الذين تمكنوا من تحقيق أهدافهم التي لم يستطع الشخص الغيور تحقيقها، مما ينجم عنها أحياناً التشهير بالآخرين أو مضايقتهم أو تخريب أعمالهم وإنجازاتهم، وقد يصاحبها مظاهر اللامبالاة، أو شدة الحساسية أو الإحساس بالعجز، أو فقدان الدافعية للعمل أو النظرة القاتمة للحياة والغيرة والحسد قد يكونان من أسباب الفرقة والشتات للمجتمع مما يهدد أمنه و.. لأهمية هذا الموضوع آثر «البيت الكبير» أن يطرحه لمعرفة الأسباب والمسبِّبات: يقول أحمد «أستاذ جامعي» أن الغيرة والحسد من سمات الطبائع البشرية وهي خلقت مع الإنسان ولكنه يتحتم عليه أن يوظفها في الاتجاه الصحيح وفق معيشته المجتمعية، فالغيرة تسبب صراعات نفسية متعددة. وهي خطر على التوافق الشخصي والاجتماعي، ويصاحبها القلق والتوتر من صاحبها أثناء تفاعله مع الأشخاص الذين توجه الغيرة نحوهم. وتعتبر الغيرة طبيعية حين تظهر في مراحل مبكرة من العمر، نظراً لحب التملك عند الأطفال ورغبتهم في االاستحواذ على حنان الأم، وتعتبر محمودة للراشدين إذا شكلت دافعاً نحو النجاح والإنجاز ومجاراة المتميزين والاقتداء بهم دون التقليل من شأنهم، إلا ملازمتها للشخص في جميع مراحله ومواقفه الحياتية وامتدادها للبيئة التعليمية وبيئة العمل والحياة الزوجية، واختلاطها بالصراع والحسد والرغبة في فشل الآخر، حينها تعتبر حالة مرضية لا بد من التوقف عندها وعلاجها حتى لا تهدم نظم العلاقات المهنية والأسرية والاجتماعية. وترى «تيسير» موظفة أن الحسد والغيرة موجودان وبكثرة في كافة المجتمعات لا سيما طبقاته المختلفة وتأتي من الجنسين على حدٍ سواء فالمرأة تغار من نديدتها المرأة وكذلك الرجل يغار من أخيه الرجل أو قد يكون العكس، وهي من مسببات شرخ العلاقات في المجتمع وتزيد من التنافر بين الناس، وقد يكون الحسد والغيرة في كل شيء ولكن أعمقها التي تنشأ في مجتمع العمل. عبد الرحمن «أعمال حرة» لا يختلف في وجهة نظره كثيرًا حيث يقول إن الحسد والغيرة وجهان لعملة واحدة وأنواعها كثيرة وأكثر من يواجهها هو كل ذي نعمة، وقد ذكر المصطفى عليه الصلاة والسلام ذلك حين قال «كل ذي نعمة محسود» فمثلاً إن رأى أحدهم جاره أو أخاه يبني منزلاً فاخرًا أو اشتري ثوبًا جديدًا أو نجح وتفوق أو حدث له أمر حسن ورآه في احسن حال إن ذلك لا يعجبه فتنتابه الغيرة ويصيبه الحسد عليه، ولا يهدأ له بال حتى يحدث له مكروه أو تعتريه مصيبة حينها تنفرج أساريره ويهدأ باله فتجده يشمت عليه ويضحك بخبث. وهي مؤكد صفات ذميمة لا تشبهنا كمسلمين وموحدين والله ورسوله نهوانا عن ذلك لذا يجب علينا معالجة أنفسنا من هذه الأمراض الخبيثة والحث على زرع الفضيلة والمحبة بين المجتمع والعمل على ربط الناس بعضهم ببعض. وأخيرًا أخذنا رأي أمجد عمر الباحث الاجتماعي لمعرفة الأسباب حيث قال: على الرغم من اختلاف المواقف إلا أن أشكال الغيرة والحسد تشترك في طبيعة التنشئة التربوية التي اكتسبها الشخص الغيور، من حيث عدم نضوج مشاعر حب الآخرين فيه وتقبل الآخرين، على حساب نمو سمات لا تخلو من الأنانية وحب الذات، والرغبة في أن يحظى الفرد بالانتباه وعدم إتاحة المجال للآخرين لمقاسمته هذا الاهتمام ومحبة الآخرين، إضافة إلى ضعف ثقة الشخص الغيور بذاته وبمن حوله، فهو ينظر إلى الآخرين دوماً بأنهم أفضل منه ولا يستطيع إدراك قدراته الشخصية التي يمتاز بها، حتى لو كان يمتلك بالفعل القدرات والمهارات والإمكانات التي تمكنه من منافسة الآخرين وتحقيق الأفضلية عليهم، إلا أنه يظل يشعر بالدونية، ولا يرى في أفعاله وأعماله قيمة عليا وهامة، على الرغم من أن بعض أفعال الآخرين قد تكون في المستوى العادي أو أقل شأناً مما يقوم به هو، إلا أنه يحسدهم عليها وتكون كبيرة في عينه نظراً لعدم ثقته الكافية بذاته وبقدراته.